الحكومة السورية ومهزلة إعادة الإعمار

2018.11.20 | 00:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أقرت حكومة النظام في سوريا الموازنة العامة التقديرية لعام 2018 والبالغة نحو 3 تريليونات ليرة (6 مليارات دولار)، وفق سعر صرف 500 ليرة للدولار، وهو السعر المعتمد لموازنة العام المقبل. علماً أن السعر الحقيقي لليرة السورية مقابل الدولار يبلغ أضعاف هذا الرقم لكن أسباب عدة ما زالت تجعل سعر الليرة إلى الدولار يتراوح بين 500 و600 ليرة سورية.

المهم أن وزير المالية مأمون حمدان قدم عرضاً حول تقديرات الموازنة العامة للدولة للعام 2018 تتضمن الاعتمادات الجارية والاستثمارية والإيرادات وكشف أن قيمة الموازنة الإجمالية للعام القادم 2018 تزيد على 3 تريليونات ليرة (نحو 6 مليارات دولار أميركي) وهي تزيد على موازنة العام الجاري 2017 بنحو 15%، في قيم الدعم الاجتماعي والإنفاق الاستثماري والجاري. وتبجح بالقول إنها "أعلى موازنة "رقماً " بتاريخ سوريا" دون أن يشرح لنا كيف يمكن تعويض خسائر خزينة الدولة من نفط وضرائب وتمويل عجز الموازنات السابقة، فقد تحول النفط من أهم مورد للخزينة إلى أكبر مستنزف لها، كل هذه الأسئلة تبقى بلا إجابة بالنسبة للأسد وحكومته، التي اعتادت الكذب والتزوير في الأرقام والبيانات والموارد.

لكن المهم هنا هو أن حكومة الأسد رصدت مبلغ قدره 50 مليار ليرة سورية أي ما يعادل 9 مليون دولار فقط لإعادة إعمار ما هدمته، هذا الرقم يدعو للسخرية فهل تتخيل حكومة الأسد أنها تستطيع عودة المهجرين وتأمين النازحين وإعادة بناء ما قصفته ب 9 مليون دولار.

إدراج رقم كهذا يكشف عن النوايا الحقيقة لها أنها في الحقيقة لا ترغب بعودة اللاجئين ولا يعنيها تأمين عودة النازحين إلى بيوتهم وقراهم ومدنهم.

وهل تتخيل الحكومة أن إدراج رقم كهذا يكشف عن النوايا الحقيقة لها أنها في الحقيقة لا ترغب بعودة اللاجئين ولا يعنيها تأمين عودة النازحين إلى بيوتهم وقراهم ومدنهم.

بالتأكيد لا ترغب حكومة الأسد بالقيام بأي من ذلك، عن هذا الرقم الرسمي يكشف النوايا الحقيقية لنظام الأسد في إبقاء اللاجئين كمسألة دولية وليست سورية، إنهم لا يهمونها ولا يعنيها عودتهم.

فكل العوامل التي دفعت هؤلاء اللاجئين إلى اللجوء هي عوامل سياسية وما دامت هذه العوامل بقيت ذاتها لم تتغير فإن عدد اللاجئين الراغب بالعودة سيكون بالعشرات وليس أكثر من ذلك.

إن اللجوء السوري كان نتيجة طبيعية لسياسة القصف العشوائي والاستخدام المكثف للبراميل المتفجرة واستخدام الأسلحة الكيماوية والحصار وغير ذلك، وأكثر من ذلك عمل الأسد إلى تحويل السوري اللاجئ إلى مقيم دائم في بلد اللجوء المضيف ومنعه من حق العودة لبلده بسبب عدد أو ترسانة من القوانين والإجراءات الأمنية وتدمير الممتلكات التي تجعل من هذه العودة مستحيلة إلى البلد الأم سوريا.

فغالباً ما تتبع عملية تهجير السكان من المناطق المستهدفة قيام قوات النظام بالاستيلاء على أراضي النازحين ومساكنهم وممتلكاتهم

فغالباً ما تتبع عملية تهجير السكان من المناطق المستهدفة قيام قوات النظام بالاستيلاء على أراضي النازحين ومساكنهم وممتلكاتهم، وجرى الحديث عن إنتاج الوثائق المزورة كناية عن تكتيك واسع الانتشار في نقل الملكية القانونية للممتلكات والأراضي من مالكيها الشرعيين إلى الموالين للنظام. كما ظهرت تقارير عن التدمير المتعمد للسجلات المدنية في حمص والمناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة سابقاً في ريف دمشق وحمص وحلب، فضلاً عن مصادرة الوثائق عند نقاط التفتيش.

كما يمتلأ الإنترنت بمقاطع فيديو مذهلة في وضوحها وفي دلالتها على ارتكاب الجريمة كفعل السرقة والنهب لممتلكات الآخرين تحت اسم ميليشيا الدفاع الوطني وغيرها من المليشيات الموالية للنظام أو أفراد من الجيش السوري التابع للنظام، كما قام النظام وبشكل علني بتدمير أبنية ومساحات كبيرة من الأراضي بحجة التنظيم، فقد وثقت منظمة هيومان رايتس ووتش أنه "اعتباراً من يوليو/تموز 2012 قامت السلطات السورية عن عمد بتهديم الآلاف من البنايات السكنية، وأحياء بكاملها في بعض الحالات، باستخدام المتفجرات والجرافات، في دمشق وحماة، وهما اثنتان من كبريات المدن السورية. وخلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن سبع حالات من حالات الهدم واسع النطاق الموثقة في تقريرها تخالف قوانين الحرب، إما لأنها لم تخدم أي غرض عسكري ضروري وبدت وكأن المقصود منها هو معاقبة السكان المدنيين، أو لأنها تسببت في أضرار غير متناسبة للمدنيين. وتبين صور القمر الصناعي التي حللتها المنظمة أن السلطات السورية قامت منذ ذلك الحين بهدم ما يبلغ مجموعه 140 هكتارا ـ أو ما يعادل مساحة 200 من ملاعب كرة القدم ـ من البنايات السكنية في معظمها، في سبعة أحياء بحماة ودمشق. كان الكثير من المباني المهدومة عبارة عن عمارات سكنية ترتفع لعدة طوابق، وبلغ بعضها ثمانية. لقد فقدت آلاف العائلات مساكنها نتيجة لعمليات الهدم هذه.

اعتباراً من يوليو/تموز 2012 قامت السلطات السورية عن عمد بتهديم الآلاف من البنايات السكنية، وأحياء بكاملها في بعض الحالات، باستخدام المتفجرات والجرافات، في دمشق وحماة

هذه السياسة التي بدأتها الحكومة السورية في عام 2012 تحولت إلى سياسة الأرض المحروقة قولاً وفعلاً، لذلك من الطبيعي أن يصبح رقم 9 مليون دولار نكتة سمجة لما يمكن أن يدعيه النظام السوري عن إعادة الإعمار.