الخطة التي وضعها الإيرانيون للبقاء في سوريا ودور نصر الله

2018.06.03 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يتناول الهمذاني في هذا الجزء المثير من المذكرات الفترة المتعلقة بالربع الأخير من العام 2012، ويركز هذا الجزء على الخطة التي أعدها الهمذاني بنفسه لمواجهة الثورة في سوريا و"للبقاء في سوريا لسنوات طويلة" حسب تعبيره، والمثير في هذا الجزء أنه يحدد دور نصر الله بوضوح لم نكن نعرفه من قبل، فحسب همذاني نصر الله هو المشرف والمسؤول المباشر للإشراف على التدخل الإيراني في سوريا وفقا لتعليمات خامنئي.

وحسب الجنزال همذاني واضع الخطة فإن الخطة تقوم على خمسة محاور: أمني، وعسكري، وسياسي، وثقافي/ديني، واقتصادي، وهي محاور تحاول القبض على الحياة العامة والتحكم بالمجتمع وتعتبر المهام الرئيسية للحرس الثوري في إيران نفسها. ويقول همذاني إنه ذهب مع ما سماه "أبو مهدي" الذي وصفه بأنه

نصر الله طلب أمرين: الأول أن يتم الاقتصار مبدئيا على محورين: الأمني والعسكري، والثاني هو تقديم الخطة على مراحل للنظام حتى لا يتم رميها في الأدراج.

قائد الحرس الثوري في لبنان (من المحتمل أن يكون هو حسام خوش نويس (الإيراني حسن شاطري)، معظم الإيرانيين يحملون أسماء مزدوجة، والذي اغتيل في طريق عودته من دمشق إلى بيروت منتصف شباط عام 2013.) للاجتماع بنصر بعد موافقة أولية على الخطة من قبل الجنرال قاسم سليماني في طهران، وأن نصر الله طلب أمرين: الأول أن يتم الاقتصار مبدئيا على محورين: الأمني والعسكري، والثاني هو تقديم الخطة على مراحل للنظام حتى لا يتم رميها في الأدراج. ويكشف النص المثير  من حوار نصر الله عن العقلية التي تتحكم بالإيرانيين في نظرتهم إلى سوريا، حيث يولون أهمية خاصة للجانب الديني (التشييع) كجزء من الخطة.

والشيء المهم الذي ينوه إليه همذاني أن هذه الخطة أعدت في وقت خسر النظام سيطرته على 75% من الأراضي السورية التي صارت بحوزة المعارضة، وأن النظام صار في وضع السقوط المحتم، والخطة تهدف أولاً لإنقاذه.

 

النص:

لقد وفقني الله في وضع خطة استراتيجية شاملة أو كما يسمونها "خارطة طريق"، وهي تدرس وتعالج خمسة قطاعات رئيسية لخروج سوريا من أزمتها الراهنة. وهذه القطاعات هي القطاع العسكري، وقطاع الأمن، والقطاع الاقتصادي، والقطاع السياسي، والقطاع الثقافي. وخارطة الطريق هذه تحدد ما الذي ينبغي علينا أن نفعل في حال بقائنا لسنوات طويلة في سوريا، وتُحدد كيف نتصرف في مواجهة مؤامرات أعداء الأمة الإسلامية السورية، وما هي الإجراءات اللازمة تجاهها عند حدوثها.  تتضمن هذه الوثيقة نحو مائة ونيف من التدابير لمواجهة الأحداث محتملة الوقوع.

 أخذنا إذناً ورجعنا إلى إيران ومعنا الوثيقة حيث سلّمناها إلى القائد سليماني، وناقشنا موضوعاتها في اللقاء الذي دام بيننا لساعات طويلة. فقد طال اجتماعنا من الصباح حتى الثانية عشرة ظهراً، وقد نظر [سليماني] بدقة في تفاصيل خارطة الطريق، وراجع بعضها، ثم قال: "أنا موافق تماماً على هذه الوثيقة" (خارطة الطريق). ووفقاً لتوجيهات السيد خامنئي فإن السياسات الكلية والأساسية للمقاومة وأحداث سوريا بشكل عام هي تحت إشراف السيد حسن نصر الله، لذلك - ووفقا لتلك التوجيهات - فإن نصر الله كان يدير كافة الأمور المتعلقة بسوريا، ولهذا السبب قال لنا الحاج قاسم: "اذهبوا وسلّموا هذه الخارطة إليه؛ فإن وافق عليها فابدأوا بتنفيذها".

ذهبنا إلى السيد حسن نصر الله وسلّمناه إياها، واتفقنا علي أن يدرسها ويبلغنا رده بعد أسبوع. وبعد أسبوع فعلاً جاءتنا رسالة تطلب منا القدوم إليه، فسافرنا من دمشق إلي بيروت، وهناك وبصحبة أخينا أبا مهدي - وهو قائد للحرس الثوري اللبناني - ذهبنا إلي السيد حسن نصر الله وصلّينا المغرب والعشاء معه هناك، وبعد الصلاة بدأت الجلسة، وطلب مني أولا أن أوضّح وأشرح مشروع "خارطة الطريق"، فتكلمت حول تفاصيلها. ثم سألني هو عن عدة أمور حول المشروع. ودامت الجلسة حتى الفجر دون فاصل باستثناء نصف ساعة لتناول العشاء.

