icon
التغطية الحية

الأمان المفقود يهدد مهنة الصرافة في الشمال السوري

2019.05.21 | 11:05 دمشق

ليرات سورية من فئة ألف على كوة صرافة في إدلب (تلفزيون سوريا)
حسام الجبلاوي - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

"قتل أثناء تعرضه للسطو" بهذه العبارة تداول سكان الباب في ريف حلب قصة الشاب عبد الكريم العثمان الذي قضى أثناء خروجه من محله بعد تعرضه لإطلاق نار من قبل مجهولين قاموا بسرقة حقيبة أمواله. عبارة عامة أصبحت تلخّص نهاية حديث يطول عن المخاوف التي يعيشها يومياً تجار العملات والذهب في الشمال السوري، والذين أضحَوا منذ عدة أشهر الهدف الأبرز لعمليات السرقة والقتل المنظّمة.

بنوك صغيرة

مع ازدياد النشاط التجاري لبابَي الهوى والسلامة الحدوديَين مع تركيا، ودخول العملات الأجنبية بشكل وفير إلى الشمال السوري عبر رواتب المنظمات وتحويلات المغتربين، توسعت محال صرافة العملات الأجنبية ومكاتب التحويل بشكل كبير، وأصبح لها أسواق خاصة أكبرها في سرمدا، وتحوّل بعض هذه المحال الصغيرة فيما بعد إلى شركات لها مكاتب في دول مختلفة من العالم.

هذا الانتشار الواسع كان له إضافة إلى الأسباب السابقة ما يبرره بحسب أيمن شلّي صاحب مكتب للصرافة في سرمدا، حيث ساهم التذبذب الكبير وانخفاض العملتين السورية والتركية في الإقبال الواسع على تجارة هذه العملات من قبل قطاع واسع من الناس، ووفق شلّي "أصبحت تجارة استبدال العملات من أنشط المهن في الشمال السوري، وأصبحت محال الصرافة تنافس البقالة".

ويشير شلّي إلى دور هذه المكاتب والشركات في كسر العزلة المالية عن مناطق الشمال السوري وربطها بدول العالم خاصة، وتحوّل هذه الشركات إلى ما يشبه بنوك صغيرة، يحفظ من خلالها التجار أموالهم، ويقلّبونها بحسب حاجتهم.

ويوضح التاجر الخمسيني حديثه بالقول:" المئات من العاملين في القطاع الإعلامي والإغاثي، والذين يعتمدون على الإغاثة، وتحويلات أقربائهم، يتلقَون أموالهم عبر العديد من دول العالم، بعضها من أمريكا وكندا وتركيا والأردن بوساطة هذه المحال، ومن خلال رأس مال متوسط استطاع العديد من الشبان بدءَ تجارتهم بالعملات، وبعضهم حقق أرباحاً كبيرة".

حوادث

لكن رغم هذا التطور الكبير في سوق الصرافة يبقى الخوف هو الشعور المسيطر على العاملين في هذه المهنة وفق شلّي الذي أكدّ أنّ "الصرّافين هدف دائم للصوص، حيث كمية صغيرة من الذهب أو المال قد تكون سبباً لإنهاء حياتهم".

وفي استعراض لبعض الحوادث التي حصلت مؤخراً قتل الصراف "محمد منديل" وأحد أقاربه ويدعى "حسين معروف" في مدينة "سرمدا"، بعد سرقة حقيبة تحتوي على أموال وذهب في بداية العام الحالي، كما قتل مجهولون الصراف "عبد الكريم عثمان" في 17 نيسان الماضي بمدينة الباب أثناء تعرضه للسرقة.

وتعرّض صاحب محل صرافة وحوالات مالية في مدينة عفرين أواخر العام الماضي للسرقة، بعد أن أطلقت العصابة التي أوقفته في الطريق النار على قدمه.

