icon
التغطية الحية

السجّلات المدنيّة.. منبر "الأسد" للكشف عن ضحايا معتقلاته

2018.08.03 | 18:08 دمشق

لا توجد إحصائيات دقيقة لـ أعداد ضحايا التعذيب في معتقلات "نظام الأسد"
تلفزيون سوريا - سعيد غزّول
+A
حجم الخط
-A

"الرجاء أوقفوا القتل في سوريا، هناك مذابح تُرتكب والبلاد تُدمر دون رحمة.. هناك عشرة آلاف ضحية لن يعودوا إلى الحياة، كانت لهم أحلام وطموحات وعائلات وأصدقاء لكّنهم قضوا في سجون الأسد.." هكذا وجّه "قيصر" خطابه إلى "الكونغرس" الأمريكي الذي صادق في تشرين الثاني 2016، على مشروع يفرض إجراءات صارمة تهدف إلى وقف المذبحة التي يتعرض لها الشعب السوري، وحمل التشريع الأمريكي اسم "قانون قيصر لـ حماية المدنيين السوريين".

لم تتوقف المذبحة، وباتت أحلام السوريين - الأحياء - مقتصرة على أن يقف عدّاد الموت عند الرقم "عشرة آلاف" (عدد ضحايا التعذيب الذين تحدّث عنهم "قيصر")، إلّا أن قوات "نظام الأسد" وجميع أجهزة الأمن التابعة له، واصلت الفتك بالسوريين (قتلاً تحت التعذيب)، وهنا الحديث عن آلاف المعتقلين في سجون النظام - عدا مئات آلاف الضحايا الذين قضوا بمختلف أنواع القصف الهمجي لـ النظام وحلفائه .

عشرات آلاف الصور لـ ضحايا قضوا تحت التعذيب في سجون ومعتقلات "نظام الأسد"، سرّبها أحد المنشقيّن عن النظام عام 2014 والذي اختار لقب "قيصر"، إلّا أن العالم - رغم جعجعته الإنسانية - وقف عاجزاً دون تحريك ساكن أمام تلك الصور، لـ ينجو "الأسد" مجدّداً مِن كل جرائم الحرب والإنسانية التي ارتكبها بحق الشعب السوري، حيث ملأ سجونه ومعتقلاته ومباني أجهزته وأفرعه الأمنية بمئات آلاف المعتقلين مِن الذين ثاروا ضد استبداده في آذار عام 2011، قضى عشرات الآلاف منهم "تحت التعذيب" بينهم قرابة 11 ألف معتقل حتى 2014 (أي خلال 3 سنوات) موثّقين بالصور التي سرّبها "قيصر".

وشكّل (ملف المعتقلين) معضلة كبرى ‏في القضية السورية وبات من الملفات الشائكة التي لم تغب عن طاولات بحث الوضع السوري في جميع المؤتمرات والمحادثات الدولية وعلى رأسها "أستانة"، ومؤخراً على مستوى مفاوضات "الهدن" و"المصالحات" المناطقية، حيث تطرحه الفصائل العسكرية كـ شرط للتفاوض على "التسوية" واتفاقات "التهجير"، ورغم ذلك لم تستطع أي جهة دولية حتى اليوم محاسبة المسؤولين عن عمليات الاعتقال والتعذيب داخل سجون "نظام الأسد" والتي وصُفت بأنها "مسالخ بشرية".

اليوم وتزامناً مع اتساع المساحة التي يستعيد "نظام الأسد" السيطرة عليها في سوريا، ربطاً بالتجاذبات السياسية الدولية بين حلفاء النظام وحلفاء المعارضة، يبدو أن "الأسد" يسعى إلى إغلاق ملف المعتقلين ولكن على طريقته، جيث يحاول إخفاء جريمة إبادة عشرات آلاف المعتقلين في سجونه السرّية والعلنية، ودون حتى العمل على تسليم جثامين الضحايا.

 


قوائم الموت السورية

مآتم عزاء كثيرة مفتوحة في مناطق سورية عدّة، لـ ضحايا تعذيب أبلغ "نظام الأسد" ذويهم بأنهم توفوا في سجونه ومعتقلاته بطريقة ربما رأى أنها الأكثر سهولة لـ تبرير وفاة الآلاف مِن ضحاياه، ألا وهي "السكتة القلبية" أو بمرض كـ"الربو"، حيث دأب النظام مؤخراً على إرسال قوائم المعتقلين إلى دوائر السجل المدني (النفوس)، لـ يُفجع أهالي المعتقل بنبأ وفاة ابنهم، أو ابنتهم، أو والدهم .. بعد انتظار طويل على أمل اللقاء به يوماً ما.

