الرئيس الحيوان وسوريو السرطان

2018.09.07 | 19:37 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أثارت تصريحات الرئيس الأميركي حول بشار الأسد قلقا عاما، لأنها أطلقت مسارا وصفيا انتقاليا نقل الأسد من الإقامة في توصيف الحيوان إلى توصيف الرئيس. لم تكن هذه النقلة النوعية قفزة طويلة، بل توسطها مسار آخر كشف عنه بوب وودورد في كتابه "الخوف" الذي أكد فيه على أن ترامب كان قد أصدر أمرا باغتيال الأسد، ولكن إدارته لم تستجب للأمر وأقنعته باستبدال ذلك بضربة عسكرية محدودة.

شبكة أوصاف الأسد وفق ترامب تتشكل من ثلاثية الحيوان والرئيس والقتيل، ولعل متابعة منطق التوصيفات والتصريحات التي يطلقها الرئيس الأميركي على قادة العالم وعلى الصحافة، أو الطريقة التي يعبر فيها عن مشاريعه ومواقفه، تؤكد بشكل لا يقبل الجدل، أن الرجل لا يعمل على تحديد أو تعيين أي شيء بشكل مفرد وواضح ومحكم، بل إنه يهوى ويبرع في صناعة الكوكتيلات.

 يتشكل الكوكتيل الترامبي من مجموعة من المكونات التي تبدو متناقضة،

يمكننا أن نفهم أن صورة الأسد في نظره تتكون من كوكتيل الرئيس الحيوان، ويمكن أن يضاف إليها بهارات الموت بالاغتيال الذي لم يحصل لتتخذ الضربات صفة الخصاء أو رمزيتها كمكون تزييني.

ولكنه يسعى إلى منحها القدرة على التجانس من خلال عملية المزج والخلط وحسب، وليس انطلاقا من خصوصية أي مكون وحده.

من هنا يمكننا أن نفهم أن صورة الأسد في نظره تتكون من كوكتيل الرئيس الحيوان، ويمكن أن يضاف إليها بهارات الموت بالاغتيال الذي لم يحصل لتتخذ الضربات صفة الخصاء أو رمزيتها كمكون تزييني، يطفو على سطح الكوكتيل الرئيسي الذي يختصر بتوصيف الرئيس الحيوان.

ربما يكون ترامب أكثر من يعلم بأنه لا تناقض بين صفة الحيونة وصفة الرئاسة فهو ينطلق من تجربة شخصية عميقة في هذا المجال. المناخ الذي جاء به إلى سدة الرئاسة لم يخرج عن هذه الترسيمة، ولكنه يمارس كل صفة على حدة، ويجمع بينهما أحيانا وليس دائما.

 الأمر في حالة الأسد يكاد يكون أكثر تماسكا وعمقا، لأن الدفع الدولي في سبيل إحياء نظامه وشرعنته ينطلق من صعوبة إيجاد بديل له، يستطيع الجمع بين متطلبات حيونة الرئاسة، وتحويل الرئاسة إلى فعل حيواني بامتياز، سواه.

ما قاله ترامب بالتوازي مع تخوفه على مصير ملايين المواطنين السوريين في إدلب أعاد وزير الاستخبارات الإسرائيلي إسرائيل كاتس تكراره في حديث لمحطة 103 أف أم في تل أبيب حين أعلن "أن أفعاله مروعة قطعا، وهي شيء نبغضه وندينه. هؤلاء المعارضون له داعش وآخرون ليسوا طرفا نعتقد أنه أفضل. توخينا الحرص للحفاظ على مصالحنا".

يفاضل الوزير الإسرائيلي بين ترويعين حيوانيين أحدهما هو الترويع الأسدي والآخر هو ترويع داعش الذي يفترض أن كل معارضيه ينتمون إلى تيارات موازية لها. يعلن بعد ذلك عن تفضيله للترويع الأسدي الحيواني لأنه يتناسب مع مصالحه.

تتكامل التصريحات والمواقف الأميركية الإسرائيلية مع المواقف الروسية والإيرانية كذلك، فقد توالت الإشارات الروسية الدالة على احتقار الأسد عبر الاستدعاءات المتكررة له إلى روسيا، ومشاهد الإذلال المعلنة له في حضور بوتين في أكثر من مناسبة. كذلك سبق لإيران وميليشياتها إطلاق رسائل احتقار علنية له في فيديوهات مصورة تعلن أنه كان سيسقط لولا تدخلاتها، وإرسال ميليشياتها الإلهية لإنقاذه.

