الرابحون والخاسرون من اتفاق سوتشي

2018.09.24 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لا شك أن تركيا أردوغان كسبت نقطة كبيرة بمجرد الإعلان عن الاتفاق. فقد انتقل العالم من انتظار مجزرة كبيرة سيرتكبها النظام الكيماوي، في إدلب وجوارها، بغطائه الجوي الروسي والميليشيات الإيرانية الحليفة، إلى تراجع العنف والحفاظ على الوضع القائم، حتى لو كان بصورة مؤقتة. وبدا الاتفاق تراجعاً روسياً عن موقفها في قمة طهران الثلاثية، لمصلحة الموقف التركي الذي طالب، في القمة نفسها، بوقف إطلاق النار، فووجه بالرفض الروسي.

فإذا انتقلنا من هذا العنوان العام إلى تفاصيله، تراجعت المكاسب التركية المحتملة من الاتفاق، مقابل مكاسب روسية – أسدية عند تنفيذ بنوده.

فمقابل "الشريط العازل منزوع السلاح" الذي يقترحه الاتفاق بضمانة أمنية تركية – روسية مشتركة، على أنقرة أن تنزع السلاح الثقيل للفصائل المعارضة. وهذا مما يجعل الأخيرة لقمة سائغة في أي معركة قادمة للميليشيات الأسدية – الإيرانية والطيران الروسي. ومن المرجح أن معركة استعادة محافظة إدلب وبعض جوارها الحلبي والحموي، تأجلت وحسب، ولم يتم إلغاؤها، إلا في حالة واحدة هي أن تسلم تركيا تلك المناطق التي تنتشر فيها نقاط المراقبة التابعة لها، للنظام وروسيا طوعاً. وهو ما يشترط، قبل ذلك، تفكيك هيئة تحرير الشام واستسلام الفصائل المقربة من تركيا، لكي يكون بوسعها تنفيذ هذا التسليم.

وكسب كل من النظام وروسيا نقطة كبيرة تمثلت باشتراط الاتفاق فتح طريقي حلب – اللاذقية، وحلب – حماة، الأمر الذي سيعد إنجازاً كبيراً يحتاج إليه النظام للإيحاء بعودة الحياة الطبيعية، وتحرك العجلة التجارية – الاقتصادية، إلى مناطق سيطرته المتوسعة باطراد. كما أن فتح هذين الطريقين الحيويين من شأنه أن ييسر تحريك القوات العسكرية إلى حيث تمس الحاجة لخوض ما تبقى من معارك السيطرة على الأرض، بما في ذلك حشد القوات في مواجهة مناطق السيطرة العسكرية التركية.

حتى في هذا السيناريو "المتفائل" ستجد روسيا ذرائع كافية للعودة إلى الخيار العسكري

واشترطت بنود الاتفاق على تركيا أن تنجز التزاماتها بتفكيك "تحرير الشام"، ونزع السلاح الثقيل من الفصائل، وتأمين الشريط العازل من جهتها، في مدة أقصاها الخامس عشر من شهر تشرين الأول القادم. وهي مهام كبيرة جداً ليس من المرجح أن تنجح أنقرة في إنجازها خلال هذه الفترة القصيرة جداً. والأصعب بينها هو عقدة "تحرير الشام" التي لا يعرف أحد ما القرار الذي ستنتهي إليه بمختلف أجنحتها المتنابذة. وأقصى ما يمكن توقعه، في فرضية "التفاؤل"، هو أن تحل "الهيئة" نفسها ويذوب مقاتلوها بين الفصائل والمدنيين. حتى في هذا السيناريو "المتفائل" ستجد روسيا ذرائع كافية للعودة إلى الخيار العسكري، فتضرب المدنيين والفصائل بذريعة وجود مقاتلي "الهيئة" المموهين بينهم.

تشكل "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) في إدلب، ما يشبه اللغم القابل للانفجار عند أي ضغط. فقد فشلت، سابقاً، في إقناع العالم بفك ارتباطها بمنظمة القاعدة المحاربة دولياً، كما فشلت في كسب تعاطف السكان في مناطق سيطرتها بسبب تدخلها الفظ في حياتهم اليومية، وارتكاباتها بحقهم، وفرض استبدادها السلطوي المغلف بتأويل متشدد للدين.

واليوم بات ظهر "الهيئة" إلى الحائط تماماً، وخاصةً بعدما أعلنتها أنقرة "منظمة إرهابية"، بعد سنوات من تبادل المنافع وتقاطع المصالح. فأصبح رأسها مطلوباً من الروس والغرب وتركيا والسكان المدنيين جميعاً. الهامش المتبقي لها، وفقاً لاتفاق سوتشي بين أردوغان وبوتين، ضيق جداً، عليها أن تقرر خلاله مصيرها: التفكك أو المواجهة، وكلاهما خيار مر بالنسبة لها. 

في حال اختارت "الهيئة" المواجهة سيكون على أنقرة أن تحاربها بواسطة تسليح الفصائل التابعة لها

تركيا أيضاً في موقف لا تحسد عليه، وبخاصة إزاء تقرير مصير "الهيئة"، وسيكون قرارها تابعاً لقرار الأخيرة. ففي حال اختارت "الهيئة" المواجهة، سيكون على أنقرة أن تحاربها بواسطة تسليح الفصائل التابعة لها، فنكون إزاء حرب فصائل، على غرار ما كان يندلع في الغوطة الشرقية بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن. مع فارق أن الحرب المقترحة، في هذا السيناريو، هي "حرب نهائية" أو حرب وجود، مع ما سيرافقها من خسائر بشرية كبيرة في صفوف المدنيين. وعملياً تكون تركيا والفصائل، في هذه الحالة، قد نفذتا معركة النظام وروسيا بدلاً منهما. وهو مكسب صاف للأخيرين بصرف النظر عن نتيجة المعركة. 

لهذه الحرب البينية المحتملة فوائد جانبية، بالنسبة للتحالف الروسي – الإيراني، تتمثل في تجميد تناقضاته الداخلية إلى ما بعد إدلب، ما دام الحليفان بحاجة أحدهما للآخر، قبل أن تتحول العلاقة إلى تنازع على جني المكاسب، في ظل التهديد الأميركي بنسف كل ما أنجزاه في سوريا. وإذا كانت إيران تواجه التحدي الأكبر، فإن روسيا ليست بمنأى عن الخيارات المرة بين إرضاء واشنطن وطهران وتل أبيب في وقت واحد، مع محاولة استدراج الأوروبيين لوليمة إعادة الإعمار مع إبقاء بشار الكيماوي في السلطة.