السوريون في تركيا.. أكثر من مجرد لاجئين!

2019.06.21 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لم يكن اللقاء التعارفي مع الإعلاميين السوريين، الذي دعت إليه مديرية الهجرة في تركيا، ممثلة بنائب مدير دائرة الهجرة في أنقرة، ومدير دائرة الهجرة في إسطنبول، "طفرة" أو منتزعاً من سياقه، أو مخصوصاً بظرف الانتخابات البلدية حامية التنافس في إسطنبول، فهو يأتي ضمن سلسلة من اللقاءات التعارفية التي قررت دائرة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية في تركيا، عقدها مع مجموعات وشرائح في المجتمع السوري بتركيا، لزيادة التواصل وتعميق أواصر التفهم لطبيعة المجتمعين التركي والسوري.

تمحور الاجتماع برمته حول انتخابات البلدية المرتقبة في إسطنبول، وحساسية تلك الانتخابات

تركيبة المعادلة في تركيا تختلف إلى حد ما، حيث تمارس هذا الاستغلال تيارات المعارضة المحسوبة على اليسار ويسار الوسط، ما يطرح تساؤلات عن هوية هذه الموجة الشعبوية التي تحتاج العالم

التي غالباً ما تنعكس سلباً على السوريين، عبر استخدامهم كوسيلة لكسب الأصوات مِن قبل بعض الأطراف السياسية في تركيا.

اللافت في هذا الاجتماع قناعة المسؤولين الأتراك بأن السوريين في تركيا عامة، وإسطنبول خاصة هم ضحية حملات تشن ضدهم بين الفينة والأخرى، لتحصيل مكاسب سياسية لا تخفى على أحد ضمن سياق نمو التيارات الشعبوية في العالم برمته.

لكن المستغرب في الوقت ذاته، أنه فيما تنتمي التيارات الشعبوية في أوروبا والعالم إلى جناح اليمين سياسياً، وتستغل ملفات الهجرة واللجوء، ولا سيما السوريين، لتحقيق هذه المكاسب السياسية "الرخيصة"، فإن تركيبة المعادلة في تركيا تختلف إلى حد ما، حيث تمارس هذا الاستغلال تيارات المعارضة المحسوبة على اليسار ويسار الوسط، ما يطرح تساؤلات عن هوية هذه الموجة الشعبوية التي تحتاج العالم، وكونها لا تقتصر على اليمين أو اليسار، وإنما ترتكز إلى عامل هوياتي سياسي، يركز على ملف "الآخر" في مواجهة "الأنا" أياً كانت هوية "الآخر" وأياً كان توجه "الأنا" سياسياً.

نائب مدير الهجرة العامة في العاصمة التركية أنقرة (غولتشة أوك) أكّد من جهته علم السلطات التركية بأن هناك مَن يُحمّل السوريين وزر غيرهم مِن الأجانب الموجودين في تركيا، ويُشار إلى كل أجنبي في تركيا على أنّه (سوري) وذلك كون السوريين هم الفئة الأكبر، ودعا إلى التعاون لعدم إتاحة الفرصة في إيقاع الفتن بين السوريين والأتراك.

من الملاحظات التي تلفت انتباه أي حاضر لسلسلة هذه الاجتماعات التي اعتزمت دائرة الهجرة التركية عقدها مع شرائح المجتمع السوري، ومنهم الإعلاميون، التركيز على مصطلحات جديدة في خطاب السوريين، في موازاة خطاب "الآخر- الأنا" التي تسوق له أحزاب المعارضة في تركيا، والتي استحالت شعبوية رغم يسارية مشربها، وهي مصطلحات تبتعد عن أوصاف "الضيوف" أو "المهاجرين" أو غيرها من الأوصاف الدارجة في الخطاب الجمعي التركي لتوصيف الوضع القانوني للسوريين في تركيا، والتركيز على مصطلح وحيد هو "الأخ" الذي يشمل من الدلالات الإيجابية ما لا يحتاج معه إلى إيضاحات، ويبدو أن المزاج العام في تركيا، بات أكثر تقبلاً لهذا التوصيف الجديد، مع ذوبان الحواجز اللغوية والاجتماعية بين السوريين والأتراك، وزيادة التقارب والتعارف بين الجانبين، على الرغم من المحاولات "البائسة" و"اليائسة" لتصوير خلاف ذلك، ولأسباب سياسية باتت ممجومة ومكشوفة!

بالمقابل، لا يخفى على أحد أن سلوك وتصرفات بعض السوريين في تركيا، لا يزال يشكل مادة دسمة لمحاولة إيقاع الفتن بين الشعبين، إذ يتصرف البعض وكأنه عصي على المساءلة أو المحاسبة، ويطالب بالتجييش الإعلامي على وسائل التواصل الاجتماعي، لحمايته من عواقب أفعاله التي تسيء إلى السوريين عامة، وينسى أن من أهم آداب الاستضافة أن يكون "الضيف" "أديباً" ومحافظاً على خصوصية المضيف، كما يقال في الأمثال الشعبية.

لعل من المشاهد التي استرعت انتباهي خلال الفترة الماضية، وكنت أمر عليها مرور الكرام، بحكم الاعتياد وألفة المشهد، ما قد تلحظه عين السائح أو الوافد الجديد إلى مدينة إسطنبول، وهو اكتظاظ بعض أسواقها ومناطقها بعشرات المحلات للسوريين على اختلاف أنواعها وخدماتها، فيما تتخلل هذه المحلات التجارية محل أو اثنان لمواطنين أتراك، ويمكنك إدراك ذلك، فقط لكونه خاوياً من الزبائن، لا سيما

هل يعي السوريون في تركيا أن مستقبل وجودنا (حتى يتسنى لهم العودة إلى الوطن) منوط ببذل المزيد من الجهد لتحقيق الاندماج في المجتمع المضيف؟

في منطقتي أكسراي والفاتح، ما دعا أحد الأصدقاء الذي زار إسطنبول خلال فترة العيد إلى القول: "لو كان هذا الوضع موجوداً في أي بلد عربي آخر، لما سكت مواطنوه على خسارة تجارتهم وأعمالهم، ومشاهدة اللاجئين السوريين يخطفون منهم زبائنهم (العرب والأتراك)، وربما تحركوا سياسياً وفي الشارع للمطالبة بإغلاق هذه المحلات!"

فهل يعي السوريون في تركيا أن مستقبل وجودنا (حتى يتسنى لهم العودة إلى الوطن) منوط ببذل المزيد من الجهد لتحقيق الاندماج في المجتمع المضيف؟ وهو جهد عليهم القيام به والانتظار لقيام المجتمع المضيف بمبادرات موازية، لتبديد أي احتمال للاحتقان بين السوريين والأتراك.