التقسيم في المنطقة بات أقرب مما نتخيل

2019.08.24 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لعل الحروب التي اندلعت في المنطقة العربية إبان الربيع العربي الذي جرب أن يغير الواقع السياسي المريع الذي يعيشه النظام السياسي العربي منذ أكثر من نصف قرن، لعل تلك الحروب هي من ستتعمد باسمها دول جديدة ومناطق ستعلن استقلالها وانفصالها عن التقسيمات القديمة.. ولعل معركة اليمن التي تخاض بالوكالة بين السعودية وإيران هناك ستكون أكثر التجارب سرعة في تجسيد التكوينات الجديدة للمنطقة العربية .

مؤخراً تحركت قوات المجلس الانتقالي في اليمن الجنوبي ، تلك القوات التي يقيم ثلاثة من رؤوس ورموز اليمن الجنوبي في أراضي الإمارات ومنهم الرئيس الجنوبي السابق ونائب الرئيس في عهد الوحدة "علي سالم البيض" الذي يعتبر بالنسبة للجنوبيين أحد رموز الاستقلال والتمييز عن الشمال، الذي يعتبر سياسات حكامه قد طغت وغطت على شخصية الجنوب العربي المنفتحة... تحركت تلك القوات وسيطرت على مقار حكومية كانت الحكومة الشرعية التي يقودها الرئيس عبد ربه منصور هادي قد رفعت فيها رايات تحرير الشمال المسيطر عليه من قبل مليشيات الحوثيين المدعومة من إيران.

جميع المتابعين للشأن اليمني يدركون حجم التباين بين الشمال والجنوب والحرب الطاحنة التي خاضوها في عام 1994 من أجل توحيد اليمن قسراً.

تلك الانتهاكات الشديدة لجسد الدولة اليمنية التي مثلها في البدء الانقلاب الحوثي وسيطرته على أغلب الشمال ومن ثم الانقلاب الجنوبي وسيطرته على أغلب أراضي الجنوب، بات ينذر رغم وجود شرعية الرئيس المعترف به دولياً والمقيم ما بين الرياض وعدن. تمثل تجسيداً حقيقياً وواقعياً لمستقبل الجمهورية اليمنية التي كانت ضحية دكتاتورية طويلة مارسها علي عبد الله صالح الرئيس المخلوع أولاً ومن ثم المقتول من قبل الحوثيين.

فجميع المتابعين للشأن اليمني يدركون حجم التباين بين الشمال والجنوب والحرب الطاحنة التي خاضوها في عام 1994 من أجل توحيد اليمن قسراً دون حقوق دستورية وقانونية تضمن وحدة منصفة للجميع. .ويدركون أن علي صالح الرئيس اليمني السابق شن عشرات الحروب الدموية ضد الحوثيين الذين تحالف معهم لاحقاً ،لإسقاط الاتفاق الخليجي الذي ينهي أزمة ثورة فبراير في اليمن 2011، ولكن كل ذلك بات من الماضي ، حيث أننا اليوم نشهد سيطرة حوثية كبيرة على العاصمة صنعاء ومحيطها في الشمال بما يشكل ثلث أراضي اليمن، ونشهد كذلك سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن وأراضي واسعة من الجنوب، فالمجلس الانتقالي الجنوبي يعلنها صراحة في رغبته في إعلان الجمهورية الجنوبية من جديد، والحوثيون يعلنوها علانية أنهم يمثلون الشرعية وأنهم هم من يسيطرون على العاصمة وبالتالي على القرار.. بل حتى إنهم بدؤوا بتعيين السفراء في الدول الحليفة لهم مثل سوريا ومؤخراً في طهران. .وكأنهم بذلك يعلنون تثبيت خطوط النار سياسياً عبر إعلان عدد من القرارات السيادية التي لا تقوم بها إلا حكومات منتخبة ومعترف بها دولياً. .وإذا ما أخذنا بعد ذلك موقف الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً وعربياً أي حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي التي زادت ضعفاً و هشاشة وعدم قدرة على تمثيل الشارع اليمني، مترافقة مع ضربات التحالف العربي اليومية على الحوثيين، فإننا أمام مشهد يمني معقد جداً تتصارع فيه ثلاثة أطراف يمنية على الأرض، مضاف إليها وجود للقاعدة وداعش لا يدري أي أحد متى سيتفاعل ويصبح عنصراً ضارباً في المشهد اليمني المنقسم بين شمال وجنوب بقوة السلاح.