كما فقد الصراف أنس الدرباس مبلغ 65 ألف دولار أمريكي و500 ألف ليرة سورية و5 أساور ذهب، خلال عملية سرقة لمنزله في مدينة كفر زيتا بريف حماة الشمالي في بداية شهر أيار الماضي.

إضراب ومطالب

هذه الحوادث وغيرها دفعت صرافي إدلب وحلب للتحرك بعد استشعار الخطر، وفي خطوة تصعيدية نفذ عدد كبير من محال وشركات الصرافة في الشمال السوري إضرابين متتالين عن العمل في شهري آذار ونيسان الماضيين.

وحمل تحرك الصرافين شعار " إضراب عام حتى إسقاط اللثام "، حيث دعا المضربون فصائل المعارضة المسلحة المسيطرة على المنطقة للعمل على وقف هذه الظاهرة.

وفي هذا السياق قال مهدي عباس صاحب محل مجوهرات وصرافة في مدينة جسر الشغور إنّ "هناك محاولات يجري العمل عليها حاليا لتوحيد جهود جميع العاملين في هذا المجال، وتنسيق الجهود للتصدي لهذه الظاهرة".

وأوضح عباس في حديثه الخاص لموقع تلفزيون سوريا أنّ "الإضرابين السابقين نجَحا بفضل مشاركة عدد كبير من الصرافين فيه، بعد تشكيل مجموعة تواصل بينهم عبر تطبيق واتس آب، ونتج عنه عدة اجتماعات مع مسؤولين في الحكومة، والمجالس المحلية، والشرطة الحرة. وقد أبدت جميع هذه الجهات تعاونها للتصدي لهذه الظاهرة".

وأشار عباس إلى اقتراحات يجري العمل عليها حالياً بين الصرافين تتعلق "بتوسيع استخدام كاميرات المراقبة وأجهزة إنذار، وترخيص حمل أسلحة فردية للدفاع عن النفس، وتخصيص خط ساخن، وتشكيل جمعية لمساعدة الصرافين الذين يتعرضون لمثل هذه الحالات".

من يتحمل المسؤولية؟

تحرك أصحاب وشركات الصرافة وإن كان له دور في لفت الانتباه وتشكيل جهد موحد، إلا أنه يبقى محدود التأثر في حال لم تحل المشكلة الأساسية وهي ظاهرة اللثام والتي كانت المطلب الأساسي للإضرابات.

ويحمّل ناشطون محليون "هيئة تحرير الشام" في إدلب وفصائل " درع الفرات" في حلب مسؤولية التدهور الأمني الأخير، باعتبارهما المسؤولين عن أمن المنطقتين، وحواجزهما تنتشران على مداخل الأسواق والمدن.

عبد الرحمن إبراهيم (اسم مستعار) وهو ناشط صحفي في مدينة كفرنبل بريف إدلب، وجّه تهمة الانفلات الأمني الحاصل بشكل مباشر إلى "هيئة تحرير الشام" في إدلب باعتبارها الطرف المسؤول عن معظم الحواجز في المحافظة.

وتساءل إبراهيم:" إذا كانت هذه الحواجز داخل المدن لا تستطيع إيقاف سيارات الفان المشبوهة التي تستخدمها مجموعات التشليح، ولا تقوم بتفتيشها، ولا تدقق في هويات المارة والداخلين، بحجة أنهم إخوة أو ملثمون يحملون أسلحة فما الفائدة من هذه الحواجز؟"

وختاماً رأى الحاج أن الوضع في ريف حلب الشمالي لا يختلف كثيرا مع توفر أسباب مشابهة لتلك التي في إدلب من حيث ضعف التنسيق بين الفصائل المنتشرة، وانتشار ظاهرة اللثام بين المقاتلين.

وفي ظل غياب عوامل الأمان واستمرار استهداف التّجار ورؤوس الأموال في الشمال السوري، فإنّ أي بيئة للاستثمار والعمل تبقى مهددة، وتحرم النازح السوري وأهالي المناطق من أي تحسن اقتصادي.