الدب الروسي إذ يتمدد في معاقل حلفائه!

2019.03.18 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لا تبدو طموحات قيصر الكرملين فلاديمير بوتين مقتصرة على سوريا، بعد أن نجح في "تحجيم" الدور الإيراني في سوريا والظهور أمام المجتمع الدولي بمظهر المهيمن والمسيطر على القرار في دمشق، في ظل العقوبات والضغوط الاقتصادية على النظام الإيراني، ها هي عيون بوتين ترنو إلى لبنان!

يعلّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين آماله على لبنان، فأهمية هذه الدولة على الرغم من صغر حجمها وقلة مواردها بالمقارنة مع دول الجوار ترجع إلى عدد من الأسباب، منها أن المنظومات الدفاعية التي نصبتها روسيا في قواعدها في سوريا، تغطي الأراضي اللبنانية بسبب قرب لبنان وكونها خاصرة سوريا، والمسافة الجغرافية القصيرة بين مدينة طرابلس الشمالية وبين هذه القواعد، دفعت بوتين إلى الإدراك أنه من الأفضل أن يكون له موطىء قدم في بلاد الأرز.

الرئيس الروسي يعمل على تحقيق رغبته على عدد من الأصعدة، ولا يكاد يستثني منها شيئاً عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وحتى ثقافياً. والعام الماضي 2018 شهد نشاطاً روسياً محموماً تجاه لبنان. فعلى الصعيد العسكري، اقترح الروس على اللبنانيين صفقة سلاح كبيرة قيمتها مليار دولار، يمكن دفعها خلال 15 عاماً، من دون فوائد، بحسب ما نقلته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية. ربما لن تتحقق الصفقة

تستمر روسيا في اقتراح صفقات التسلح على الجيش اللبناني الذي يتردد في إقامة مثل هذه العلاقة

بسبب الضغوط الأميركية الكبيرة على الحكومة اللبنانية، وكذلك ضغوط بعض الدول العربية التي تمول القطاع العسكري في لبنان، لكن موسكو سرعان ما اقترحت على الجيش اللبناني تقديم ذخيرة مجانية. ورئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري حصل عليها ونقلها إلى قوى الأمن الداخلي والدرك.

تستمر روسيا في اقتراح صفقات التسلح على الجيش اللبناني الذي يتردد في إقامة مثل هذه العلاقة، التي تبدو له مثل علاقة غير شرعية في ظل تقاسم الولايات المتحدة وفرنسا وإيران النفوذ في هذا البلد، وهو يخشى من إغضاب حلفائه الاستراتيجيين رغم المغريات الروسية وأسعار السلاح الرخيص وشبه المجاني الذي تعرضه موسكو على بيروت. ومؤخراً اشترى لبنان من روسيا 104 شاحنات عسكرية.

في مجال النفط والغاز، وهو مجال الصراع المقبل لا محالة بين دول المنطقة، في ظل الاكتشافات الغازية الكبيرة في منطقة شرق المتوسط، تبدو روسيا التي تعد واحدة من أكبر مصدري الغاز والنفط في العالم، مهتمة بالمخزون اللبناني، بعد أن وضعت يدها عملياً على نظيره السوري. فبعد اندماج شركة الغاز والنفط الروسية "نوفتاك" مع شركتي "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية، تحولت روسيا إلى شريكة في التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط. ومؤخراً دخلت شركة روسية جديدة "روز نفط" إلى الصورة في منطقة طرابلس، المدينة القريبة من القواعد الروسية في سوريا.

أما على المستوى الثقافي، فقد شهد هذا المجال في السنوات الأخيرة ازدهاراً كبيراً، فعلى سبيل المثال أُقيمت مراكز ثقافية في شتى أنحاء لبنان. وقريباً سيُفتتح مركزان إضافيان في منطقة عالية في منطقة جبل لبنان، وفي الجنوب، غير بعيد عن الحدود مع إسرائيل. وتنشط هذه المراكز الثقافية في تعليم اللغة الروسية للبنانيين، وهو ما تنشط به في سوريا أيضاً، وتشكل مركز تجمع للمثقفين العرب في لبنان من أنصار اليسار العربي التقليدي ومثقفيه، وهي أيضاً تشكل إطاراً وواجهة للنشاط السياسي. فالموسيقار اللبناني زياد الرحباني أنشأ مجموعة باسم "مجموعة لـ تفكير سياسي" - خطوة متقدمة لبناء لوبي روسي في لبنان، ويبدو أن مثل هذه المجموعات في طريقها إلى التناسل في لبنان، حيث الحاضنة الشعبية مواتية لقبول الأفكار "التحررية" أو التي تستلهم النضالات اليسارية والاشتراكية، رغم تخلي النظام الروسي الحالي عنها منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991!

لا تنظر ميليشيا حزب الله اللبناني بعين الرضا بطبيعة الحال، إلى النشاط الروسي. فالحزب يدرك تماماً كيف جرى تهميشه في

لا يرتاح حزب الله إلى إجراء هذه المحادثات المتكررة وتغلغل روسيا الهادئ في لبنان، لكنه لا يجرؤ على الإفصاح عن تبرمه وامتعاضه من هذا التسلل الروسي

المشهد السوري مع نفوذ ولي نعمته إيران لصالح النفوذ الروسي منذ قرار موسكو التدخل عسكرياً في سوريا عام 2015، فالنفوذ الروسي المتنامي في لبنان ينافس نفوذ إيران. ورئيس الحكومة سعد الحريري يكرر في الآونة الأخيرة زيارة روسيا لإجراء محادثات في موضوعي سوريا وطهران، واللاجئين السوريين.

لا يرتاح حزب الله إلى إجراء هذه المحادثات المتكررة وتغلغل روسيا الهادئ في لبنان، لكنه لا يجرؤ على الإفصاح عن تبرمه وامتعاضه من هذا التسلل الروسي، بحكم علاقة التحالف العسكري بين إيران وروسيا حالياً، وحاجة الأولى للثانية في ظل ظروف الحصار الدولي على طهران، لكن التمدد الروسي إلى معقل الحزب في لبنان يطرح أسلئة عن قرب المواجهة وانفضاض التحالف بين إيران ووكلائها في لبنان مع الدب الروسي الذي بات أكثر نهماً وتأقلماً مع المياه الدافئة في البحر المتوسط، ويطمح إلى تعزيز وجوده في شرق المتوسط والانقضاض على نفوذ حليفه الإيراني الذي يبدو أنه في طريقه إلى التداعي!

كلمات مفتاحية