الذكرى 71 للنكبة.. لا تحرير للقدس قبل تحرير دمشق

2019.05.25 | 00:05 دمشق

+A
حجم الخط
-A

جاء إحياء الذكرى 71 لنكبة فلسطين حافلاً بالدلالات والمعاني لجهة حضور الجيل الشاب في الاحتفالات، بوسائله وأساليبه الجديدة. كما الكم الكبير من العسكرة للقضية التي تشهد أسوأ مراحلها، إضافة إلى امتزاج النكبة بالمأساة السورية، وإعادة الانتباه للحقيقة التاريخية المتمثلة باستحالة تحرير القدس دون تحرير دمشق وبغداد الخاضعتين للاحتلال الأجنبي، واستعادة القاهرة المختطفة، وإعادة إعمار حلب والموصل اللتين مثلتا الخزانات الشعبية لصد الغزاة، وتحرير فلسطين على مرّ العصور.

في السياق الفلسطيني كان إحياء الذكرى الـ71 للنكبة لافتاً لجهة انخراط الجيل العشريني الشاب، وهو جيل الأحفاد والجيل الثالث والرابع

في السياق الفلسطيني كان إحياء الذكرى الـ71 للنكبة لافتاً لجهة انخراط الجيل العشريني الشاب، وهو جيل الأحفاد والجيل الثالث والرابع الذي لم ينس بعد رحيل جيل النكبة الأول. كما توقع مؤسس الدولة العبرية دافيد بن غوريون وآباء المشروع الصهيوني، بل ازداد تمسكاً بحقه في فلسطين مع الإيمان التام بحتمية إزالة آثار النكبة، وتفكيك الكيان الاستعماري الذي أقيم بالحديد والنار على أنقاض المدن القرى والبلدات بعد تدميرها وتهجير أهلها.

بدا لافتاً جدا فى فعاليات نكبة 71حجم الاستفادة من الإعلام الجديد، ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل ملفت للنظر أيضاً، عبر حملات منسقة ومحترفة، سعت إلى تأكيد الرواية الفلسطينية المحقة والعادلة عبر أجيال شابة، ودحض أسس الرواية الصهيونية الكاذبة والمزورة، التي تحاول إسرائيل ترويجها أمام الرأي العام العالمي وتحديداً الغربي . 

فلسطينياً، رغم هذا الكم الكبير، وغير المسبوق من العسكرة في تاريخ القضية، إلا أن الواقع الفلسطيني لم يكن سيئاً أبداً كما هو الآن، ليس في الشتات أو في الضفة، وإنما في غزة نفسها ساحة العسكرة المركزية التي تعيش أوضاع كارثية ومأساوية بكل ما للكلمة من معنى. حيث قال تقرير لمنظمة الصحة العالمية منذ أيام إن مئتي ألف من أهلها يعانون من اضطرابات نفسية، نصفهم أطفال في سن المراهقة، بينما قال تقرير آخر لشبكة المنظمات الأهلية  إن 70 بالمائة من الغزيين، يعانون من انعدام الأمن الغذائي مع نسبة بطالة عالية جداً خصوصاً بين الشباب، مع الانتباه طبعاً إلى الفارق الشاسع والكبير جداً بين المقاومة بكافة أساليبها وأشكالها السياسية الميدانية الإعلامية والقانونية الممتدة عبر العالم، والتي تخاطبه بلغة يفهمها، وتحافظ على وحدة النسيج السياسي الاقتصادي الاجتماعي للشعب الفلسطيني، ولا تخضع أو تستسلم أمام الاحتلال، وفي نفس الوقت تمنعه من استخدام الحد الأقصى من القوة ضدها، وبين العسكرة التي تواجه الاحتلال عبر حرب تقليدية أو شبه تقليدية غير متكافئة القوى، وتعطيه الفرصة للبطش والتنكيل بالفلسطينيين وتدمير مقدراتهم وممتلكاتهم.

فلسطينياً، مثل التوحد السياسي على رفض صفقة القرن بقعة ضوء واسعة في الذكرى الـ71 للنكبة وإصرار على إفشالها إسقاطها، وعدم تمريرها، أي كان الثمن، ما يراكم مزيد من العراقيل أمام أنظمة الفلول والثورة المضادة المنخرطة فى تسويق الصفقة وتمريرها، لكن الشق السوريالي وغير المفهموم تمثل بمدى الارتكان للانقسام المؤسساتي والتنظيمي، والعجز عن المصالحة والتوحد حتى في مواجهة صفقة يوجد إجماع  وتوافق فلسطينى واسع، على هدفها الخبيث المتمثل بتصفية القضية وإزالتها عن جدول الأعمال الإقليمي والدولي.