وفي تلك الأيام كانت نحو 75% من أراضي سوريا تحت سيطرة القوات المسلحة الإرهابية، و25% كانت تحت إدارة الحكومة المركزية، وكان الوضع خطيرا جداً، وكادت أن تحسم مسألة الحكومة السورية.

قال السيد نصر الله في ختام الجلسة إن "المشروع جيد جداً، ولكن ليس هناك حاجة لتفعيل الجزء المتعلق بالقطاعات السياسية والاقتصادية والثقافية. وأضاف قائلاً: "الآن بشار الأسد ومسؤلو حزب البعث وسلطات النظام السوري غارقون في المستنقع حتى أعناقهم، ومهددون بفنائهم تماماً، وأنتم في هذه الظروف العصيبة تريدون أن تذهبوا و تقيموا الأنشطة الثقافية؟! أو تفتحوا الفصول التعليمية وتتكلمون في الدين؟ الآن ليس هناك وقت مناسب للفعاليات الثقافية، فهولاء سيغرقون.                  

ومن الناحية الاقتصادية تريدون أن تخيّطوا لهم البدلة والإزار؟ أو تطعموهم الطعام؟ هؤلاء لا يريدون الطعام، بل يفقدون أنفسهم ويغرقون. ومن الناحية السياسية تريدون أن تقولوا لهم أعيدوا بنية نظام الحكم؟ كل شيء أوشك أن يزول من يدهم ويفنى. دعوا هذه القطاعات الثلاثة من مشروع "خارطة الطريق"، وركزوا على القطاع العسكري والأمني فقط؛ لأن لهما الأولوية.

"في البداية يجب أن ننقذ بشار وسلطات النظام من المستنقع، وبعد ذلك ننشغل بنظافتهم، ونخيّط لهم البدلة والإزار، ونجهّز لهم أفضل الطعام وهم يدرسون ويتعبّدون"

في البداية يجب أن ننقذ بشار وسلطات النظام من المستنقع، وبعد ذلك ننشغل بنظافتهم، ونخيّط لهم البدلة والإزار، ونجهّز لهم أفضل الطعام وهم يدرسون ويتعبّدون،  ولكن مهمتكم الأولوية والضرورية في خارطة الطريق هي إنقاذهم من المستنقع".                                            

كانت هذه الفكرة جيدة فعلاً. بعد ذلك قالوا لنا: اذهبوا وعدلوا في هذه النقاط ثم ارجعوا إلينا مرة أخرى. ودامت تحرير وثيقة المشروع أسبوعاً وتم إدخال التعديلات عليها. واستبعدنا الموضوعات التي أشار إليها نصرالله بحذفها من خارطة الطريق، وركزنا فقط حول قطاع الأمن والقطاع العسكري.

ورجعنا بها مرة أخرى إلي سيادته في موعد آخر للاجتماع. ووافق سيادته على مشروع خارطة الطريق بعد ساعات من المناقشة والدراسة، ثم قال: "إن السلطات السورية لا يشعرون بمدى أهمية هذه الخارطة مع أنهم في أوج الأزمة، ولو سلّمتموهم هذه الوثيقة بما تحمل من المبادرات والإجراءات المهمة جملة واحدة فإنهم سيتركونها في المحفوظات وتتحول إلى الأرشيف، لذا من الأفضل أن نقسمها إلى مراحل، و في كل مرحلة سلّموا لهم جزءاً من هذه المبادرات التدبيرية".

ولأن الجيش [السوري] كان قد خرج من ثكناته وصار منشغلاً بالصراعات في المدن، فإن الجنود السنة تخلوا عن معسكراتهم، ليس بمعنى أنهم انضموا إلي المخالفين المسلحين، بل إنهم ذهبوا إلي مدنهم وأريافهم؛ لأنهم كانوا يشعرون بأنهم سيقتلون في هذه الصراعات العشوائية.

جاء الجيش بكل إمكاناته في ساحة المعركة، ومع ذلك كان يحتاج إلي قوات إضافية، سوريا ليست كبلدنا فنحن لدينا الشرطة والحرس الثوري والباسيج. ووجود هذه القوات في بلادنا يظهر مدى عظمة تخطيط وإجراءات السيد روح الله خميني (ره) التي أخذها بعد نجاح الثورة الإيرانية. ورغم وجود "قوات الثورة الإسلامية"، و"الجيش" والجندرمة"، وشرطة المرور، والشرطة إلا أنه أصدر قراراً عاجلاً بتشكيل الحرس الثوري الإيراني، وبعد شهرين قرّر إنشاء قوات "الباسيج المستضعفين"، وقال: "البلد الذي له ستة وثلاثون مليون نسمة وعشرون مليون شاب يجب أن يكون في يد أبنائها عشرون مليون بندقية للدفاع عن نفسه" ولو أن السيد الإمام لم يأخذ تلك الإجراءات الرشيدة فإن أوضاع إيران بعد ثورتها ستكون في مرحلتها الأولى أسوأ بكثير من الأزمة السورية.