الاستثمار الروسي في سوريا

2019.05.08 | 00:05 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تعيش المناطق داخل سوريا والتي ما زالت تحت سيطرة النظام السوري أزمات اقتصادية متلاحقة هذا فضلا عن السياسية والأمنية التي لا يبدو أن أحداً يكترث لها تحت حكم النظام السوري، فقد شهدت العاصمة دمشق وغيرها من المدن السورية نقصاً حاداً في الغاز المنزلي حيث انتظم المواطنون في طوابير لا تنتهي من أجل الحصول على جرة الغاز التي أصبحت تستخدم اليوم ليس فقط للطهي وإنما للتدفئة مع انعدام الكهرباء في معظم المدن السورية وانقطاعها لساعات طويلة في العاصمة، والشهر الماضي اصطفت الطوابير مجدداً من أجل الحصول على البنزين الذي انفقد تماما من محطات الوقود وشوهدت عربات الحيوانات التي تنقل الركاب بسبب فقدان مادة البنزين بشكل شبه تام، أما الحاجات الأساسية كمياه الشرب والكهرباء والمدارس وغيرها فتبقى معدومة نهائيا داخل المدن التي اصطفت يوما ما مع المعارضة وتعرضت لدمار شبه كامل في كل أبنيتها ومبانيها وبناها التحتية كداريا والمعضمية ومدن الريف الدمشقي وأحياء كاملة في حمص وحلب حيث لم يعد أيٌّ من ساكنيها

يبدو حلفاء النظام الرئيسيّون في روسيا وإيران غير مستعدين لمساعدة النظام السوري في الخروج من محنته

لغياب الأمان أولا وثانيا لانعدام الموارد كليا عن إعادة إعمار هذه المدن التي دمرها النظام السوري بمروحياته وطائراته وصواريخه وأكمل المهمة فيما بعد الطيران الروسي الذي حول مدنا كحلب ودوما وحرستا إلى مكب كبير للنفايات حيث الانعدام الكامل للقدرة على رفع الأنقاض بسبب كبر حجمها وانعدام الموارد الضرورية للقيام بذلك.

في نفس الوقت يبدو حلفاء النظام الرئيسيّون في روسيا وإيران غير مستعدين لمساعدة النظام السوري في الخروج من محنته، فهم يعرفون أولا أن التكلفة تفوق قدرتهم لا سيما أن الاقتصاد الإيراني اليوم يخضع لضغوط غير مسبوقة مع سياسة تصفير الصادرات الإيرانية التي أعلن عنها الرئيس الأميركي ترمب، وهو ما انعكس في زيادة التضخم وارتفاع سعر الريال الإيراني مقارنة بالدولار إلى مستويات غير مسبوقة (وصل الدولار إلى 42 ألف ريال إيراني) وهو ما رافقه ارتفاع الأسعار للمواد الأساسية كالغذاء والمحروقات، كل ذلك يؤكد أن إيران لن تكون في وارد مساعدة النظام السوري في محنته الاقتصادية اليوم التي لا يبدو أن هناك أفقاً للخروج منها فالعقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية تزداد شهرا بعد شهر والخزينة السورية شبه خاوية تماما من أية أرصدة أجنبية بعد استنفاد كل الاحتياطي في تمويل الحرب ضد الشعب السوري خلال السنوات الماضية، وهو نفسه النظام الذي لا يعتبر نفسه أنه يخضع للمساءلة أو المحاسبة أمام السوريين بسبب هذه السياسات التي قادت سوريا إلى أن تكون دولة فاشلة كما هي اليوم بكل معنى الكلمة.

على ضوء هذه المؤشرات الاقتصادية التي لا تنبئ بأن حلا قريبا للأزمة الاقتصادية التي يعيشها الداخل السوري انعقدت جولة جديدة من المباحثات في أستانا بعد توقف المفاوضات في جنيف مع تسلّم المبعوث الدولي الجديد لسورية بيدرسون مهامه من جنيف والذي كان قد علق آماله بأن الجولة الأخيرة للمفاوضات في أستانا قد تقود إلى انفراجة ما في ملف اللجنة الدستورية لكن

لم تبذل روسيا أية جهود سياسية في المضي قدما في ملف اللجنة الدستورية بل على العكس من ذلك بدا وأنها تدفع باتجاه بدء المعركة في إدلب

شيئا من ذلك لم يتحقق، وهو ما اعترف به وزير الخارجية الكازاخي في بيانه الختامي الذي طالب "المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن بتسريع العمل لإطلاق اللجنة الدستورية في أقرب وقت ممكن" على الرغم من التوقعات التي سبقت هذه المفاوضات بأن إعلان اللجنة الدستورية سوف يتم في الشهر الماضي من أستانا.

وبنفس الوقت يبدو أن روسيا قد فترت رغبتها في حمل ملف اللاجئين، وإقناع العالم والسوريين أنفسهم بأنه يمكنهم العودة فالحقائق على الأرض تخالف كل الأكاذيب الروسية التي تنشرها بشكل دائم، حيث لم تبذل روسيا أية جهود سياسية في المضي قدما في ملف اللجنة الدستورية بل على العكس من ذلك بدا وأنها تدفع باتجاه بدء المعركة في إدلب، حيث سمحت للنظام السوري باستئناف القصف بالبراميل المتفجرة في القرى والمدن المختلفة التي تخضع للمعارضة السورية في إدلب وريف حلب، وقد خلف هذا القصف أكثر من 18 قتيلاً خلال الأيام الماضية فيما يبدو مؤشر واضح على الرغبة الروسية في الحسم العسكري على عكس ما نص عليه بيان أستانا الأخير، وعلى العموم لا تبدو هذه المرة هي الأولى التي تخالف روسيا في وقائعها على الأرض البيانات التي تدعمها في المؤتمرات الدولية.

وعليه، فعلى السوريين أن يتوقعوا دوما عكس ما تقوله البيانات الروسية وهو ما يدفع للقول بأن معركة إدلب ربما بدأت.

لكن الحماسة الروسية اليوم تبدو على أشدها في الحصول على عقود وتفاهمات مع النظام السوري لاستثمار ما تبقى من الموارد الطبيعية السورية وعليه فإننا نسمع كل يوم عن عقد لمدة 49 عاما لاستثمار مرفأ طرطوس وعقود أخرى لاستثمار الغار في ريف حمص وغير ذلك، أدركت روسيا مؤخراً أن مغامرتها في سوريا لم تجلب لها المنافع التي توقعتها وإنما خسرت سمعتها في العالم العربي وها هي تخسر وتبدد مواردها في دعم نظام لا يستطيع الصمود بنفسه وإنما تحول إلى عار على نفسه وعلى السوريين وعلى المجتمع الدولي بأكمله.