icon
التغطية الحية

"البلوغ المبكر".. مرض يصيب طفلات في مخيمات الشمال

2019.09.19 | 18:33 دمشق

يحدث البلوغ المبكر عند الفتاة قبل عمر ثماني سنوات (إنترنت)
تلفزيون سوريا - عائشة صبري
+A
حجم الخط
-A

وسط ساحة مخيم "الحرش العشوائي"، يعلو صراخ الأطفال صبيانًا وبناتٍ باللعب والمرح في محاولة لتجاوز معاناتهم في المخيم، فيما تقف "محاسن سليمان الخلف" شاردة تارة فيهم وتارة داخل خيمتها، حيث بناتها الأربعة اللواتي منعهن المرض من أن يكن طفلات يلعبن مع رفيقاتهن ورفاقهن، لتنطلي عليهن حيلة الأنوثة المبكرة بسبب إصابتهن بمرض "البلوغ المبكر".

محاسن، المولودة في بلدة "بانص" جنوبي حلب عام 1979، فقدت زوجها خلال سنوات الثورة، ولجأت إلى مخيم "الحرش العشوائي" الواقع في قرية "باتبو" غربي حلب، كغيرها من الأمهات والأسر، بحثًا عن أمان نسبي وفرص نجاة إن لم يُهدُّدها القصف، فهي محاصرة باليُتم والمرض.

تقول "محاسن" لموقع تلفزيون سوريا "عندما أصيبت طفلتي الكبرى، كان هناك من تبرَّع لعلاجها، وقد ظننت أنَّ الأمرَ طبيعيٌ في البداية، فقد كانت في العاشرة من عمرها، لكن شقيقاتها الثلاثة، التوأم نهلة وهالة، ثم آية ذات الثماني سنوات أصبن بدورهن".

وتضيف "محاسن"، أنَّ "الإصابة لا تتوقف عند الأعراض الجانبية الكثيرة التي تسبب اضطراب بناتي جسديًا ونفسيًا، بل تحتاج الطفلة جراء الإصابة لإبر للعلاج شهريًا". مشيرةً إلى أنَّ طفلاتها الثلاثة بحاجة لأخذ الإبر حتى يبلغن سن البلوغ الطبيعي، وهي تعمل في الأراضي الزراعية بمقابل مادي على ساعة العمل، وتستدين من بعض المعارف وهناك صدقات تأتيها، فهي تُحاول جاهدةً جمع المال لتأمين الإبر لطفلاتها.

وحول حالة الطفلات الطبيَّة يوضح الطبيب "عماد عبد الرحمن" الذي كشف عن حالة الطفلات، لموقع تلفزيون سوريا، أنهن مصابات بمرض البلوغ المبكر، و- للأسف - العلاج كان متقطعًا بسبب الظروف المادية المتردية لوالدتهنَّ، مما يُقلّل فائدة تلقي العلاج.

وأصبحت الإصابة بهذا المرض منتشرة، إذ أفاد "د. عبد الرحمن" وهو اختصاصي في أمراض الغدد في إدلب، بأنَّه توجد حالات كثيرة في الشمال السوري بمعدل ثلاثين حالة شهريًّا، كما لا توجد وقاية من هذا المرض سوى بعض النصائح والعلاج بحقن إبر "غوسرلين" أو "ليبروليد" تحت الجلد. مشيرًا إلى أنَّ العلاج متوفر في المنطقة لكن تكلفته عالية جدًا.

ويؤكد الطبيب "عبد الرحمن" أنَّ أسبابه كثيرة أهمها "قصور درقي، أورام في الغدة النخامية، وقد يكون مجهول السبب"، وهناك أسباب أخرى نادرة، كما أشار أنَّ الحرب ليس لها علاقة بالإصابة به، لافتًا إلى تأثير الحرب على انقطاع الطمث عند الإناث نتيجة الخوف الشديد أو التوتر الشديد، بينما لا يؤثر ذلك على البلوغ المبكر. 

الصيدلاني "أحمد المصطفى" أحد المتابعين لعلاج الطفلات الأربع، أفاد في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، بأنَّ سعر الإبرة الواحدة يبلغ ستين دولارًا، وأنَّ العلاج من صنع ألمانيا حصرا، وتوفيره ممكن باستيراده ولكن ليس بشكل دائم، والسيدة "محاسن الخلف" لديها ثلاث طفلات بحاجة لذات الحقنة أيّ تكلفة شهرية 180 دولارا، بينما شقيقتهم الكبرى عُولجت من المرض بعد تلقيها العلاج بالطريقة ذاتها عبر حقن "الزولوديكس".  

