icon
التغطية الحية

الجغرافيا المحرّمة.. كيف نتحدث لأطفالنا عن أجسادهم؟

2019.08.23 | 16:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

"أُطلع ابنتي على كل ما يخص التغيرات الجسدية المتعلقة بهذا الموضوع في حينه ولا داعي أن أشغلها بأي أمر من هذا النوع قبل حدوثه… أخجل حقاً من نقاش هذه الموضوعات مع ابنتي وأفضل أن يقوم أحد آخر من الأقرباء بذلك تجنباً للإحراج".

هذا ما بادرت به بعض الأمهات عند الحديث عن التربية الجنسية للأطفال في إحدى الجلسات الحوارية.

بل وأكملت إحداهن قائلة:

إنها لم تتحدث يوماً في طفولتها مع أحد في هكذا موضوعات وإنها تعتقد أن ذلك من الصواب في مكان وإن أبنائها سيدركون هذه التغيرات وحدهم دون نقاش أو تدخل منها.

عندها فقط تصادمت إشارات التعجب والاستفهام في رأسي حول مدى وعي الأمهات بأهمية التوعية الجنسية ومراحل تعلم أساسياتها بما يناسب طبيعة كل مرحلة عمرية وماهية المعلومات التي يحتاجها الأبناء أو البنات.

التربية الجنسية والثقافة الجنسية

هنالك خلط كبير في مجتمعاتنا بين مفهومي التربية الجنسية والثقافة الجنسية والفرق بينهما.

فالثقافة الجنسية أمر متقدم يتعلمه من يحتاجه في حينه ويتعلق تماما في العلاقة الجنسية وحيثياتها.

أما التربية الجنسية فهي مفهوم أوسع وأشمل، من حيث كونها مجموعة مفاهيم أساسية يتعلمها أطفالنا لحماية أنفسهم أولاً ثم لفهم تلك الجغرافيا المحرمة اجتماعياً عندما يتعلق الأمر ببلوغهم سن الحٌلم والتغيرات المصاحبة له نفسياً جسدياً بيولوجياً....

غير أن الأمر لا يقتصر فقط على تغيرات مرحلة البلوغ فقط وإنما كل ما يتعلق بجغرافية هذا الجسم البشري وخصوصيته وحمايته وتكوينه.

يرى موقع "About Kids Health" الكندي أن الفضول تجاه الأمور الجنسية خطوة طبيعية من خطوات تعلم الأطفال المزيد عن أجسادهم، فالتوعية الجنسية تساعد الأطفال على فهم طبيعة الجسد وتساعدهم على الشعور بالإيجابية تجاه أنفسهم.

ويؤكد الموقع أن مناقشة الجنس، تعتبر خطوة مهمة لخلق تواصل مفتوح بشكل دائم بين الوالدين والطفل، وخاصة في مرحلة المراهقة.

ويرى الخبراء الكنديون أن التوعية الجنسية الفعلية لا تؤدي إلى ممارسة الجنس، فالأطفال الذين يتلقون تعليما جنسيا في المنزل يقل احتمال مشاركتهم في النشاطات الجنسية المحفوفة بالمخاطر.

وتلزم وزارة التعليم في إيرلندا الشمالية كل مدرسة بتحديد سياسة مكتوبة بشأن كيفية معالجة موضوعات العلاقات والتربية الجنسية.

أما في أسكتلندا طُرح دليل التربية الجنسية في عام 2014، وعلى الرغم من كون المنهج غير قانوني، إلا أن القرارات بشأن الموضوعات المطروحة تناولها في المنهج مسألة تقررها المدرسة والسلطات المحلية.

يؤكد الدليل على ضرورة البدء بالحديث عن الجنس في وقت مبكر، ومواصلته مع نمو الطفل هو أفضل طرق التوعية الجنسية.

ولابد أن يكون الوالدان هما المصدر الأول للطفل للحصول على المعلومات حول الجنس، مع ضرورة التأكيد على أن فهم المعلومات الصحيحة يمكن أن يحمي الأطفال من السلوك المحفوف بالمخاطر أثناء النمو.

وأفاد الموقع الكندي أن الوالدين يجب أن يشرحا الأشياء وفقا لعمر الطفل، فمثلا الأطفال الأصغر سناً مهتمون بالحمل والولادة والرضع، بدلاً من الجنس وآلية ممارسته، على الرغم من اختلاف كل طفل عن الآخر.

ويعتقد أكثر من 80% من الروس، بحسب استطلاعات الرأي، أن أفضل مكان للحصول على التوعية الجنسية للأطفال هو الأسرة. ويقر معظم هؤلاء الأشخاص (أكثر من 65%) أن آباءهم وأمهاتهم لم يتحدثوا معهم حول الجنس. ويعبر ثلث أو ربع المستطلعين عن عدم استعدادهم لإثارة مثل هذه الموضوعات مع أطفالهم.

