" الدب والضباع" و"الطريدة والقواد"

2018.12.17 | 00:12 دمشق

+A
حجم الخط
-A

ما هذه "الطريدة" النادرة؟! وكيف يكون بلدٌ- عاصمته الأقدم بتاريخ البشرية- طريدةً بذهن مخلوق يسبقه أهل سوريا حضارياَ بأجيال؟ ما الذي حلّ بسوريا، وماذا ارتكب أهلها من ذنوب لتتم معاقبتهم بهذه الطريقة البشعة؟! تُبتلى سوريا بعائلة قررت أن تكون مالكة، وما هي من المُلك بشيْ. أهل سوريا جاروها اضطرارا؛ وقالوا: /للأبد للأسد/؛ ولكن، عندما طلبوا بعض أوكسجين الحرية، ذبحهم. والملوك التقليديون الأبديون؛ عندما طالبتهم رعيتهم ببعض أوكسجين الحرية؛ استجابوا لطلباتهم.

الآن، وبعد ما يقارب ثماني سنوات من القتل والدمار والاعتقال والتهجير؛ بعد استباحة الوطن من قبل محتل الأرض سابقاَ، ومحتل الأرض لاحقاً؛ وبعد نهاية

عملت موسكو على بسط هيمنتها في سوريا وجعل الطريدة بكليتها رهينة بيدها؛ ومن أجل ذلك قتلت ودمرت، وارتكبت ما يمكن ببساطة أن يُسجَّل عليها كجرائم حرب

سيادة الأبدية الزائفة القاتلة؛ وبعد قرارات دولية تدعو إلى حل سياسي؛  تريد تلك الأبدية الزائفة أن تقنع العالم بأن الأمور عادية، ومَن خرج يمكنه العودة، وما تدمَّر يمكن إعادة اعماره؛ ولكنها تغفل أن من قتل مرة، وبدون حق، يمكن أن يقتل ثانية؛ ومن دمّر مرة، يمكن أن يكون قد تعوّد على التدمير؛ ومن فقد غالياً أو بيتاً أو صديقا،  لا يمكن أن يتعايش ثانية مع من فعل ذلك أو تسبب به؛ ومن جلب الاحتلال يمكن أن يجلبه ثانية ليحمي كرسيّه.

عملت موسكو على بسط هيمنتها في سوريا وجعل الطريدة بكليتها رهينة بيدها؛ ومن أجل ذلك قتلت ودمرت، وارتكبت ما يمكن ببساطة أن يُسجَّل عليها كجرائم حرب: (قصف مدارس ومُستشفيات وأسواق، وقتل مدنيين- وكل ذلك موثّق، وخاصة من قبل مجموعات الخوذ البيضاء، الذين نشأت عداوة عميقة بينهم وبين موسكو، حيث اعتبرتهم عملاء للغرب عدوها، واعتبرتهم إرهابيين أيضا). وعلى الصعيد السياسي، أبدت موسكو استعدادية لارتكاب جرائم لا تقل عن تلك العسكرية؛ وتمثل ذلك بإغلاقها بوابة مجلس الأمن والحؤول دون التوصل إلى أي ردع أممي لنظام الأسد، حتى ولو كلّفها ذلك تصنيفها كحامية لمجرمي حرب.

بعد كل هذا الشقاء في السعي للاستئثار والتفرد بالصيد الثمين، يفتح الدب أعينه ليجد عددا من المتربصين بالطريدة؛ وهؤلاء من جانبهم يسعون لنتف حصصهم دون أن يكون له حول أو قوة للحؤول دون ذلك. يستيقظ ليجد أمريكا ومن تدعمهم يسيطرون على ما يقارب ثلث الطريدة؛ وتركيا ومن تدعمهم على ما مثل ذلك؛ يستيقظ ليجد إيران وعصابات بقايا "النظام" يشاركونه ما تبقى؛ وإسرائيل تستبيح القطاع الذي في عهدته حمايته على الدوام. يستيقظ ليجد أمامه بلداً مدمراً لا يمكن أن يقبل أحد إعادة العلاقات مع القائمين على ما تبقى منه؛ وهناك ملايين تشردوا من بيوتهم في الداخل والخارج السوري؛ ولا أحد يقبل إعادة تأهيل نظام تسبب بذلك؛ وهناك ملايين في حارة النظام بوضع اقتصادي مؤلم؛ وهناك وضع أمني لا يُحتمل. وفوق كل ذلك، هناك قرارات دولية تلاحق روسيا قبل أن تلاحق النظام الذي تعهَّدتَ حمايته.

