الخطة الروسية لإعادة اللاجئين السوريين 

2018.08.28 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في الوقت الذي تقوم روسيا بالتحضير لحملة عسكرية على إدلب، بدأت روسيا حملة للعلاقات العامة على المستوى الدولي تعلن فيها "نهاية الحرب" في سورية وبدء عملية إعادة الإعمار وبذل الجهود الدولية من أجل عودة اللاجئين والمهجرين السوريين إلى مدنهم وقراهم، فقد أشاد وزير الخارجية الروسي بالتقدم الذي أحرزته موسكو في المناقشات حول عودة اللاجئين مع تركيا والأردن ولبنان - أكبر ثلاث دول تستقبل اللاجئين السوريين في المنطقة. حين قال "أعتقد أننا سنرى نتائج على المدى القصير.

وفوراً أرسلت الخارجية الروسية فريق عمل إلى هذه البلدان الثلاث لشرح الخطة الروسية لها والتي تقتضي عودة اللاجئين وفق الخطة الروسية المقترحة، حيث أشار رئيس مركز مراقبة الدفاع الوطني الروسي، الكولونيل جنرال ميخائيل ميزينتسيف، إلا أن بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أكدت له أنه "يمكن أن يعود حوالي 890،000 مواطن سوري إلى وطنهم خلال الأشهر المقبلة" وأضاف "أنشأت الحكومة اللبنانية فريقاً عاملاً لإنشاء لجنة مشتركة للتعاون مع سوريا في الأمور المتعلقة بعودة اللاجئين. وقد أفادت مراكز اللاجئين الإقليمية اللبنانية عن تلقي 10 آلاف طلب من مواطنين سوريين [يسعون] للعودة إلى وطنهم".

وعلى ما يبدو فقد كلف الجنرال الروسي ميزينتسيف بالتنسيق بين هذه الجهود المختلفة من أجل عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار، فقد أشار أيضاً إلى أن الأردن "اتخذت عددا من الخطوات التي شجعت أكثر من 200 ألف مواطن سوري على التعبير عن رغبتهم في العودة إلى أماكن إقامتهم الدائمة" ولم ينس أن يضيف أن كل هذا يحدث وسط نجاحات الجيش السوري في استعادة السيطرة على الحدود الأردنية - السورية".

هذا الموقف الروسي المتفائل يبدو أنه اصطدم بموقف شديد الفتور من الولايات المتحدة وأوربا خلال زيارة بوتين الأخيرة إلى ألمانيا وأيضاً الأمم المتحدة ووكالاتها المختصة من مثل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ومكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين الذين وجدا "تسرعاً" غير محسوب في الخطة الروسية ولذلك انتقد هذا المبعوث الروسي وكالات الأمم المتحدة المختلفة واتهمها بأنها "تسترشد بموقف الغرب وتنتظر حتى يتغير هذا الموقف الغربي ".

ما الذي تهدف إليه روسيا من خطتها الترويجية في إعادة اللاجئين السوريين في وقت قصير وبدون أية ضمانات دولية؟

الفتور الغربي بدى غريباً لروسيا التي اعتقدت أن إعادة تفعيل عودة اللاجئين السوريين سيشكل ورقة مهمة بالنسبة للسياسة الغربية أو على الأقل أوروبا تحديداً، فموضوع الهجرة كان محور سياسات القارة الأوروبية منذ عام 2015 حين شهدت موجات لا سابق لها من اللاجئين والمهاجرين كانت نسبة السوريين منهم لا بأس بها. وهذا بالحقيقة ما يطرح علينا السؤال الهام ما الذي تهدف إليه روسيا من خطتها الترويجية في إعادة اللاجئين السوريين في وقت قصير وبدون أية ضمانات دولية؟ وهل ستنجح هذه الخطة على المستوى الغربي الأمريكي والأوروبي

تعرف روسيا أن الحاجة الدولية لنظام الأسد ربما انتهت تماماً، فقد استطاعت الولايات المتحدة ومن خلفها الحلفاء الأوربيون في استعادة معظم المناطق من داعش وعلى رأسها الرقة من دون التنسيق أو التعاون مع النظام السوري وبالتالي استهلكت ورقة "محاربة الإرهاب" التي غالباً ما يتذرع بها النظام السوري لدعوة الأطراف الغربية للحوار معه، وبالتالي لم تجد روسيا سوى ورقة اللاجئين بوصفها الورقة التي يمكن أن تغير الموقف الغربي والأوروبي من النظام السوري.

