الخاسرون في إدلب.. الأسد والضفادع وآخرون

2018.09.19 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

روس وإيرانيون وأمريكان وأتراك.. تتوزع أعلامهم على الخريطة السورية مشيرة إلى مناطق سيطرتهم، إلا أن بشار الأسد وجنوده لا يشعرون بالأسى والهزيمة إلا عندما يشاهدون اللون الأخضر راسخاً في الزاوية العلوية اليسرى من الخريطة.. حيث إدلب الخضراء، التي خططوا لارتكاب المذبحة الكبرى فيها، ليس لإعلان انتصار في حرب، بل لوأد آخر مساحة للرفض، ولإرواء أحقاد استجلبوها من أعماق تاريخ مكذوب، وبناء أحقاد تكفي لشحن آلة القتل في أزمنة مقبلة.

ويدرك كل من عايش الثورة والحرب السورية أن الأسد وزمرته لو حيزت لهم الدنيا بأسرها لما أغنتهم عن إدلب التي خططوا لأن تكون مقبرة الحرية والمنادين بها، فكان ما حشدوه وألقوه من أحقاد على إدلب أشد وأدهى من كل الأسلحة التقليدية وغير التقليدية التي رموا بها باقي المناطق السورية.. حتى أوصلوا مؤيديهم المحقونين بجرعات عالية من الطائفية والكراهية إلى القول بضرورة إبادة إدلب وأهلها أطفالاً ونساء وشيوخا،

أصحاب "المصالحات" الذين انقلبوا على أنفسهم وأهليهم وأذعنوا لموت مؤجل سرعان ما فرضه عليهم نظام الأسد عبر تصفيات واعتقالات وإهانات.

ما يعني اليوم - وبلا أدنى شك- أن الأسد وجنوده وحشده قد خسروا كل معاركهم في إدلب، وما أغنى عنهم مصالحة هنا أو كسر إرادة هناك، فهم غير موجودين على الخريطة راهناً إلا بـ"منفسة" تتحكم بها غرفة عمليات في موسكو وأخرى في طهران.

وبنجاة إدلب، بصبرها وكفاحها ودعم الحليف التركي، ثمة خاسرون آخرون غير النظام وحلفائه، إلا أنهم أكثر حسرة وندامة، وما كان بينهم وبين الفوز بالمجد والشرف والسلامة إلا صبر ساعة، أولئك هم أصحاب "المصالحات" الذين انقلبوا على أنفسهم وأهليهم وأذعنوا لموت مؤجل سرعان ما فرضه عليهم نظام الأسد عبر تصفيات واعتقالات وإهانات، لكنها لا ترقى إلى الإهانة والمذلة التي ارتضوها لأنفسهم عندما حُشدوا على تخوم إدلب موجهين بنادقهم إلى صدور أبنائها، وهي التي فتحت صدرها منذ البدء لكل من آثر العزيمة على السلامة وتقاسمت معه الأقدار غير متعللة بأعذار. وإن كان صدر إدلب قد اتسع سابقاً لبعض المرجفين والمنافقين والمرائين، من باب التسامح واللين، فإنه اليوم محكوم بلفظ هؤلاء، لخلق بيئة نقية تليق بالعهد الجديد.. إنه يوم الفصل، ولا يمكن لأحد أن يبقى في المكان الخطأ، وتأسيساً عليه فإن "الضفادع" ستغادر بعد تجفيف مستنقعاتها، ولن تجد عند "الأسد" المُهان مكاناً سوى ما بين فكيه بعدما انتفت كل حاجة إليها.

وفي عهد إدلب الجديد، ستتحول المنطقة إلى وجهة مأمولة لآلاف المترددين الذين رضخوا لتسويات مع نظام القتل مقابل بقائهم في بيئاتهم "الآمنة" ليتبين لهم أنها ليست أكثر من معتقلات احتجزوا فيها بلا أدنى حقوق لتسجيلهم كناخبين محتملين في انتخابات قادمة محتملة، وبينما كان البعض يعقد صفقات سرية للانتقال إلى مناطق النظام، فإن الآية اليوم ستُعكس تماماً، وينشط التهريب من مناطق النظام إلى إدلب الحرة، وكذلك من مناطق سيطرة "قسد" حيث التمييز العنصري العرقي.

وتطول سلسلة الخاسرين والمهزومين في ملحمة إدلب، ولعلَّ من أبرزهم حاملي رايات السواد والقلوب السوداء،

الرسالة الأوضح للمظاهرات المليونية: أيها المسلح، آن لك أن تعلم أنك في حمايتنا وليس العكس.  

الذين لم يدخروا وسعاً في فرض هيمنتهم عندما سنحت لهم الفرصة، ناكثين عهد الناس الذين احتضنوهم ووفروا لهم كل أسباب التمكين، وكان هؤلاء وما زالوا يهددون مصير المنطقة بالأسوأ، إلا أن الصحوة الشعبية والوعي الثوري أقصاهم في اللحظة الحاسمة، فكانت مظاهرات الأسبوعين الفائتين هي الغالبة، وكان قولها هو القول الفصل، واللون الأخضر هو الراجح على كل ما سواه، في إعادة الثورة إلى سيرتها الأولى، وكانت الرسالة الأوضح للمظاهرات المليونية: أيها المسلح، آن لك أن تعلم أنك في حمايتنا وليس العكس.  

ولا شك في أن جمع الخاسرين سيحشد طاقاته على أكثر من جبهة وبأكثر من وسيلة لاستعادة المبادرة، ومن ذلك قصف ميليشيات تابعة للنظام- بعد إعلان الاتفاق بساعات- قاعدة "حميميم" الروسية، بغية اتهام المعارضة وخلط الأوراق، غير أن الروس كشفوا اللعبة وحددوا مواقع القصف، وعلى الجبهة الداخلية بدأ بعض المتشددين بإطلاق الوعيد ضد تركيا وفصائل المعارضة، مدعين بأن قضيتهم ليست إدلب بل هي "قضية أمة"!.. لكن صوت إدلب المنتشية بنصر أبنائها وكفاحهم الطويل يسمو أعلى من أصوات المدافع والمواقع.