السوريون.. ضحايا تحالف الأقليات و"رهاب الأكثرية"

2018.11.27 | 00:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يعيش لبنان وسوريا، حالة "رهاب الأكثرية". الساسة اللبنانيون مهوسون بكيفية التخلّص من اللاجئين السوريين والفلسطينيين. فيما سوريا سلكت درب التخلّص من الأكثرية العددية طوال سنوات الثورة، عبر عمليات تهجير منظّمة، أطلق على هدفها شعار "حماية سوريا المفيدة". تتوسع الرغبة اللبنانية على الصعيد السياسي للتخفيف من وجود اللاجئين. وقد شهد لبنان في الفترات الأخيرة، عمليات تهجير منظّمة للمهجّرين، من قبل سماسرة ومهرّبين غير شرعيين.

يستفيد لبنان من ظروف معيشية قاسية يعيشها اللاجئون لدفعهم إلى المغادرة. بعضهم يعود إلى سوريا من دون أي ضمانات، ويجبرون على العودة إلى خارج أراضيهم الأساسية لغاية في نفس النظام التي تتكامل مع عمليات الترانسفير المذهبي التي حصلت طوال السنوات السابقة. والبعض الآخر، لا يجد سبيلاً أمامه سوى البحر، باتجاه أوروبا، التي أقفلت حدودها فعلق مئات اللاجئين بلا أي مأوى.

قبل أيام، قدّم وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، اقتراح قانون، يتعلّق بإقامة الأجانب على الأراضي اللبنانية. وصف باسيل اقتراحه بالسيادي، أي حفاظ لبنان على سيادة أراضيه، وهو إذ استخدم مصطلحات "الأجانب والعمالة الأجنبية" ومعاقبة المهربين غير الشرعيين، إلا أن الغاية الأساسية لهذا الاقتراح، تتعلّق في توفير مخارج قانونية لتهجير اللاجئين بشكل فوري. في الاقتراح نقطة أساسية

لا يمكن تحديد أعداد اللاجئين الذين غادروا المخيمات. ترتفع نسبتها فترة وتنخفض في فترات أخرى. وكأن هناك ضوء أخضر يسهّل عملية خروجهم من لبنان

تنص على الترحيل الفوري لمن دخل لبنان خلسة، وهنا مربط الفرس، الذي يثبّت استهداف اللاجئين المقيمين في لبنان، إذ إن عشرات الآلاف منهم قد دخلوا الأراضي اللبنانية خلسة. بما فيهم العديد من المسجلين لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

استباقاً لهذا القانون، شهدت المخيمات اللبنانية الفلسطينية والسورية، عمليات مغادرة عديدة للاجئين، عن طريق المرافئ، بعضهم سلك الطريق نحو ليبيا، بحراً، والبعض الآخر، جواً نحو تركيا، أو نحو أثيوبيا للانتقال منها إلى إسبانيا، وقوارب لا بأس بها توجهت نحو اليونان. لكن الأوروبيين مؤخراً أقفلوا الحدود والمعابر. لا يمكن تحديد أعداد اللاجئين الذين غادروا المخيمات. ترتفع نسبتها فترة وتنخفض في فترات أخرى. وكأن هناك ضوء أخضر يسهّل عملية خروجهم من لبنان. وكل ما ضاق الوضع الأمني، المعيشي، يندفع اللاجئون إلى التهافت نحو الهجرة.

غاية اقتراح قانون باسيل، تتلاقى مع غاية تسهيل طريق الرحيل لقوارب اللاجئين، أو طائراتهم، بالإضافة إلى عمليات تنظيم إعادة بعض اللاجئين إلى الداخل السوري والذين عاد البعض منهم بلا ضمانات فإما تعرّضوا للتعذيب أو الإعتقال أو القتل وفق ما يؤكد وزير شؤون اللاجئين في الحكومة اللبنانية معين المرعبي. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن عملية تنظيم إعادة اللاجئين إلى سوريا، تحصل بعد تسليم الجانب اللبناني لوائح بأسماء الراغبين بالعودة والمناطق التي ينتمون إليها، فإما يوافق النظام السوري أو يرفض، وتجدر الإشارة إلى ان النظام يفرض شروطاً جغرافية على عودة هؤلاء، إذ يهدف إلى إعادتهم إلى خارج نطاقاتهم السكنية الأصلية، فمثلاً أهل داريا، القصير، الزبداني ومحيطها، ممنوعون من العودة إلى قراهم وأراضيهم. ولهذا أهداف بعيدة المدى.