لا أحد يحترم الأسد أو يقيم له وزنا، بل يتعاملون معه وكأن الاغتيال الذي كان ترامب ينوي تنفيذه في حقه قد أنجز فعلا، وهذا بالضبط ما يفسر سر التمسك به، والسعي إلى إنعاش زمنه وترميم شرعيته المتداعية. إنه الرئيس الحيوان المثخن بالجراح، والمستعد لفعل أي شيء كي يتم إنقاذه وإطالة عمره ولو لفترة قصيرة. إنه الكائن الكوكتيلي الذي يمكنه القيام بمهمات لا يمكن لأي حيوان أو لأي رئيس أن يقوم بها إلا بالدمج الكامل بين صفتي الرئاسة والحيونة، وهو دمج لا يستطيعه أحد في هذه الفترة سوى بشار الأسد.

برز بالتوازي مع هذا الجو اجتماع سوريالي جرى في مجرة قناة الإم تي في اللبنانية التي نما إليها اكتشاف أطباء كوكب المريخ للأسباب الفعلية لانتشار السرطان في لبنان. أكد هؤلاء الأطباء أن السوريين هم السبب في ذلك، لأنهم يعانون من ظروف بائسة جعلت السرطان يستوطن أنفاسهم، ونظراتهم، حركاتهم وكلامهم كذلك، ولكن الأخطر أن هذا السرطان الذي ينتجه السوريون في لبنان يمتلك خاصية استثنائية لا تتوفر في السرطان الذي نعرفه، إذ أنه تحول بفضلهم إلى مرض جرثومي معد.

لا يمكن مناقشة هذا الخبر، على الرغم من الاعتذار اللاحق الذي نشرته القناة معتبرة فيه أنها نقلت خبرا طبيا، وأنها ليست مسؤولة عن محتواه، إلا بكونه عنصرية محضة لا يمكن منحها أسبابا تخفيفية، ولكن المفارقة الكبرى أن هذه العنصرية تحتمي بالعلم، وكأنها تريد أن تفتتح زمن عنصرية لبنانية خاصة وجديدة هي العنصرية العلمية. ملامح هذه العنصرية تقوم على نسب النزاعات العنصرية إلى اكتشافات العلم، وتحويل العلم نفسه إلى معمل تفريخ للعنصرية.

ما يثير السخرية في هذا المقام أن العنصرية العميقة الواردة في مثل هذه الأخبار والبيانات تفتقد إلى أدنى عناصرتماسك العنصرية الفعلية،

تفتقد العنصرية اللبنانية إلى هذا الخيط، لذا فإنها لا تظهر سوى بهيئة عنصرية هاذية وتشبيحية، غير قادرة على منح نفسها أسباب التمكين العنصري الفعلي.

فالعنصرية وإن كانت مبنية على استيهام خالص، إلا أنها تستوجب في الآن نفسه وجود خيوط لبنية تفوّق ما، يمكن أن تستند إليها.

تفتقد العنصرية اللبنانية إلى هذا الخيط، لذا فإنها لا تظهر سوى بهيئة عنصرية هاذية وتشبيحية، غير قادرة على منح نفسها أسباب التمكين العنصري الفعلي. ربما يجد العنصريون الفعليون في العالم أنفسهم في موقف حرج إزاء هذه العنصرية المهلهلة الرثة، الفاقدة للموقع، ويرفعون دعوى على العنصريين اللبنانيين بتهمة توهين العنصرية.

كما تجدر الإشارة إلى أن أسباب السرطان الفعلي العادي الشائع والمنتشر والمعروفة قد باتت في التداول العام منذ فترة، وتعود في معظمها إلى إنجازات فريق الممانعة، كما هو الحال في تلوث الليطاني الذي سرطن فعلا أكثر من ثلث أبناء المناطق التي تعيش حوله.

الممانعة اللبنانية تسرطن العيش والأخلاق والقيم، ولعل قناة الإم تي في لصاحبها ميشال المر، الأسدي العتيق الراغب في التجدد، عبر وصل زمان لبنان بزمان الأسد يبدي حرصا كبيرا على التفوق على منافسة حزب الله حول الأمر نفسه. إذا كانت مطالبات حزب الله بالانفتاح على الأسد فظة وعارية وبدائية فإنه يحرص في محطته ذات الطابع البريستيجي المتعالي على صناعة صيغة علمية للهذيان العنصري، دون أن يسأل نفسه هل يوجد هذيان علمي، وهل يمكن أن يجتمع العلم مع ما ينسف بنية وجوده؟

ربما تكون معادلة الرئيس الحيوان هي المعادلة الذهبية التي يرى فيها ممانعو لبنان والمنطقة الصيغة العلمية لإعادة إنتاج السرطان الواحد في شعبين.