السيرك الروسي: بوتين والوحش الجهادي

2018.08.11 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

بعد نحو ثلاث سنوات من تدخله الحماسي والحاسم في القضية السورية، تتضح شيئاً فشيئاً أهداف بوتين من تدخله في هذه القضية الشائكة. بين تلك الأهداف، وضع يده على حوض الجهاديين، والإمساك بورقة الإرهاب، الأمر الذي سيسمح له بالتحكم بقضية السلم والأمن العالميين، وسيرغم معظم دول العالم على التعامل معه بوصفه القوة العالمية الثانية، أو "القطب الآخر"، خاصة الدول الغربية التي ترفض الاعتراف به حتى اليوم سوى كقوة إقليمية كبرى.

 

لقد حقق احتلال سوريا شرط التماس الروسي مع الجهاديين، والقدرة على التأثير فيهم لكن مع الوقاية،

يمثل سلاح الجو الروسي، السوط الطويل، الذي يمكن لبوتين أن يجلد به الجهاديين، لا بل وأن ينهي وجودهم بالكامل، دون تبعات تذكر.

ومع القدرة على المناورة التي افتقدها أسلافه الإيديولوجيين عند احتلال أفغانستان. ويتعين عليه الآن أن يحافظ على بقاء هؤلاء الجهاديين، وعلى علاقة ما معهم، بحيث لا يتأذى من تلك العلاقة، ودون أن يضطر لنزع مخالبهم وأنيابهم وقدرتهم على التخويف وبث الرعب.     

إنها إذن لعبة المروّض والضواري؛ يمثل سلاح الجو الروسي، السوط الطويل، الذي يمكن لبوتين أن يجلد به الجهاديين، لا بل وأن ينهي وجودهم بالكامل، دون تبعات تذكر، وتم تجريب تلك الأداة عدة مرات وأثبتت كفاءتها. وتمثل الإمدادات بأنواعها ما يشبه الغذاء الذي يبقي الوحش على قيد الحياة بعد سجنه في قفص الحصار في مناطق محددة، تمهيداً لإخضاعه، وهو إجراء آخر جربه وأثبت نجاعته.

لكن سرك بوتين لن يعتمد على تنظيم واحد، سيكون بإمكانه أن يصطنع ويخضع مجموعة متنوعة من الضواري، ولكل منها أسلوب للتعامل معه، ودور في الاستعراض، ومهمة يحققها.

في إدلب شمالاً، حيث لن يعمد إلى عملية عسكرية سوى لاستئصال من تبقى من الجيش الحر، سيقيم نوع من الحكم الذاتي لجماعة القاعدة وحراس الدين وسواهم، وسيتوافق مع الغرب حول ذلك، وإلا ستجد أوربا على بوابتها الشرقية نحو نصف مليون لاجئ جديد. يؤكد ذلك إجلاء سكان كفريا والفوعة، فالروس والإيرانيون قادرون على الوصول إلى هاتين البلدتين وتأمين السكان هناك، أثناء أو قبل عملية تستهدف إدلب، لكن تلك العملية غير مطروحة، والأفضل هو سحب هذا البيدق.

أما في جنوب البلاد فقد تم نقل عناصر داعش إلى منطقة تقع بين محافظة السويداء، المنطقة المقلقة، وبين قاعدة التنف الأميركية، التي يشكل وجودها عقبة أمام المخطط الروسي العام في سوريا.

أما في الشرق فيتم استقطاب واحتواء عناصر داعش هناك عبر وسطاء عشائريين، يضمنون سلامة المتعاونين مع الروس من جهة، ويضمنون تعاون هؤلاء مع المخابرات الروسية من جهة أخرى، والهدف المرحلي هو القواعد الأميركية في شمال شرق سوريا، التي ستنسحب تحت ضرباتهم عاجلا أم آجلاً.

الموقوفون لدى أجهزة النظام والروس أيضا يمثلون كنزاً لا ينضب للمعلومات

الجهاديون يدركون كل أبعاد هذه اللعبة، ولا يترددون عن الانخراط فيها، فهو الرافعة الوحيدة لانتشالهم من سقوطهم الأخير في سوريا والعراق.

وهمزات الوصل مع التنظيمات الجهادية في العالم، واستثمارهم مديد، ومرابحهم مؤكدة.

وكتفصيل ثانوي غير ذي أهمية، يبقى هؤلاء الجهاديون سيفاً مسلطاً على رقبة كل حراك اجتماعي سياسي مستقبلي محتمل ضد الاحتلال الروسي أو وكيله "نظام الأسد".

من جهتهم الجهاديون يدركون كل أبعاد هذه اللعبة، ولا يترددون عن الانخراط فيها، فهو الرافعة الوحيدة لانتشالهم من سقوطهم الأخير في سوريا والعراق.

لم يخطئ الرئيس الفرنسي هولاند عندما وصف حرب روسيا في سوريا بأنها حرب صليبية، هي بالفعل حرب تحمل ملامح وسمات الحرب الدينية، فبوتين سيظهر في النهاية كحام للغرب المسيحي من التطرف الإسلامي، وكفارس غامر بالذهاب إلى وكر الوحش الجهادي وليّ ذراعه، لكن ليس لدق عنقه، فالبعبع يجب أن يبقى، وأن يذكر العالم بين الفينة والأخرى أن للأمن ثمن.

سيدفع الأمريكيون والأوربيون ثمناً باهظاً لتخليهم عن منطقة الشرق الأوسط، فهو ليس منبع النفط فقط، ثمة ينابيع حلوة ومرة تنبثق من هذا الحوض، وثمة وقت ضئيل لتدارك الخطأ.