الانهيار الأمني في شمال سوريا يخدم استراتيجية النظام

2019.03.07 | 16:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

إن من شأن تزايد الاستياء من كِلا المعارضتَين الإسلامية والعلمانية سيؤدي إلى توجُّه المزيد من الناس إلى النظام من أجل الأمن والخدمات.

تنتشر الفوضى في أرجاء المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال سوريا، فقد أصبحت أعمال القتل والخطف والسطو المسلح أكثر انتشاراً، إذْ يواجه الجهاديون والمعارضة العلمانية انهياراً أمنياً في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. ويتزايد قلق عامَّة الناس في هذه المناطق وهُم يُعرِبون عن استيائهم من هذه الجماعات الثورية، والفائز في معركة النفوذ هو النظام، جنباً إلى جنب مع حليفته روسيا، فيما لا يزال المواطن السوري هو الخاسر.

وفي خِضمِّ هذا الانهيار الأمني، تحاول فصائل المعارضة المختلفة استغلال هذا الاضطراب لإشاعة عدم الثقة في بعضها البعض. وعلى وجه الخصوص، هاجم منافسو هيئة تحرير الشام الجماعة في وسائل الإعلام بسبب السماح بانتشار الفوضى في مناطقها. وتأمل هذه الجماعات الثورية، التي أُجبِرت في الماضي على الخروج من مناطق معينة بسبب هيمنة هيئة تحرير الشام، أن يتحول الاستياء العام من الهيئة إلى ما يشبه انتفاضةً ضد الجهاديين، ولا سيّما بعد استيلاء الهيئة مؤخراً على المناطق التي كانت تسيطر عليها الجماعات الثورية الأخرى في ما مضى.

كان الجمهور السوري عموماً فاتراً تجاه مشاريع الجماعات العلمانية والمدنية، لكنَّ بإمكان عجز الجهاديين عن إدارة مناطقهم إعادة الحياة إلى بعض هذه المشاريع. على سبيل المثال، كان الرد على اغتيال الناشط المدني رائد الفارس على أيدي جماعات يعتقد أنها جهادية أقوى من المتوقع. وقد جاء ذلك الرد على الرغم من الدعاية الدينية القوية للجهاديين، الذين يرون أن المدافعين عن المدنيين هم من الكفار المارقين.

ومع ذلك، فإن معظم الجماعات المعتدلة التي تدعمها تركيا شهدت أيضا انهياراً أمنياً في مناطقها، وعدم القدرة على إدارة هذه المناطق بشكل مؤسسي. في هذه الحالات، بدلاً من إعطاء حافز للمعارضة المعتدلة، كان النظام السوري هو أكبر المستفيدين.

كان النظام يعمل من خلال وكالات الاستخبارات التابعة له لزرع الفوضى في المناطق الخارجة عن سيطرته. ومن خلال الانهيار الأمني، يأمل النظام في أن يُثبِت للمجتمع السوري الذي ثار الكثير من قطاعاته عليه، أن المجموعات التي تُمثل الثورة - سواء كانت إسلامية أو علمانية - ليست سوى عصابات تعمل كمرتزقة وهي غير قادرة على توفير الأمن للناس وتفتقر إلى "روح الدولة ".

لكنَّ ما زعمه النظام قد حصل فعلاً في شكل الفوضى التي أثَّرت على الناس العاديين الذين عانوا من النزوح والفقر، بالإضافة إلى مخاوفهم إزاء هذا الانهيار الأمني. وهكذا قدَّم النظام دليلاً بصورة غير مباشرة للمجتمع المحلي بأنه ينبغي عليه الوثوق بما يقوله، وأن مصداقيته تكمن في ما يجري الآن.

في ظل الانهيار الأمني للمعارضة، يريد النظام كسب الدعم الدولي على أساس أن النظام في نهاية المطاف عبارة عن دولة تواجه مجموعات متنافرة فاشلة. وعلى الرغم من الدعم الدولي لهذه الجماعات إلاَّ أنها فشلت في مواجهة الجهاديين مثلما فشلت في بناء عقلية إدارية. وقد استغل النظام السوري هذه الفوضى لزيادة السخط الاجتماعي. وفي الحقيقة، فقَد العديد من الناس تفضيلهم للمعارضة على النظام، وبالتالي حقق النظام شيئاً وهو كَسبُ المجتمعات المحلية بدافع الضرورة، وليس باعتباره خياراً.

إن أكثر ما يريده النظام هو أن يساهم هذا الانهيار الأمني في معركته ضد المجموعات المعارضة في إدلب. فمن خلال التنافس بين الفصائل، والاغتيالات الكثيرة وحالة الفوضى، يستطيع النظام أن يترك إدلب تحترق على نار هادئة، وأن يُهيّئها اجتماعياً وحتى عسكرياً للخضوع لسيطرته مرة أخرى.

لقد دفعت حالة الفوضى العديد من المنظمات الدولية التي تقدم المساعدات للحدّ من عملها أو لوقفه بالكامل بسبب اختطاف العديد من موظفيها. وبسبب الفوضى، بدأت المجتمعات المحلية تخسر الطواقم الطبية والتربوية التي ساعدت في الحد من معاناة هذه المجتمعات، وهذا يمهد الطريق أمام الناس للتطلّع نحو النظام.

هذه استراتيجية خطيرة. تُهيّئُ الفوضى في شمال سوريا بيئة خصبة لأن يقوم تنظيم داعش بإعادة تنظيم صفوفه من المجموعات المعارضة الفاشلة، لا سيما هيئة تحرير الشام. وينطبق هذا أيضاً على الأحزاب الكردي التي تستغل هذا الوضع لتصفية حساباتها مع حلفاء تركيا الذين يسيطرون على المناطق الكردية.

من المرجح أن يكون النظام قادراً على تحمُّل هذه التحديات، لكن هذا يعني المزيد من المعاناة لعامّة السوريين.

 

للاطلاع على المادة من المصدر اضغط هنا