وفي أقل من أسبوعين كٌشف عن مصير نحو (ثمانية آلاف معتقل) مِن خلال "قوائم الموت" التي ما زال "نظام الأسد" يرسلها إلى السجلات المدنية في معظم المحافظات السوريّة، وأظهرت مصير العشرات مِن النشطاء السلميين الذين شاركوا في بداية الحراك الثوري السلمي وقبل أن يبدأ العمل "المسلّح" الذي فرضه النظام على الثائرين ضد استبداده، بعد استجلابه جميع مرتزقة الأرض لـ يشاركوه قتل السوريين.

وحسب تقرير لـ الشبكة السورية لـ حقوق الإنسان، فإن الآلاف الثمانية مِن ضحايا التعذيب هم مِن أصل نحو (13 ألفا و100 ضحية) قضوا "تحت التعذيب" في سجون "نظام الأسد" منذ شهر آذار 2011 وحتى شهر حزيران الفائت مِن العام الجاري 2018، لافتةً في آخر إحصائياتها، أن (812652) مواطناً سورياً اختفوا قسراً لدى الأجهزة الأمنية لـ النظام خلال الفترة ذاتها.

نحو 1000 معتقل من مدينة داريا في غوطة دمشق الغربية، علِم ذووهم عن طريق دوائر "السجل المدني" (النفوس) في حكومة "نظام الأسد" أنهم ماتوا في معتقلات "الأسد"، وأكّد فريق التوثيق بالتعاون مع "تنسيقية أهالي داريا في الشتات" مِن توثيق أسماء 68 استلم عائلاتهم وثائق تؤكّد وفاتهم منهم سبعة قضوا إعداماً في "سجن صيدنايا" مطلع العام 2013.

وذكرت صفحة "التنسيقية" على "فيس بوك" نقلاً عن مصادر مِن السجل المدني في داريا، أنه سيكون هُناك قائمة ثانية خلال الأيام القادمة، ورجحت أنه ما يزال قرابة 3400 من أبناء المدينة في سجون "نظام الأسد"، كما سلّم السجل المدني في مدينة المعضمية القريبة قائمة تضم (165 اسماً)، وقائمة في مدينة يبرود بالقلمون الغربي تضم أسماء 30 شاباً (بينهم 4 أشقاء)، وطُلب مِن ذوي الضحايا مراجعة المديرية لـ استكمال معاملة الوفاة.

وأفادت مصادر حقوقية عدّة عن وصول قوائم مماثلة لـ السجل المدني في محافظة حلب تضم (550 اسماً) عُرف من بينهم الطبيب "إبراهيم قاضي" (الذي اعتقله فرع الأمن العسكري عام 2014)، إضافة لـ قائمة أسماء في محافظة الحسكة تضم (750 اسماً)،و (150 اسماً) مِن محافظة حمص، و (125 اسماً) مِن محافظة حماة بينهم (خمسة أسماء مِن مدينة السلمية)، طالب أهلهم باستلام جثامينهم، إلّا أن "النظام" اكتفى بالرد بأن أبناءهم دٌفنوا، دون ذكر تفاصيل عن طريقة الوفاة أو تاريخها ومكان دفنهم.

كذلك، قالت مجموعة "العمل من أجل فلسطينيي سوريا" مطلع شهر تموز الفائت، إن حصيلة الضحايا الفلسطينيين داخل سجون "نظام الأسد" ارتفعت إلى 520 قتيلاً، وأن 16890 معتقلاً ما يزال مصيرهم مجهولاً، وسط أنباء تتحدث عن وصول قوائم بأكثر من 500 اسم لـ معتقلين فلسطينيين قضوا تحت التعذيب.

