السابع من آب اتفاق (الخطوة بخطوة)

2019.08.16 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

جسّد الإعلان عن الاتفاق المشترك – التركي الأمريكي – في السابع من الشهر الجاري، حول ما أُطلق عليه (منطقة آمنة في شرق الفرات، ردّات فعل متباينة سواءٌ لدى المعنيين عن قرب، بتداعيات هكذا اتفاق، أو لدى المراقبين بشيء من الموضوعية التي – ربما - تتيح  لهم مساحة أكبر للنظر بقدر محدد من الحيادية، وعلى أية حال ، ثمة طرفان هم الأكثر تأثراً بأي اتفاق بين أنقرة وواشنطن يطول منطقتي منبج، وشرق الفرات، الأول هو قسم كبير من سكان تلك المنطقتين، ممن تم تهجيرهم من بلداتهم وقراهم وبيوتهم، سواء أكان هذا التهجير نتيجة لإجراء قسري لسلطات قسد إبان معارك التحالف ضد تنظيم داعش، أو من الذين غادروا تلك المناطق بسبب مناهضتهم - سياسياً-  لإدارة قسد، وبالتالي آثروا النزوح خوفاً من الملاحقات الأمنية. أما الطرف الثاني فهو حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd)، الذي وجد في التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية فرصته التاريخية لإقامة كيان سياسي على رقعة جغرافية – إدارة ذاتية – دولة – لم يكن، لوقت قريب، يتوقع حيازتها.

وعلى الرغم من كثرة التأويلات والتكهنات المقرونة بقليل من المعطيات الميدانية التي امتدت طيلة أشهر سابقة، ومع ما واكبها من تصعيد إعلامي تركي مصحوب بحشود عسكرية على الحدود السورية التركية، إلّا أن الإعلان عن اتفاق السابع من آب، لم يشأ إلّا أن يزيد من تلك التكهنات، وأن يراكم المزيد من الأسئلة الجديدة القديمة، وخاصة لدى الطرف الأول، لأسباب عديدة ، لعلّ أبرزها: الخيبة من عدم

اتفاق السابع من آب 2019 ، حمل- أيضاً ثلاثة - بنود رئيسية، إلّا أن تلك البنود كانت شديدة الضبابية، ولا تتضمن أية تفصيلات، ما جعلها مرة أخرى عرضةً للتكهنات والتأويلات

تطبيق اتفاق (الرابع من حزيران 2018)، علما أن هذا الاتفاق كان أكثر وضوحاً، إذ تضمن  ثلاثة مسائل رئيسية: الأولى مغادرة قوات حماية الشعب مدينة منبج، الثانية تشكيل إدارة مدنية جديدة بالتوافق بين أنقرة وواشنطن، الثالثة: السيطرة الأمنية المشتركة – التركية الأمريكية – على المدينة. إلا أن هذا التفاهم ظل حبراً على ورق، ولم يُنفذ إلا الجزء الرمزي منه، والمتمثل بالدوريات المشتركة على التخوم القتالية الفاصلة بين قوات قسد ودرع الفرات.

