التطبيع مع القتل والبلطجة

2019.01.14 | 00:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

انطلق قطار التطبيع مع النظام الكيماوي في دمشق بزخم ملحوظ. صورة وزير خارجية البحرين وهو يتقدم لمعانقة وليد المعلم، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، مع ابتسامة عريضة، تلخص لهفة دول عربية إلى العودة عن "خطأ" ارتكبته بمقاطعة النظام، قبل سنوات.

نعم، يعني التطبيع مع هذا النظام اليوم، قبل أي اعتبار آخر، "عودةً عن الخطأ"، وهو ما يستوجب اعتذاراً منه، ليس فقط عن المقاطعة - وهذه فعل سلبي – بل عن التدخل الفعال من خلال منظمات مسلحة جهادية، أي إرهابية. فمهما يكن النظام هو الطرف المحتاج للتطبيع، فهو في موقع القوي، معنوياً، إزاء الراكضين للتطبيع معه. فهو لم يتغير، بل ازداد سوءا من زاوية سلوكه الذي استوجب القطيعة معه، بل هم الذين غيروا سياستهم من العمل على إسقاطه إلى إعادة الشرعية له. وعليه، سترتسم العلاقة بينه وبينهم، من لحظة التطبيع وصاعداً، على هذا الأساس. هو "سيسامحهم" على كل ما فعلوه ضده، مقابل حوافز يقدمونها له ستظهر تباعاً.

ويعني التطبيع مع هذا القاتل، ثانياً، تطبيعاً مع القتل، من المحتمل أنه أحد الدوافع الأساسية وراء عملية التطبيع. كان لافتاً، بهذا المعنى، اختيار الرئيس السوداني الملاحق، دولياً، بسبب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لريادة عملية التطبيع العربي مع جزار الشام. فزيارة البشير لدمشق تطبيع للبشير أيضاً، إضافة إلى التطبيع مع بشار. وهما رمزا الإجرام حين يحتل السلطة. من المحتمل أن اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في السفارة السعودية في إسطنبول، وما تسبب به من تداعيات، لعبا دوراً مهماً في تسريع عملية التطبيع مع بشار. لأن من شأن هذا التطبيع، وبخاصة بريادة سفاح دارفور، أن يترك اغتيال خاشقجي في الظل. فإذا كان قاتل نصف مليون سوري يستعيد شرعيته، فاغتيال شخص واحد (خاشقجي) أمر عادي لا يحكى فيه.

زيارة البشير لدمشق تطبيع للبشير أيضاً، إضافة إلى التطبيع مع بشار. وهما رمزا الإجرام حين يحتل السلطة

وتملك الرياض ورقة مهمة لتقديمها لنظام الكيماوي في دمشق، فضلاً عن تمويل إعادة الإعمار الذي كلفها بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، هي "هيئة التفاوض" التي تمثل المعارضة. يمكن للسعودية أن تملي على هذه "الهيئة" السلوك المطلوب منها لتحقيق التسوية الروسية. فإذا رفضت، طردتها الدولة المضيفة وقطعت عنها التمويل، أو ربما سلمت أعضاءها غير المطواعين للسلطات السورية. فكل شيء مباح لدى حكام قتلة محرومين من أي قيم أخلاقية.

التبريرات التي يقدمها إعلاميو الأنظمة المتلهفة للتطبيع مضحكة – مبكية. يقولون إن "استعادة دمشق إلى الحضن العربي" (!) ضرورة لمواجهة النفوذين الإيراني والتركي. فقبل كل شيء، ليست هناك "استعادة" لدمشق، بل حاكم دمشق هو الذي يستعيد الحكام التطبيعيين إلى حضنه، هو الذي "يرضى عنهم ويسامحهم" بعد عقوقهم.

ثانياً، من السذاجة الظن أن نظام الأسد يمكن أن يتخلى عن تحالفه العضوي مع إيران، بل تبعيته لإيران، مقابل تطبيع علاقات دول عربية معه. سوابق النظام في خداع السعودية بشأن الوضع اللبناني معروفة للقاصي والداني. ثالثاً، بالنسبة للنفوذ التركي: تركيا تدخلت بشكل فعال في الصراع السوري، منذ البداية، ودخل جيشها الأراضي السورية، في عملية درع الفرات، منذ 3 سنوات، وفي عفرين منذ سنة، ولم تتحرك حمية دول التطبيع ضد تركيا إلا اليوم. لماذا اليوم؟ بسبب موقف القيادة التركية من اغتيال جمال خاشقجي. الأمر بهذا الوضوح! ثم إن مواجهة النفوذ التركي هي أصلاً برنامج النظام الكيماوي. فالنظام الذي احتفى بالاحتلالين الإيراني والروسي لسوريا، اتخذ موقفاً شديد العدائية ضد تركيا، وهذا مفهوم طبعاً. لكن غير المفهوم أن يبيعنا المطبعون من كيسنا مواقف "الحرص" على "عروبة سوريا".

سيمشي هذا التطبيع، بصرف النظر عن رأي السوريين به، فهم آخر من يسأل عن رأيهم في مصير بلدهم

سيمشي هذا التطبيع، بصرف النظر عن رأي السوريين به، فهم آخر من يسأل عن رأيهم في مصير بلدهم. وبصرف النظر عن الجرائم الفظيعة التي سيواصل النظام الكيماوي ارتكابها، إذا استتب له الأمر، بحق السوريين، فهذه أيضاً لا تهم المطبعين. ولكن لا بد لنا من استشراف الروح الثأرية التي سيتعامل بها النظام معهم في مقبل الأيام. صحيح أنه، في أول التطبيع، سيظهر بمظهر "المسامح كريم" فيغفر للمطبعين ما ارتكبوه ضده، لكنه لن ينسى ولن يسامح في قرارة نفسه. هذا النظام مجبول على الحقد والثأر والغدر. ما إن يستتب له الأمر في سوريا حتى يعود إلى دور البلطجي الذي لعبه ضد الأنظمة العربية طوال تاريخه، بما في ذلك العمليات الإرهابية والاغتيالات في عواصم تلك الأنظمة. هذا غير استئناف إهانتهم في كل قمة عربية في خطابات بشار الحماسية. أضف جديداً، في المرحلة الجديدة، هو أنه الآن مجرد أداة مطواعة في يد ولي الفقيه الإيراني. أي أنه سيمارس البلطجة عليهم نيابة عن إيران وأصالةً عن نفسه.

فهنيئاً لكم به!