لا توجد إحصائيات دقيقة لـ أعداد ضحايا التعذيب في معتقلات "نظام الأسد"

وحتى اللحظة، لا توجد إحصائيات دقيقة لـ أعداد ضحايا التعذيب في معتقلات "نظام الأسد"، خاصة أن الأخير ما يزال يرسل إلى دوائر السجل المدني في المحافظات السوريّة أسماء مَن قضوا في معتقلاته على أنهم توفوا بأمراض مزمنة وأزمات قلبية وفق تقارير مزّورة صادرة عن المشافي العسكرية التابعة له.

ونشرت "الهيئة السورية لـ فك الأسرى والمعتقلين" في آخر تقرير صادر عنها، (17 من تموز 2018)، أن "نظام الأسد" يسعى إلى إخفاء جرائم الإبادة الجماعية بحق المعتقلين "قانونياً"، بعد إخفائه جثث عشرات آلاف المعتقلين السوريين "مادياً" (معظمها عن طريق الحرق في محارق خاصة داخل سجني صيدنايا وحرستا)، دون أن يسلّم جثامين الضحايا إلى ذويها حسب القانون والأصول، وذلك بهدف إخفاء طبيعة الوفاة الحقيقية وآثار التعذيب، في حال أرادت جهات محلية أو دولية إجراء خبرات طبية عليها.

بدورها، دعت "هيئة القانونيين السوريين" (المعارضة)، إلى ضرورة تفعيل عمل "لجنة التحقيق الدولية المستقلة" الخاصة في سوريا، وإجراء التحقيقات في مسرح الجريمة، وجمع الأدلة وسماع الشهادات، والعمل على تبيان مصير المعتقلين والمفقودين والمغيبين قسراً، ومن تمت تصفيتهم في الأفرع الأمنية والسجون، وإحالة جميع المتهمين في هذه الجرائم إلى العدالة وفي مقدمتهم "بشار الأسد".

ويرى الكثير مِن المحللين السياسين، أن عجز المجتمع الدولي عن نصرة الشعب السوري خلال السنوات السبع الماضية مِن عمر الثورة السورية، وتقدم "نظام الأسد" - بدعم إيراني وروسي - على الأرض وانحسار رقعة سيطرة الفصائل العسكري، دفع النظام إلى إرسال تلك القوائم والكشف عن مصير بعض المعتقلين الذين قضوا في سجونه ولكن بـ طريقة مخالفة للتي قضوا بها.

"نظام الأسد" بدأ يفتح ملف المعتقلين والمفقودين قبيل اجتماع "سوتشي"

وقال متابعون لـ الشأن السوري، إن توقيت إرسال قوائم الضحايا جاء بأمر مِن روسيا، وأن "نظام الأسد" بدأ يفتح ملف المعتقلين والمفقودين قبيل اجتماع "سوتشي" ضمن مسار "أستانا 10" الذي تحدث عن مفقودين وتبادل جثث الضحايا، مشيرين إلى أن النظام لا يعترف بأنهم معتقلون داخل السجون، فضلاً عن أن الطرف الإيراني يريد تحول المعتقلين في سجون النظام إلى أسرى حرب، الأمر الذي يميّع قضية الاعتقال السياسي ومصير عشرات آلاف الضحايا الذي قضوا "جوعاً وتعذيباً".

أما السوريون أنفسهم فيرون أن تلك القوائم بمثابة رسالة إلى جميع معارضي النظام بأنه لا يوجد سلطة دولية قادرة على محاسبته مهما فعل ونكّل بالسوريين، وأنه لا محالة سيفلت مِن العقاب، وأنه يدير (ملف المعتقلين) بالطريقة الدموية ذاتها التي مارسها منذ اليوم الأول مِن عمر الثورة السورية.

ويقبع عشرات آلاف المعتقلين في السجون والفروع الأمنية لـ"نظام الأسد" ومعتقلاته السرية، بتهمة "الإرهاب" بعضهم مضى على اعتقاله سنوات وهم مجهولو المصير، في حين يموت العشرات منهم "تحت التعذيب" وانعدام الرعاية الصحية، لـ يبقى (ملف المعتقلين) مِن أهم الملفات التي يراهن عليها "نظام الأسد" في إضعاف الحاضنة الشعبية لـ معارضيه، بالتزامن مع إمعانه في العمل على قاعدة أنه باقٍ، وما إعلانه عن ضحايا التعذيب في سجونه ومعتقلاته بأنهم توفوا بأسباب مرَضية، إلّا خطوة أولى لـ إنكار بقية الضحايا.