وبالمقابل فإن اتفاق السابع من آب 2019 ، حمل- أيضاً ثلاثة - بنود رئيسية، إلّا أن تلك البنود كانت شديدة الضبابية، ولا تتضمن أية تفصيلات، ما جعلها مرة أخرى عرضةً للتكهنات والتأويلات، وبخاصة أنها جاءت تكراراً لمواقف أمريكية سابقة، ذلك أن السعي الأمريكي لمعالجة المخاوف التركية التي تهدد أمنها القومي، لم يكن موقفاً جديداً من جانب الإدارة الأمريكية، وكذلك سعي الطرفين – التركي والأمريكي – لإنشاء غرفة عمليات مشتركة، فهو موقف لا يعني الكثير، بقدر ما يجسّد الهروب من عبارة (لا اتفاق)، وخاصة أنه جاء متبوعاً بعبارة (بأقرب فترة ممكنة) أي لا يوجد سقف زمني محدد للإجراء المشار إليه، وكذلك البند الثالث الذي يشير إلى منطقة عازلة ستكون (ممر سلام) وملاذا لعودة اللاجئين، ما يوحي بمحاولة متعمدة لخلط الأوراق. لكن ما حدث في موازاة اتفاق السابع من آب، ربما يزيل جانباً من الغموض، وأعني البيان الذي صدر عن البنتاغون الأمريكي في اليوم ذاته الذي أُعلن فيه عن الاتفاق بين أنقرة وواشنطن، إذ يتضمن البيان تحذيراً شديداً من عودة تنظيم داعش في منطقة شرق الفرات والعراق، وبغض النظر عن صحة ما جاء في بيان البنتاغون أو عدم صحته، فإن مضمون البيان يبدي رغبة أمريكية في الحفاظ على قوات سورية الديمقراطية، باعتبارها قوة مازالت الحاجة إليها قائمة، وهذه رسالة ناصعة الوضوح للعديد من الأطراف وفي مقدمتهم تركيا، أضف إلى ذلك ورود أنباء موثقة تؤكد توجه مئتي شاحنة مليئة بالسلاح، من منطقة القامشلي نحو مدينة كوباني. وإذا أضفنا إلى ذلك مجمل الزيارات التي قام بها جيمس جفري إلى دير الزور خلال شهر حزيران الماضي، وعقد عدة لقاءات سعودية أمريكية قسدية، انتهت بتعهد سعودي داعم لمشاريع تنموية واجتماعية لإدارة قسد، ووعود أمريكية بالسعي لتمكين حزب الاتحاد الديمقراطي من حجز موقع أساسي في مفاوضات جنيف، وفي ضوء ذلك كله، يمكن الذهاب إلى أن الأمريكان، رغم تفهمهم لهواجس أنقرة، إلّا أنهم بعيدون عن تخوم الاستجابة للرغبات التركية، ولكن حرصهم – في الوقت ذاته – على عدم هدم كافة الجسور التركية الأمريكية، يجعلهم أكثر ميلاً إلى استخدام لغة أكثر دبلوماسية حيال التصعيد الإعلامي التركي.

الإدارة الذاتية لقسد، وجمهورها، مغتبطون جداً بقدرة جيمس جيفري، خلال أسبوع من المفاوضات في أنقرة، على إقناع الحكومة التركية بتخفيض سقف مطالبها، بل بقدرته على امتصاص النزق التركي، وفقاً لقادة عسكريين في قسد، وإفراغه في تفاهمات لها سمة العمومية تارةً والغموض تارةً أخرى، وإرجاء معظم مسائل الخلاف بين الطرفين، إلى مفاوضات لاحقة، ربما تكون أكثر

ما هو مؤكد هو عدم وجود كثير مما هو متفَقٌ عليه بين الطرفين، بل إن أي خطوة نحو إجراء جديد ستخضع لمفاوضات جديدة وصعبة

وعورة من التي انتهت، ولا نعتقد أن الجانب التركي كان غافلاً عما يهدف إليه الأمريكان، إلّا أن حيازة ما هو متاح من المكاسب خير من لا شيء، ولعل هذا ما جعل التهديد التركي قائماً ومؤكداً أن تركيا ماضية في إنشاء المنطقة الآمنة حتى ولو بمفردها، ولعل الاستعجال التركي والتهديد بعدم السماح بتكرار سيناريو المماطلة باتفاق (منبج 4 حزيران 2018)، هو ما دفع الإدارة الأمريكية بإرسال (90) جنديا أمريكيا، في (13 من الشهر الجاري) إلى ولاية شانلي أورفا التركية التي ستكون مركزاً لإحدى القواعد الأمريكية التركية المشتركة، وذلك إيذاناً بالعمل من أجل البدء بالدوريات المشتركة.

هل ستكون تلك الدوريات المشتركة نسخة أخرى للدوريات المشتركة السابقة على التخوم الغربية الشمالية لمدينة منبج؟ أم ستتلوها إجراءات عملية أو ميدانية أخرى؟ ما هو مؤكد هو عدم وجود كثير مما هو متفَقٌ عليه بين الطرفين، بل إن أي خطوة نحو إجراء جديد ستخضع لمفاوضات جديدة وصعبة، ولا يمكن استبعاد دخول الطرفين المتفاوضين في تفاصيل كثيرة، ليس هدف واشنطن المساهمة في حلها، بل إغراق الخصم في خضمّها.

ليس اتفاقاً شاملاً ما حدث في السابع من آب، بل هو اتفاق (الخطوة بخطوة)، الذي سيعتمد فيه كل طرف على مدى احتمال خصمه للصبر، وقدرته على استيعاب الصدمات، وكذلك قدرته على الانطلاق من نقطة الصفر مرات كثيرة.