الاستراتيجية الدفاعية كمدخل للتفاوض الأميركي الإيراني

2019.08.22 | 20:43 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أطلق حديث الرئيس اللبناني ميشال عون حول الاستراتيجية الدفاعية سلسلة من التحليلات والمواقف، خصوصا أنه جاء في توقيت ملتبس بعد عودة رئيس الحكومة من زيارته الأميركية التي تلقى فيها لبنان جرعات واسعة من الدعم الأميركي للجيش.

وكان حديث عون قد سُبق بحديث لصهره قائد فوج المغاوير المتقاعد ميشال روكز تناول فيه دور الجيش اللبناني بشكل لفت فيه أن مهمته هي حفظ الأمن الداخلي، قبل أن يعود لاحقا ليستدرك بعد حديث رئيس الجمهورية، ويعلن أن أي تخطي للحدود سيستجلب مواجهة شاملة من قبل ثلاثية حزب الله الشهيرة بثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، مضيفا إليها القوى الأمنية، والاحتياط، والعلاقات الخارجية والدبلوماسية.

توقيت الدفع بخطاب الاستراتيجية الدفاعية بما يعنيه من إعادة وضع سلاح حزب الله على طاولة التفاوض، وربطه بالتطورات والمستجدات في المنطقة وعناوين الإرهاب والتحولات السياسية والأمنية الكبرى يخرج الحدث من لبنانيته، ويضعه في إطار ما يستجد في الأفق من مشاريع تفاوض أميركي إيراني.

قرأت وسائل الإعلام اللبنانية نتائج زيارة الحريري الأميركية من خلال منظور السجال الداخلي اللبناني، ورأت فيها انتصارا للحريري وقرارا أميركيا بعدم السماح بكسر الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، كما فهم من استمرار أميركا بدعم الجيش اللبناني على أنه رسالة مواجهة لحزب الله تلتقي مع مناخ عقوبات قادمة عليه وعلى حلفائه، أٌهدي للحريري التأجيل في الشروع في تنفيذها حرصا على حساسية الوضع اللبناني في هذه المرحلة.

قرأت وسائل الإعلام اللبنانية نتائج زيارة الحريري الأميركية من خلال منظور السجال الداخلي اللبناني، ورأت فيها انتصارا للحريري وقرارا أميركيا بعدم السماح بكسر الزعيم الدرزي وليد جنبلاط

لا تلتقي المناخات والتفسيرات اللبنانية مع واقع الأحوال الأميركية الإيرانية، فبعد الإفراج عن ناقلة النفط الإيرانية التي كانت السلطات البريطانية تحتجزها عمدت أميركا إلى إطلاق تحذيرات وليس تهديدات فعلية لأي دولة ستستقبل هذه الناقلة التي تحمل أكثر من مليوني برميل نفط، وقبلت ضمنيا بالتأكيدات الإيرانية حول عدم توجه هذه الناقلة الى سوريا.

يعني ذلك أن الكباش الأميركي الإيراني قد بدأ يتراخى تمهيدا للتفاوض على الملفات المتعلقة بشكل خاص بأمن إسرائيل ومصالحها. تلمست إيران ملامح هذا النزوع الأميركي، وشرعت بالتعامل معه وطرح ما تملكه من أوراق تفاوضية بهذا الصدد وأهمها مشروع الاستراتيجية الدفاعية الذي جاء على لسان رئيس الجمهورية ميشال عون والذي تزامن مع ارتفاع وتيرة العمل على إنجاز ترسيم الحدود مع إسرائيل.

تعلم إيران ويعلم حزب الله أن شرعنة سلاح الحزب بصيغته الحالية لن يكون ممكنا لأن إسرائيل لن تقبل بذلك على الإطلاق، ولكنها يمكن أن تقبل بل وترحب بالدور الذي يطرح من خلال صيغة الاستراتيجة الدفاعية، وهي أن يتولى حزب الله بنفسه دور ضامن أمن الحدود.

تضمن هذه الصيغة لحزب الله الإبقاء على سلاحه وشرعنته، وأكثر من ذلك تتيح له تغيير صفته من كيان إرهابي إلى كيان محارب للإرهاب، ولكن المفارقة تكمن في أن إنجاح هذا الدور يتطلب شراكة متينة بينه وبين الجيش اللبناني أو دمج عناصره بالجيش مستقبلا، وهو ما يبدو، من خلال ما يوعز لحلفائه حاليا بقوله، إنه لا يريده على الإطلاق، بل يريد استلام ضبط الحدود بالكامل وتحويل الجيش اللبناني إلى قوة أمن داخلي ليس إلا.

تعلن أميركا من جهتها عن دعم الجيش اللبناني ولكنها لا تمده بأي سلاح نوعي يضمن له التوازن مع حزب الله أو التفوق عليه، بل يقتصر دعمها على تقديم معدات تتلاءم مع مهمات المراقبة وضبط الحدود، ما يعني أن كل ما يهمها حاليا يقتصر على ذلك.

ليس عنوان الإبقاء على الأمور على ما هي عليه وعدم السماح بكسر أحد في لبنان، سوى منهجية أميركية في ضبط مناخات التفاوض لصالح إسرائيل حول عناوين أمنها، بغض النظر عما يعنيه ذلك من شرعنة سلاح حزب الله وسيطرته على البلد.

تعلن أميركا من جهتها عن دعم الجيش اللبناني ولكنها لا تمده بأي سلاح نوعي يضمن له التوازن مع حزب الله أو التفوق عليه، بل يقتصر دعمها على تقديم معدات تتلاءم مع مهمات المراقبة وضبط الحدود

يقول واقع الأمور إنه لا مشكلة لأميركا مع إيران إلا في ما يتعلق بأمن إسرائيل، ولعل هذه المشكلة تجد حاليا طريقا يسبق الحل الذي يمكن أن تأتي به المفاوضات لاحقا، ويتمثل في فتح باب ضرب حزب الله في سوريا وميليشيات الحشد الشعبي في العراق أمام إسرائيل بمباركة كل حلفاء إيران من دون العمل الجدي على إسقاط نفوذ إيران في كل من البلدين، بل لا يخرج الأمر عن سياق الضغط من أجل ضبط شكل هذا النفوذ وتنظيمه.

كشفت المعارك الأخيرة في سوريا عن مشاركة كثيفة لإيران وميليشياتها، ما يعني أن التوافق الدولي المرعي أميركيا على بقاء الأسد يتضمن الموافقة على النفوذ الإيراني في سوريا تحت عباءة تفاهمات روسية أميركية عربية، أما الخلاف الباقي فهو فقط على طبيعة هذا النفوذ ومدى التزامه بالمحرمات الأميركية والإسرائيلية، والتي من أهمها عدم امتلاك سلاح بعيد المدى أو صواريخ دقيقة.

لا يخرج هذا المناخ عن الإطار العريض لما يجري في المنطقة عموما، فكل مشكلة الخليج مع إيران لا تتعلق بنفوذها في المنطقة، بل بمدى تهديد هذا النفوذ لأنطمة الحكم، وتاليا فإن دور إيران في سوريا والعراق ولبنان يمكن أن يقدم كهدايا تفاوضية في المرحلة اللاحقة.

هكذا فإنه ليس من قبيل الصدفة أن يطرح رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون حديث الاستراتيجية الدفاعية بعد حديث الشيخ يوسف الناصري، معاون زعيم ميليشيا النجباء العراقية الموالية لإيران والمقاتلة إلى جانب قوات الأسد في سوريا، والذي طالب فيه بحل الجيش العراقي وتسليم زمام الأمور إلى الحشد الشعبي.