طفلات مصابات بمرض البلوغ المبكر (تلفزيون سوريا)                                                                                        

ويشير "المصطفى" إلى أنَّه تمكن يوم 16 من تموز الماضي من تأمين أربع حقن لهنَّ ثم تأمين إبرتين في 24 من آب الماضي، وهو من يقوم بوخز الإبر لهنَّ. موضحًا أنَّ العلاج يعتمد بشكل رئيسي على محاقن 3.6 تحت الجلد، تُحقن كل 28 يومًا في منطقة السرة حتى اجتياز العمر المحدد للبلوغ، وهذه المحاقن غير متوفرة في الشمال السوري بشكل مجاني، وهي تعمل على "تأخير نمو الثديين وخروج الحيض".

ويوضح "المصطفى" أنَّ البلوغ يُحدث نموًا سريعًا للعظام والعضلات، وتغييرًا في شكل وحجم الجسم، وظهور القدرة على الإنجاب، وليس بالإمكان معرفة سبب حدوث البلوغ المبكر في كثير من الأحيان، ونادرًا ما ينجم ذلك عن الإصابة بحالات صحيَّة معينة، مثل العدوى والاضطرابات الهرمونيَّة، والأورام، أو الشذوذات الدماغية، فيما يتضمن علاج البلوغ المبكر عادةً استعمال دواء لتأخير تطوُّره بشكل أكبر.

ويُضيف، أنَّ مثل هذه الحالات بدأت بالانتشار في سوريا حيث كانت نادرة سابقًا، ويُرجّح أنَّها مرتبطة بالظروف النفسيَّة للأطفال، التي تتسبَّب بتحريض هرموني وبالتالي البلوغ المبكر، وذلك بحسب المتوقع لعدم وجود عامل وراثي، أو سبب مُعيّن من الأسباب آنفة الذكر.

وأشار الصيدلاني، إلى أنَّ حالة البلوغ المبكر بدأت بالانتشار بالذات لدى الأطفال المعنَّفين نتيجة الحرب بسبب الاضطرابات الهرمونية، معربًا عن أمله في تبنّي علاج هذه الحالات من جهة مختصة حيث يتم عرض الطفل على طبيب غدد وطبيب أطفال لمتابعة علاجه.

ويحدث البلوغ المبكر عند الفتاة قبل عمر ثماني سنوات، وعند الذكر قبل عمر تسع سنوات، أيّ من السبع إلى الثماني سنوات، وتكون أعراضه عند الإناث ظهور أعراض الدورة الشهرية، مثل الإفرازات المهبلية، وفي بعض الأحيان تحدث الدورة الشهرية مباشرةً، ويبدأ نمو الأعضاء الجسدية، مثل كبر حجم الثديين، نمو شعر العانة وتحت الإبطين، وظهور حب الشباب.

ومن مخاطر البلوغ المبكر لدى الإناث، هي الإصابة بمتلازمة تكيُّس المبيض، ما يؤثر على الخصوبة وفرص الإنجاب في المستقبل، والإصابة بالاضطرابات النفسية، مثل زيادة القلق والتوتر والاكتئاب خاصة عند موعد الحيض، فالجميع يعلم الأعراض النفسية والبدنية التي تتعرَّض لها النساء خلال فترة الحيض، فما بالك بتحمل طفلة صغيرة لها، كما أنَّ الأطفال الذين ينمون بطريقة أسرع من أقرانهم يُصابون بقصر القامة فيما بعد، هذا لأنَّ النمو العظمي لهم يكون في مرحلة البلوغ فقط، ثم يتوقف بعد توقف البلوغ.

تتمسك "محاسن" بأمل إمكانية علاج بناتها، ليتمكن من العودة مجددًا إلى المشاركة في لعبة "العرائس"، والوجود بين قريناتهن بطاقة الأطفال ومرحهم، وتُواصل جهودها الدؤوبة للحصول على نقود تشتري بها الإبر اللازمة لعلاجهنَّ قبل أن تتفاقم حالتهنَّ الجسدية والنفسية.