الائتلاف السوري بين العجز والنفي

2019.08.06 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يمكن لأي دولة ذات سيادة أن تقرر إعادة تنظيم أمورها الداخلية على ألا يتعارض ذلك مع مبادئ القانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الإنسان. هذه قاعدة مطلقة من النادر أن تلتزم بها حتى أعتى الديمقراطيات، ويبقى الأمل في أن تعمّ كونياً لدى كل من يؤمن بكونية حقوق الإنسان.

وفي الأسابيع القليلة الماضية، قامت السلطات التركية بإعادة النظر بسياساتها الإجرائية الناظمة لأمور اللجوء، وبالأحرى، الاستضافة، لأنها لا تعترف باللجوء وخصوصاً للسوريين وتصر منذ اليوم الأول على تسميتهم بالضيوف. وعلى الرغم من أن هذه الخطوات قد أصابت مجموعات متعددة الجنسيات من اللاجئين من غير السوريين، إلا أن وجود أكثر من نصف مليون سوري في مدينة إسطنبول قد سلّط الضوء أكثر على معاناتهم مع هذه الإجراءات.

باحثان تركيان معنيان بالشأن السوري، وهما يُفضّلان عدم الإفصاح عن هويتهما، يتفقان على أن المبادرة في هذه الخطوة الزجرية قد أتت من وزير الداخلية دون التنسيق مع رئاسة الحكومة أو رئاسة الجمهورية، ولها عدة دوافع متشابكة أهمها بأن البلاد مقدمة على تعديل وزاري واسع يحاول وزير الداخلية استباقه بتعزيز فرص الاحتفاظ به. ومن جهة أخرى، فقد اعترف الباحثان المعنيان بأن انتصار حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات البلدية الأخيرة قد أتى بصفعة قوية أصابت ركود وطمأنينة البقاء لدى حزب العدالة والتنمية، مما دفع ببعض المستشارين في الرئاسة للحسم بأن الملف السوري قد لعب دوراً سلبياً للغاية في خسارة الأصوات لصالح المعارضة، وبالتالي، فهم اقترحوا

العداء للأجانب يترافق عموماً مع مواجهة أزمة هيكلية في الاقتصاد الوطني يمكن أن تترافق أحيانا بأزمات هوية ولكنها غير واردة في الملف التركي.

سياسات مختلفة لسحب هذا الملف من يد المعارضة التي لطالما استخدمته في مواجهاتها المستمرة للحكومة القائمة. كما أشار الباحثان إلى أن الأزمة الاقتصادية تزداد تعقيداً في البلاد، وبأنه من المتعارف عليه عموماً في مثل هذه الأوضاع، اللجوء إلى ضحايا يكونون غالبا من الأجانب، كما هي عليه الحال في دول أوروبا الغربية. فالعداء للأجانب يترافق عموماً مع مواجهة أزمة هيكلية في الاقتصاد الوطني يمكن أن تترافق أحيانا بأزمات هوية ولكنها غير واردة في الملف التركي.

يعتقد الأصدقاء الأتراك أيضا بأن ما يحصل هو رسالة إلى الجانب الأوروبي لدفعه إلى أخذ مسؤولياته تجاه الملف السوري والتوقف عن تأجيل الحل لأن مسألة اللاجئين/ الضيوف صارت شائكة لا ينفع معها الاكتفاء بدعوة تركيا، مع بعض المال، إلى منع لجوء السوريين نحو الغرب. وبإشارة إلى سذاجة بعض المستشارين، يعتقد الباحثان بأن هناك من يظن منهم بأن إعادة السوريين إلى مناطق شمال سوريا يمكن له أن يُساهم في تحقيق حزام الأمان على الحدود والذي تتحدث عنه تركيا في كل المناسبات.

بعيداً عن الاستقطابات المتوترة في تعليقات السوريين حول هذا الملف، من مدافع مستميت عن خطوة الداخلية التركية إلى شتّام رعديد لمجمل السياسة التركية، وبمعزل عن التقليل من الجهد السياسي والإنساني، كما الأموال التي أنفقت خلال السنوات الأخيرة من قبل الجانب التركي لإدارة مسألة لجوء أكثر من 4 ملايين سوري إلى أراضيها، وتمايزاً عن القراءة شديدة السلبية لخلفيات الموقف التركي وربطه بدور تركي سلبي من الثورة السورية منذ أيامها الأولى، فإن التوقف العقلاني عند هذه المأساة الإنسانية التي طالت الآلاف من الشباب والعائلات هو ضرورة لا مهرب منها.

فقد تداعت منظمات مدنية إسلامية وعلمانية تركية إلى وقفات احتجاجية وتضامنية مرتبطة بمواقفها الإنسانية الرافضة لهذه الإجراءات وقد تعرضت لمضايقات في خطوتها تلك من الأحزاب اليمينية المتطرفة المؤيدة لترحيل السوريين. كما أطلقت مجموعات يسارية حملة شعبية بعنوان "أوقفوا الترحيل، نريد أن نعيش معاً". من جانبها، أصدرت منظمة هيومان رايتس واتش بياناً واضحاً وصريحاً مبيناً مخاطر الإجراءات

الائتلاف الوطني السوري أصدر بياناً يحمل شبه نفيٍ لما حصل وتناقلته بالصوت والصورة وسائل الإعلام التركية والعالمية

الحكومية التركية وانتهاكها للقواعد المعمول بها دوليا في إدارة مسألة اللجوء. حيث تمت الإشارة دون مواربة إلى لجوء السلطات التركية إلى إجبار الذين يتم ترحيلهم على توقيع وثائق تُشير إلى أن عودتهم طوعية.

مع ذلك كله، يجد السوريون بأن من منوطٌ بهم تمثيلهم أو تمثيل بعض من حقوقهم، أي مؤسسات المعارضة المعترف بها في تركيا، ينأون بأنفسهم عن اتخاذ أي موقف جاد وفعلي من هذه العمليات. فالائتلاف الوطني السوري أصدر بياناً يحمل شبه نفيٍ لما حصل وتناقلته بالصوت والصورة وسائل الإعلام التركية والعالمية، وأصدرت بحقه منظمات حقوقية دولية بيانات عدة. ويدخل هذا الموقف ضمن حسابات ضعيفة السند تقود مجمل القائمين على هذه المؤسسة المتهالكة نحو محاباة السلطات التركية. إن الائتلاف الوطني لا يقف عاجزاً فحسب، ولكنه ينفي الوقائع المثبتة حتى من قبل السلطات التركية.

المسألة ليست حلبة صراع لتصفية حسابات من أيّد أو عارض الموقف التركي أو الدور التركي، ففي هذا مماحكات ذاتية تؤذي أكثر مما تنفع. بالمقابل، فإنه من الضروري دفع الأطراف السياسية، التي تتصدر المشهد رغم ضعفها، إلى لعب دور "الوساطة" لدى الجهات الرسمية التركية لصالح مواطنيها. فإن لم تكن قادرة على ذلك، فلتصرّح بعجزها وخيبتها التي صار القاصي والداني متأكداً منها.