الباسيلية أعلى مراحل الأسدية

2019.04.19 | 00:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يستعد العالم ومعه المنطقة لطي صفحة الأسد كما نعرفها، ولكن وزير الخارجية اللبناني يبذل جهودا مستميتة لإعادة وصل العلاقات مع المنظومة الأسدية.

 المفارقة اللافتة في هذا السياق تكمن في أن هذه المنظومة تشهد جملة من التحولات والتصدعات العميقة، التي طالت تركيبتها وآليات عملها ودورها وقدراتها، ولكن النزوع الباسيلي كما يعبر عنه صاحبه لا يهدف سوى إلى إعادتها بصورتها الأصلية والحفاظ على أصولها كنظرية أرثوذوكسية، أي كما كانت عليه في الأساس.

يترتب على ذلك فصل لبنان بشكل شبه كامل عن مسارات الحلول الممكنة فباسيل يقارب

الصفقات الضئيلة التي تمنح لروسيا في لبنان لا يمكنها أن تشكل بأي حال من الاحوال بديلا عن المشروع الروسي الكبير المتمثل بتوكيلها بإعادة إعمار سوريا

المسألة الأسدية بوصفها منفذا أساسيا للحلول، ويتعامل مع القوى الكبرى وكأنها قوى ثانوية ملحقة بالأسد أو تابعة له.

نراه يتحدث عن الصيغة الروسية للحل وكأنها مجرد عملية بوس لحى في خلاف على أفضلية المرور، متناسيا أو متجاهلا عن قصد أن روسيا لا يمكنها التحرك خارج إطار التفاهم الأميركي العربي الإسرائيلي.

تاليا فإن الصفقات الضئيلة التي تمنح لروسيا في لبنان لا يمكنها أن تشكل بأي حال من الاحوال بديلا عن المشروع الروسي الكبير المتمثل بتوكيلها بإعادة إعمار سوريا، وهو مشروع لا يملك الأسد مفاتيحه، وكذلك لا تملك روسيا القدرة على إنفاذه بذاتها قبل أن تدفع ثمنه المطلوب، والمتعلق بلجم حلفاء باسيل الإلهيين في المنطقة عموما وفي لبنان خصوصا.

ولعل أبرز ما تكشفه الباسيلية في بنيتها الطامحة لممارسة الحد الأقصة من الأسدية يتجلى في عملية الإصرار على طمس معالم جريمة جارية أي نفيها وإغلاقها وهي لا زالت قائمة ومستمرة. يظهر ذلك جلياً في دعوته إلى تغليب حل الجرح السوري وإقفاله نهائيا قبل المباشرة في حل المشاكل الأخرى الصعبة والمعقدة والطويلة في ليبيا واليمن وفلسطين.

علاج الجرح السوري وفق الرؤية الباسيلية يكون بطمس معالم كل الجرائم التي ارتكبها النظام في سوريا وفي لبنان، وإغلاق كل الملفات المرتبطة به تمهيدا لتكرارها إلى الأبد عبر صيغة لبنانية محدثة من الأسدية تقوم على تعميم ثقافة المجزرة وبنيتها، وتحويلها إلى السياق الذي يشمل كل شؤون الحياة، وتعليم المواطنين كيفية العيش تحت ظلالها.

هكذا فإن المشهد اللبناني المشتهى من الأسدية في صيغتها الأساسية يطمح إلى تحويل المواطن اللبناني إلى كائن مستعد للموت في سبيل الاستمرار في البقاء على قيد الحياة وحسب، ما يعني تحويل فكرة العيش إلى أمل لا ينال.

هكذا سيتم تمويت القضايا كلها وخنق السياسة والتفكيروالاحتجاج، حيث سيصار إلى تعميم مشهد الانتظار الماراتوني للحصول على شفطة غاز، أو بضعة ليترات من البنزين، إلى مقياس يضبط الناس هزائمهم وانتصاراتهم اليومية على أساسه.

من هنا لا يكون هناك من وقت لا للتذكر ولا للنسيان، وستعبر قوافل المفقودين اللبنانيين والسوريين والمقتولين تحت التعذيب بخفة شديدة تحت جسر الإنهاك اليومي، والرعب الاقتصادي، وتبدد سبل العيش، ولا يعود من الممكن تركيب الأفكار ولا الدفاع عنها.

 ما يحدث في البلدين متشابه لدرجة التطابق في كثير من الأمور، مع فارق يتمثل في أن لبنان الذي يقول إنه خرج من الحرب منذ 29عاما، يعيش أجواء بلد غرق في حرب طاحنة منذ ثمانية أعوام.

لا ينظر باسيل إلى هذا الواقع اللبناني الفظ كنتيجة لممارساته وحلفه مع حزب الله الذي تسبب بتحويل

يشبه حال باسيل وضع الأسد مع الروس فهم لا يملون من تكرار مشهد إذلاله وانعدام مكانته بالتزامن مع السعي إلى إبقائه على رأس الحكم

بلد خرج من الحرب إلى بلد يتفوق خراب سلمه على خراب حربه، بل يتعامل مع ما يجري في البلد كأنه نجاح لتوأمة لبنان مع سوريا الأسد والتي ستنفتح في مرحلة لاحقة على تتويجه رئيسا على رأس جغرافيا الخراب التي صنعها وأنتجها وعممها.

يشبه حال باسيل وضع الأسد مع الروس فهم لا يملون من تكرار مشهد إذلاله وانعدام مكانته بالتزامن مع السعي إلى إبقائه على رأس الحكم، انطلاقا من حرصه الدائم على توكيد إقامته داخل حدود تلك المشهدية المرسومة له.

لا يخرج باسيل عن هذه الترسيمة فهو يريد أن يكون رئيسا لبلاد يتحول فيها إلى النسخة اللبنانية من الأسد، وهو لا يمل من تكرار استعداده للاستجابة لمتطلبات هذا المنصب كما أن حزب الله لا يمل من تكرار آليات التعامل الروسية مع الأسد في وجهه. كان قد أوكل إليه مؤخرا أو أوحى له بأنه القائم على تحريك ملفات محاربة الفساد والحد من الإنفاق، ولكنه  أسقط بنفسه اقتراحات رفع السرية المصرفية ورفع الحصانة محولا حليفه إلى محارب كاريكاتوري للفساد.

كذلك فان الطروحات التي يدافع عنها حول تخفيض رواتب ومستحقات القطاع العام شرعت بالتسبب بأزمة قد تفكك العهد القوي للرئيس ميشال عون، ويرجح أن تتوسع مفاعيلها مقرونة بتصاعد الحرب الدولية على الحليف الإلهي للوزير باسيل لتحول البلد بأسره إلى نوع من أرض محروقة.

بلد الأرض المحروقة القرين للبلاد التي يحكمها الأسد هو الصيغة النهائية من البلد الذي يضحي باسيل بأهله وناسه واقتصاده ومصيره في سبيل أن يحكمه، في استعادة محمومه لروح التجربة الأسدية وأخلاقها. هكذا ربما بات بإمكاننا تلخيص الفكرة الباسيلية أو الفلسفة الباسيلية بوصفها الأسدية في ذروتها وفي أعلى مراحلها.