بالنسبة للروسي يمكن التخمين أن ما يعادل كل تلك المنغصات أعلاه هو مسلك نظام الأسد المنفصم عن أي واقع، والذي يعكّر عليه ويشوش خريطة سيره بالاستئثار بالطريدة. مواقف النظام المنفصمة عن الواقع المستفيدة انتهازياً من التناقضات بين مختلف اللاعبين على الساحة السورية والطامعين بنتف الجسد السوري تربك موسكو وتضعها في حالات حرج أمام الآخرين وخاصة الفاعلين بينهم. فـ "اللجنة الدستورية" مثلاً هي نتاج سياسي روسي؛ والمفارقة أن من يعرقلها هو نظام الأسد الذي تحميه روسيا. روسيا هاهنا وجدت نفسها عرضة لهجوم عالمي بسبب ألاعيب النظام وتنسيقه مع الخبث الإيراني، فانفضحت هشاشة موقفها بخصوص العملية السياسية، ما دفع الموفد الأمريكي إلى استخدام عبارات إملائية كـ "dead line" /موعد نهائي/ كي يقوم المبعوث الدولي بعمله بخصوص "اللجنة الدستورية" متجاوزاً روسيا وتحكمها بالعملية؛ وهنا تجد أن موسكو قد سارعت بإرسال - لا وزير خارجيتها بل معاونه - إلى قيادة دمشق ويوصل إليها الأوامر بالموافقة.

عملياَ، بالنسبة لروسيا، كان بإمكان لقاء استانا في الثامن والتاسع والعشرين من الشهر الماضي أن ينجز ما صرح به السيد لافروف بالأمس فرحاً كإنجاز تاريخي

روسيا ستجد نفسها على الدوام في حالة حرج عندما تسير وراء ألاعيب وخداع هذه العصابة

بأن الاتفاق على قائمة اللجنة الدستورية قد أُنجز؛ وهو ذاته الذي قال قبل وخلال وإثر لقاء استانا إنه "لا استعجال على تشكيل اللجنة الدستورية". ربما كانت نسبة ماء الوجه المحافَظ عليه أكثر، لو أن الإعلان بالموافقة قد تم إثر القمة، وليس إثر تصريحات "جيمس جفري".

المشكلة أن هذه المسيرة، وهذه الآلية، وهذا المسلك المنفصم عن الواقع؛ والذي يتصرف تصرف "البلطجية" والعصابات سيستمر من قبل عصابة دمشق؛ ونعتقد أن روسيا ستجد نفسها على الدوام في حالة حرج عندما تسير وراء ألاعيب وخداع هذه العصابة؛ ليتبع ذلك تصريح قوي أو تهديد؛ ثم لتسارع موسكو بالإعلان عن الموافقة أو الاتفاق. كل ذلك لا يشي بسياسة أو تصرف دول تحترم نفسها ولها قيمة وتعمل بناء على استراتيجية واضحة لا تكتيكات تنتهجها فقط الجهات المتمرسة بالعمل المافيوي. مشوار السوريين قد يكون طويلاً مع الحامي والمحمي؛ فهما ربما من الفصيلة الاستبدادية ذاتها. ببساطة، رغم حقارته، صَدَق ذلك التوصيف لسوريا بـ "الطريدة"؛ ولكن فاته أن يتحدث عن "الدب" و "القوّاد" و "الضباع".