ويتم تدريس التربية الجنسية بشكل إلزامي في هولندا منذ المرحلة الابتدائية، وعلى الرغم من النتائج الممتازة، التي يلاحظها العلماء، إلا أنها لا يمكن أن تكون نتيجة التربية الجنسية فحسب، لكنها تساهم في ذلك. ويمكن القول أن التجربة الهولندية للتثقيف الجنسي هي الأكثر نجاحا والأكثر إثارة للجدل.

إذ تبدأ هولندا بتعليم الأطفال منذ سن 4 سنوات عن الجنس وكيفية تشكيل العلاقات ومناقشة النشاط الجنسي. وتهدف التجربة الهولندية إلى تشجيع احترام جميع التفضيلات الجنسية ومساعدة الطلاب على تطوير إمكانياتهم للحماية من الإكراه الجنسي والتخويف والإساءة. ويرى الخبراء أن الطلاب، الذين حصلوا على مثل هذا النوع من التربية الجنسية كانوا أكثر حزما وأفضل تواصلاً.

الولايات المتحدة ما زالت تعيش جدلاً مستمراً حول فعالية التربية الجنسية الشاملة والتثقيف الجنسي. ويتم تحديد نوع وعدد الساعات المخصصة للتعليم الجنسي من قبل الولايات. وتؤيد 22 ولاية أميركية فقط نشر التربية الجنسية في المدارس العامة. وتمتنع بعض الولايات عن هذه البرامج، ومع ذلك فإن الغالبية العظمى من الطلاب في الصفوف من الخامس إلى العاشر تلقوا بعض المعلومات حول العلاقات الجنسية.

التربية الجنسية عند العرب

في البلدان العربية تكون التربية الجنسية في المدارس معدومة لا بل في الحياة عموماً حيث تكون مصادرهم ومرجعياتهم في التعرف على مقتضيات الحياة الجنسية دينية حيناً أو عن طريق الأصدقاء أو عن طريق التجربة أو مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي عموماً ، مما يجعل معلوماتهم متضاربة وغير مؤكدة وتحتمل الخطأ والخطر بدرجة كبيرة.

بيد أن التربية الجنسية لا تأتي أهميتها في معرفة التغيرات الفسيولوجية والبيولوجية المتعلقة بالجنسين فقط وإنما أيضاً تأتي أهميتها في تأكيد الهوية الجنسية لدى الناشئين وتوعيتهم فيما يتعلق بظاهرة المثلية الجنسية في مراحل متقدمة بما يراعي الفئات العمرية ودرجة إدراكها لبعض هذه المفاهيم.

إن عدم وضوح المقصود بالتربية الجنسية جعل مفاهيم الناس وصورهم الذهنية متباينة تجاه هذا النمط من التربية، لا بل ويعتقد البعض أن تناول هذا الموضوعات ونقاش هذه الأمور مع الأطفال ربما تكون مدعاة لفجورهم وتغذية عقولهم بما لا يتبادر إلى أذهانهم السؤال عنه، غير مدركين أبداً لما آلت إليه أحوال الناس بعد اقتحام التكنولوجيا حياتهم وحياة فلذات أكبادهم فأصبحت معلوماتهم لا تحتاج سوى لمس الأجهزة الرقمية لتخرج لهم معلومات لا يملكون عليها سلطاناً.

-إن التربية الجنسية أصبحت ضرورة بل وحاجة ملحة لحماية أبنائنا الذين قد يكونوا معرضين في مواقف عدة من حياتهم (في الشارع - في السوق – بين الأقارب أو الجيران) لمحاولات التحرش أو الاعتداء التي تشكل صدمات قد تغير مجرى حياتهم.

- وفي النهاية علينا أن نعلم جيداً أن إدخال التربية الجنسية في تعليمنا أصبح ضرورة ملحة ولكن الأمر يحتاج إلى تغير في ذهنية الوالدين وتبيان ما قد يتعرض له أبناؤهم إذا ما تُركت إشارات الاستفهام حول هذه القضايا في عقولهم جاذبة للمعلومات من كل حدب وصوب من غير ترشيد أو تقويم لهذه المعلومات.  

- علينا أن ندرك أهمية هذا الأمر فلا نترك أبناءنا يستقون معلومات مغلوطة من مصادر غير موثوقة.

- وعلى الأهل أن يتذكروا دائماً أنهم ربما يفقدوا دورهم كوالدين فيما لو تخلو عن دورهم في العملية التوعوية، الأمر الذي يقضي بأن يكونوا مرجعية موثوقة لأبنائهم في معلوماتهم وفي تقديم النصح والإرشاد لهم فيما يعرفون، بل يمكننا القول بأن إيمانهم بأهمية التربية الجنسية وابتعادهم عن ذهنية الجغرافيا المحرمة قد يحمي أبناءهم كثيراً من الوقوع في المواقف أو الأحداث التي قد تغير مصيرهم وتحرمهم من أن يعيشوا حياة سليمة متوازنة مبنية على أسس صحيحة وعلاقة والدية متكاملة.

كلمات مفتاحية