عربياً، رغم انشغال الحواضر والعواصم العربية الكبرى بهمومها، كان لافتاً الانخراط السوري من قبل النشطاء والثوار والشباب منهم على وجه الخصوص في التفاعل مع المناسبة، التي تمتزج فيها النكبة الفلسطينية بالمأساة السورية، والتأكيد على الوحدة و التمسك بالأمل بل القناعة التامة بإزالة النكبة وإنهاء المأساة، وأن العقل الجمعي الفلسطيني هو جزء من العقل الجمعي التاريخي السورى العميق، وأن القراءات التاريخية وحتى الواقيعة تؤكد حتمية زوال المستعمرة الإسرائيلية تماماً كما نظام الاستبداد لآل الأسد .

في الذكرى 71 للنكبة حضرت كذلك النقاشات التى تستحضر الحقائق والوقائع التاريخية، حيث لا تحرير لفلسطين دون تحرير دمشق وبغداد، وإعادة إعمار حلب والموصل واستعادة القاهرة المخطوفة.

فى الحوارات والنقاشات، كان إجماع  متجدد على أن إسرائيل ما كانت لتصمد وتستمر لـ 71 عاما لولا أنظمة الاستبداد التي حكمت بلادنا بالحديد و النار

فى الحوارات والنقاشات، كان إجماع  متجدد على أن إسرائيل ما كانت لتصمد وتستمر لـ 71 عاما لولا أنظمة الاستبداد التي حكمت بلادنا بالحديد و النار ، وفشلت فى بناء دول ومؤسسات بالمعنى الحقيقي والدقيق للمصطلح ، فى الحالة السورية كنا أمام نظام حول سوريا العظيمة إلى سوريا الطائفية المتجانسة لآل الاسد، وإستغل الصراع مع إسرائيل لتقوية قبضته الأمنية وأجهزته القمعية، نظام حجم وأضعف مقدرات وثروات سوريا العظيمة القادرة على مواجهة اسرائيل وهزيمتها، من أجل الحفاظ على سوريا المتجانسة المتناقضة حتماً مع سوريا العظيمة التاريخية لكل أبنائها، المنفتحة على تاريخها وإرثها العميق وجوارها العربي الإسلامي.

حضرت الحقائق والوقائع التاريخية في السياق العربى العام، حيث تدمير الغزاة والغرباء المعتدين عن عمد لحلب والموصل، وتسهيل بل استجداء احتلال دمشق وبغداد، علماً أنه فى السوابق والتجارب التاريخية بمواجهة الغزاة من الصليبيين والتتار، كانت تلك الحواضر هي الخزانات البشرية المركزية لمعركة التحرير الحاسمة فى فلسطين.

وفيما يخص القاهرة المختطفة من قبل نظام السيسي الانقلابي، بينما الكتلة الشعبية التاريخية فيها مضهدة مقموعة ومقهورة، ومع اتضاح الدور الذي يؤديه رأس حربة الفلول والثورة المضادة، لصالح الاحتلال الأجنبي تتأكد حتمية استعادة المدينة وتحريرها من خاطفيها، كي تقوم بدورها التاريخي إلى جانب شقيقاتها في معركة النهوض والتحرير والانتصار .

لم يتخيل أجدادنا أن النكبة ستستمر 71 عاماً، كما لم يتخيل آباء ومؤسسي المشروع الصهيوني، أن المقاومة والعناد الفلسطيني العربي خاصة على المستوى الشعبي سيستمران أيضا طوال هذه المدة، في هذه الذكرى كما فى السنوات الثمان السابقة، تأكدت حقيقة أن مصيرنا واحد، وأن عودة الثورات العربية إلى سكتها الصحيحة، وإعادة تأسيس الدولة العربية المستقلة المدنية الديمقراطية لكل مواطنيها، هي أولى الخطوات نحو صد ودحر الغزاة، وهذا ما فهمته إسرائيل منذ اليوم الأول لاندلاع الثورات، عبر مسارعتها إلى دعم الفلول والثورات المضادة في معركتهم اليائسة والمأزومة لإعادة التاريخ إلى الوراء.