لا يمكن التكهن بالمستقبل، بمعنى أن لا أحد يضمن عملياً عدم ارتفاع أصوات غربية تنادي بالحوار مع الأسد في المستقبل سيما بعد أن تمكن من السيطرة على معظم الأراضي السورية باستثناء إدلب بالتعاون مع الحليفين الإيراني والروسي، لكن المشكلة الرئيسية تكمن في التكلفة أو الثمن السياسي لهذا الحوار، فالأسد اليوم بعيون المجتمع الدولي – ربما باستثناء الرئيس بوتين – هو مجرم حرب بعد كل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها ضد الشعب السوري، وهو ما وثق في مئات التقارير من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والجمعية العامة للأمم المتحدة ولجنة التحقيق الدولية المستقلة وغيرها الكثير الكثير من المنظمات الدولية، وبالتالي تكلفة أي دعوة للقاء بالأسد أو مساعدته ستكون مكلفة للرأي العام الغربي، وبالمقابل ليس هناك ضمانات أنه سيحصل على أي شيء مفيد بالمقابل من الأسد.

قدرة روسيا على إعادة تأهيل النظام السوري تصطدم بعقبة رئيسية وهي الرأي العام الغربي الذي لن يتقبل أية محاولة لتعويم "مجرم حرب"

وبالتالي قدرة روسيا على إعادة تأهيل النظام السوري تصطدم بعقبة رئيسية وهي الرأي العام الغربي الذي لن يتقبل أية محاولة لتعويم "مجرم حرب" أضحت جرائمه في كل بيت وعلى كل هاتف (بسبب ثورة التواصل الاجتماعي) وخلف ذلك بالطبع تقف مجموعة من التشريعات والقوانين في البرلمانات والكونغرس الأمريكي التي تجعل قضية أي اتصال مع حكومة الأسد أو حتى رفع العقوبات عنه من المستحيلات في الوقت الحالي.

ولذلك عندما طرح الرئيس الروسي بوتين على الرئيس الأمريكي ترامب خطته لإعادة الاستقرار في سورية بدا ترامب غير مشجع في أحسن الأحوال وبدت أولوياته مختلفة ولذلك ما أعلن في المؤتمر الصحفي أنهما اتفقا على "أمن إسرائيل" فحسب، ولذلك عندما أرسل قائد القوات الروسية رسالة إلى رئيس هيئة الأركان الأمريكية رسالة تدعوه فيها للمشاركة في عملية إعادة الإعمار في سورية لم تجد الرسالة سوى رداً فاتراً.

المقترح الروسي كان يشير بواقعية إلى النظام السوري "يفتقر إلى المعدات والوقود والمواد الأخرى والتمويل اللازم لإعادة بناء البلاد من أجل قبول عودة اللاجئين". فكان الرد الأمريكي غير المباشر على لسان المتحدثة باسم الخارجية " لن تدعم الولايات المتحدة عودة اللاجئين إلا عندما تكون آمنة وطوعية وكريمة ". وهو ما تدركه روسيا اليوم أن ملايين اللاجئين السوريين لن يعودوا وبالحقيقة ليس لهم بيوت ليعودوا إليها بعد أن دمر الأسد بيوتهم ومنازلهم وقراهم ومدنهم، ولذلك يبدو الموقف الأمريكي والأوربي صلباً حتى الآن، إن إعادة الإعمار وعودة اللاجئين إنما ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالانتقال السياسي، وطالما أنه ليس هناك انتقال سياسي فلن تساهم الدول الغربية في دفع "أرباح جرائم الحرب" التي اقترفها الأسد ضد شعبه.