نفس المشهد يتكرر في سوريا حيث دخلت القوات الروسية والإيرانية الأراضي السورية لمساعدة قوات النظام السوري على هزيمة الفصائل المسلحة التي تقاتل ضد النظام في دمشق.

نفس المشهد يتكرر في سوريا حيث دخلت القوات الروسية والإيرانية الأراضي السورية لمساعدة قوات النظام السوري على هزيمة الفصائل المسلحة التي تقاتل ضد النظام في دمشق، ولكن كل ذلك يحدث في غرب البلاد، حيث مناطق الكثافة السكانية العالية التي سماها النظام والروس بـ" سوريا المفيدة" ولكن ما يحصل في شرق البلاد منفصل تماماً عن غربها، فشرق الفرات تقيم قوات قسد المدعومة أميركياً تقيم نظاماً شبه فيدرالي يمتد من جنوب شرق البلاد في البوكمال وصولاً إلى عين العرب كوباني في شمال غرب سوريا.. مناطق شاسعة غنية جداً بالثروات النفطية والزراعية والمائية والبشرية يشكل العرب قرابة 80% من سكانها، رغم السيطرة الكردية سياسياً على المنطقة بعد شرعيتهم المكتسبة دولياً من هزيمتهم لتنظيم داعش الإرهابي.. تلك المنطقة تعيش تماماً حالة انفصال إداري عن المركز في دمشق منذ أكثر من سبع سنوات، مضاف إليها مناطق سيطرة الجيش الحر وهيئة تحرير الشام المشتعلة في إدلب وريفها، التي تعيش بدورها حالة من تسيير ذاتي للإدارة المحلية فيها، دون أن ننسى مناطق درع الفرات المدعومة تركياً في كل من شمال حلب واعزاز وعفرين التي تشهد تنمية كبيرة في البنية التحتية والخدمية ترعاها تركيا.. كل ذلك يحصل في سوريا في ظل حكومة غير معترف بها دولياً ولا عربياً " بعد أن قررت الجامعة العربية طرد ممثل سوريا من مجلس الجامعة إثر الانتهاكات الكبيرة التي حصلت في 2011" ..تلك الحكومة التي تصر على أخذ شرعيتها بالقوة والعنف دون تقديم أي تنازل لطلبات مواطنيها، مدعومة في تعنتها بموقف إيران الإقليمي وروسيا الدولي..

في العراق بات الإقليم الكردي شبه دولة مستقلة، بعد تجربة في الاستقلال باءت بالفشل في عام 2017 إثر استفتاء الاستقلال الذي صوت عليه المواطنون الأكراد ب نعم بنسبة 99%. بينما يخضع الجنوب في دوامة فساد وسوء خدمات تنذر بانتفاضات متكررة، دون أن ننسى الشمال والشرق حيث أغلب المدن والبلدات هناك مدمرة جراء حروب طرد داعش منها ، تلك الحروب التي خلفت جرحاً عميقاً بين الأطراف والعاصمة بغداد، جرح بدأت أصوات سياسية تنادي بتطبيق حق إعلان المناطق الشرقية والشمالية "إقليماً" منفصلاً ذو إدارة ذاتية منفصلة عن العاصمة ..

دون أن ننسى الانقسام بين غزة والضفة فلسطين ، والشرق والغرب في ليبيا ، والانقسام في السودان ،وعشرات الملفات الحدودية المعلقة من المغرب وحتى عُمان.

كل شيء يتشكل ببطء وتطور الأحداث يحصل من الداخل، من قلب المجتمعات الممزقة من حروب الأنظمة الفاسدة التي لم ولن تراعي هموم مواطنيها، بل جل شغلها الشاغل هو تفنيد التوازنات الإقليمية في المنطقة والعالم من أجل البقاء في السلطة، الفوضى الخلاقة تمضي بسلاسة في عالم عربي هش، قد من فساد ودكتاتوريات ومناهضة لحقوق الإنسان عموماً.