وفق نظرية التكامل في المسار والمصير بين لبنان وسوريا، تهدف العمليات إلى فرض وقائع عنيدة يصعب تغييرها، بشكل إذا ما حصلت أية تسوية سياسية مستقبلاً، لن يكون من السهل تفاديها. العنوان الأساسي لذلك، يندرج في خانة تحالف الأقليات. فمثلاً غادر سوريا ملايين السوريين، مقابل تجميع كتل الأقليات، على الأساس المذهبي، أو القومي والعرقي. على أن يكون هذا التجمّع قادراً على تشكيل نوع من نظام المصالح المشتركة، يستثمر في تجييش المخاوف الأقلوية، لتبرير استمرار مناطق النفوذ، ولا سيما الإيرانية في سوريا.

هناك رغبة في سوريا ولبنان بتحقيق اختلال ديمغرافي، يستفيد من ظروف دولية، وقوى كبرى راعية لمنطق الأقليات. روسيا في البعد الأرثوذكسي، وإيران في البعد الشيعي والعلوي. وهذا ما يتطلب تثبيت منطق خروج اللاجئين من سوريا ولبنان والحديث اللبناني اليومي على وجوب إعادة اللاجئين إلى سوريا، مقابل غياب أي مطلب أو طرح، لإعادة اللاجئين السوريين من أوروبا مثلاً. وهذا يدخل في نطاق فرض معادلة جديدة، تقوم على مبدأ وجوب تراجع عدد السنّة، وليس فقط بالمعنى العددي

ما يحصل يبدو وكأنه مخطط على صعيد دولي، يتجلى في ظهور كتلة شيعية، وكتلة درزية، وكتلة كردية، وكتلة مسيحية، علاقاتها عضوية بالنظام السوري، وبالتركيبة الواقعية القائمة

بل بالمعنى السياسي لتحجيم نفوذهم. فترفع إيران مثلاً شعار حماية الأقليات للاستمرار بالاضطلاع بدور دائم في سوريا. بينما المنظومة العالمية تبدو مسلّمة بما يجري، لما فيه حماية للمنطق الإسرائيلي الذي يقوم على مبدأ العنصرية، والتفتيت والقومية اليهودية، الي يجب أن تتأبد، بقوميات أو مذاهب تبرر وجودها، على عكس منطق التعايش والانتماء الوطني.

فرض هذه الوقائع الجديدة، بدا جلياً من خلال بروز كتل أقلوية تجمعها مصالح البقاء وتستثمر في شعار الدفاع عن الوجود بوجه الأكثرية. وما يحصل يبدو وكأنه مخطط على صعيد دولي، يتجلى في ظهور كتلة شيعية، وكتلة درزية، وكتلة كردية، وكتلة مسيحية، علاقاتها عضوية بالنظام السوري، وبالتركيبة الواقعية القائمة. وليس لبنان إلا امتداداً للتفكير نفسه، بآخر تجلياته، في اللقاء الذي عقد بين بعض رجال الدين المسيحيين اللبنانيين ببشار الأسد قبل أيام. في المقابل، لا يبدو أي وجود لكتلة سنية حاضرة بقوة وقادرة على فرض شروطها ودوافعها. وهذا ما تكرس في سوريا المفيدة التي تقتضي تحقيق نوع من التوازنات القائمة على التخفيف من العديد السنّي، بموازاة تقوية عضد تحالف الأقليات ليعوض ما بقي من تفاوت على المستوى العددي والديمغرافي. وهذه نظرية التكامل بين الديمغرافيا والعمل السياسي وفق منطق هذه المنظومة.

كلمات مفتاحية