السياسات الدولية واللاجئون السوريون

2019.04.03 | 10:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لقد أظهر مؤتمر بروكسل غياب سياسة دولية موحدة فيما يتعلق بالتعامل مع اللاجئين السوريين الذين يخضعون اليوم عرضة لصعود اليمين المتطرف والسياسات الشعبوية في أكثر من بلد مما جعل هذه الحكومات تتخذ سياسات أقل ما يقال عنها أنها عدائية تجاههم إن لم نقل عنصرية كما هي الحال في المجر والنمسا وإيطاليا.

إن صعود النزعة التسلطية الدولية التي لعبت روسيا بوتين دوراً رئيسيا في بروزها والصين بحد أدنى اليوم لعبت دوراً إضافيا في استهداف اللاجئين السوريين والتعامل معهم ليس بوصفهم ضحايا لأزمة سياسية إنسانية على يد النظام السوري وضحايا لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت بحقهم يومياً تقريبا إلى تصويرهم على أنهم إرهابيون أو خلايا نائمة تستعد لارتكاب التفجيرات أو تنتظر الفرصة حتى تقوم بمذابح مروعة ضد المدنيين أو في أفضل الحالات إن وجودهم بحد ذاته يغير الديمغرافيا الصافية للعرق الأبيض في أوروبا والولايات المتحدة ويغير ثقافتها المسيحية – اليهودية وإرثها الثقافي كما يردد باستمرار رئيس الوزراء المجري أوربان.

إن صعود النزعة التسلطية الدولية التي لعبت روسيا بوتين دوراً رئيسياً في بروزها والصين بحد أدنى اليوم لعبت دوراً إضافيا في استهداف اللاجئين السوريين

وهو ما وضع اللاجئين السوريين في مرمى الهدف الدائم وفضل الكثير من اللاجئين على العودة ومواجهة الموت بدل تحمل السياسات العنصرية اليومية التي تستهدفهم، وما يدل على ذلك بكل تأكيد أن جل العائدين من اللاجئين السوريين هم من المقيمين في لبنان حيث اتبع حزب الله وأطراف في الحكومة اللبنانية على رأسها وزير الخارجية الحالي جبران باسيل سياسة تحريضية ضد اللاجئين السوريين المقيمين في عرسال مما دفع العديد منهم مغادرة الأراضي اللبنانية إلى الحدود السورية رغم عدم تحقق الشروط الضرورية لعودتهم وفق ما نصت عليه مبادئ بنيرو الخاصة بالأمم المتحدة والمتعلقة بعودة اللاجئين إلى بلدانهم.

ولذلك بقي اللاجئون السوريون بشكل عام من دون الحماية الدولية الضرورية بسبب السياسات الوطنية والدورة الانتخابية في كل بلد، وعليه من الصعب توقع عودة ضخمة للاجئين السوريين بسبب عدم تغير الشروط داخل سوريا التي تسمح بعودتهم والتي تشمل الاستيلاء على ممتلكاتهم الخاصة أو تدميرها من قبل الجيش النظامي أو ميليشيات تتبع له، كما أن الملايين من النازحين داخل الأراضي السورية لم يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم بسبب الدمار الهائل الذي تعرضت له فكيف يمكن للاجئين التفكير بالعودة إلى بيوتهم وترك حياتهم الجديدة التي بدأت في بلد الاغتراب والتي رغم صعوبتها إلا أنها أكثر أماناً من معظم المدن السورية والأهم أنها تضمن مستقبلاً  كريماً للجيل الجديد من الأولاد والأطفال الذين شردتهم الحرب وحرمتهم من مقاعد الدراسة على مدى أكثر من خمس أو ست سنوات.

يمكن القول إنه لن يكون هناك حل قريب لقضية اللاجئين السوريين فيما يتعلق بعودتهم إلى بلدهم الأم، بسبب عدم تغير الظروف داخل سوريا وانعدام الأفق كلياً لحل سياسي قريب رغم اشتداد الأزمة الاقتصادية داخل الأراضي التي ما زال يسيطر عليها النظام في سوريا خاصة أزمة الغاز والكهرباء، ولذلك لم تستطع روسيا رغم استثمارها الكبير في هذا الملف من إقناع الكثير من الدول بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، حيث فقدان المبادرة الروسية إلى تحفيزات مالية فضلاً عن مغالطتها للكثير من الحقائق على الأرض يجعل من الجهود الروسية عرضة للفشل الدائم.

ولذلك بقي اللاجئون السوريون بشكل عام من دون الحماية الدولية الضرورية بسبب السياسات الوطنية والدورة الانتخابية في كل بلد

ومقابل هذه الجهود الروسية يبقى الموقف الأوروبي الذي يربط عودة اللاجئين السوريين وتمويل إعادة الإعمار بالانتقال السياسي الذي عبر عنه مؤتمر بروكسل مجدداً يمتلك الكثير من الصدقية على المستوى الدولي كما أنه يحظى بدعم الأمم المتحدة الراعي المشترك لمؤتمر بروكسل، لكنه بنفس الوقت يفتقد للدعم السياسي أو الدينامية السياسية الذي يستطيع تحويل هذا الموقف إلى حقائق على الأرض.

أما الولايات المتحدة بقيادة ترمب اليوم فتبدو خارج هذا النقاش تماماً حيث لا تشارك الإدارة الأمريكية الحالية في أية جهود فيما يتعلق باللاجئين السوريين وإن كان موقفها داعما للموقف الأوروبي فيما يتعلق بعدم عودتهم دون ضمان الانتقال السياسي لكنها لا تقود أية جهود على المستوى الدولي فيما يتعلق بقيادة الجهود الدولية لضمان تحقيق الحل السياسي بل إن الخطوات الأخيرة التي اتخذتها فيما يتعلق بالانسحاب الكامل من سوريا ثم التراجع عن ذلك وإبقاء بحدود ألف جندي أضعف المصداقية الأمريكية كما كشفت الميزانية الجديدة لإدارة ترامب حيث تم إلغاء كل المساعدات الضرورية لسوريا أو اللاجئين السوريين في تركيا أو دول الجوار كشفت إزالة سوريا من قائمة أولويات إدارة ترمب التي تكثف جهودها على المستوى الداخلي فحسب دون أية استراتيجية على المستوى الدولي  لوضع حد لمعاناة شعب دخلت معاناته الإنسانية عامها التاسع.