الأسـد.. قاتـل محروم الرجـولة

2018.10.15 | 00:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لم تجرِ الرياح في سوريا، كما كان يخطط لها حافظ الأسد في العقدين الأخيرين من عمره، فخبرات الرعب والقبضة الحديدية التي أسقطها الأسد الأب على ولده الأكبر "باسل"، والديكتاتورية التي كان يلقمه إياها تمهيداً لتوريثه السلطة، ذهبت أدراج الرياح عندما تحول كل ذلك المشروع إلى خبر عاجل، انتهى فيه سيناريو باسل قبل أن يبدأ، فما كان من حافظ الذي كان يصارع الموت، إلا خيار إعداد بشار الأسد لوراثة السلطة، مرتكزاً بذلك على أعمدة الديكتاتورية التي اتّكأ عليها خلال عقود حكمه، إلا أن هذه الخطوات المبنية على عجل لم تصنع سوى قاتل فاقد الرجولة أمام الطيف الذي يواليه، أما غالبية السوريين، فكانوا على دراية شبه كاملة بأنهم أمام حافظ جديد مسلح بقبضة أمنية قديمة.

بشار الأسد.. هذا الدكتور المتحضر في الغرب والمغمور بالوطنية، بحسب ما كانت تروجه وسائل إعلام السلطة أمام السوريين، تجلت حقيقته قبل توليه منصب رئاسة الجمهورية، فهو سالب للسلطة كأبيه، وبدأ حكمه بتزوير الدستور، ونظريات الإصلاح والتطوير التي كان يطلق شعاراتها في كل خطاب قبل اندلاع الثورة السورية، كانت في الحياة السورية مجرد توسعة لسلطة الاستخبارات وتفاقم مستويات الفساد، وتنامي الطائفية ضد السوريين، وتنامي سيطرة الطائفة العلوية على كافة مفاصل الحياة، حتى بات العامة لا ينجحون في إتمام أي معاملة أو عمل مالم يتم دفع رشاوى، والاستعانة بموظف المحسوبيات، أما الحياة المدنية في سنوات عهده الأولى فكانت تضخم سنوات البطالة، حتى حفلات الزفاف لم تنجُ من سلطته البائسة، فالإصلاح كان مزيداً من التخريب، والتطوير تمحور بزيادة الكبت على السوريين، الذين كانوا ينتظرون أي لحظة للانفجار بوجهه.

هذا المغرور بالجيش الباسل، وسلاح الطائفية، فشل فشلاً ذريعاً عند أول مواجهة له مع السوريين، فعوضاً عن تعامله مع معذب أطفال درعا بطريقة صارمة، أخذته العزة بالسلاح، معتقداً أن الشعب هو شعبه الباسل، كما جيشه، وعندما أدرك بأن الشعب يلفظه ونظام أبيه، أخذ ينتقم منهم أشد انتقام في الساحات وبالسجون، فسالب السلطة بالتزوير، يجعله السلاح مجرماً ولكنه بكل تأكيد ليس برجل.

هذا المغرور بالجيش الباسل وسلاح الطائفية فشل فشلاً ذريعاً عند أول مواجهة له مع السوريين

من كان يطلق الشعارات الرنانة بالإصلاح والتطوير والتحديث في سوريا، هو ذاته، من جند أبناء الطائفة العلوية بالسلاح والذخائر ليقتلوا بقية مكونات الشعب، وهو نفسه من أمر بإنزال الدبابات، وبناء المزيد من السجون لاستيعاب أكبر قدر من السوريين، وهو من فتح الحدود واستورد الميليشيات والمرتزقة ليعيثوا في الأرض، وهو من ضرب عشرات المدن بالكيماوي، والبراميل التي لا تعد ولا تحصى، ورغم كل ذلك، فإن القاتل الذي لم يتجرأ يوماً أن يكون رجلاً، يخشى إعلان هوية من يقتلهم، رغم الحصانة الدولية التي يتمتع بها، والضوء الأخضر الذي يملكه بسفك الدماء، بل مع مدينة يدمرها يزورها وينزل مؤيدوه للشارع للانتصار، وكأنه قد زار تل أبيب، لا منطقة سورية انتقم منها أشد انتقام للفظها إياه، واليقين يقول، بأنه سيبقى قاتلاً.. ولن يكون رجلاً بيوماً من الأيام.

الرجولة لم تكن يوماً بقتل شعب طالب بداية بالإصلاح الحقيقي، لا الكاذب منه، ولن تكون الرجولة بسحق مدن عن بكرة أبيها بدعايات واهية خداعة، فنحن منذ سنوات بل وعقود أمام عصابة، تفننت بممارسة أقذر أنواع عمليات الإرهاب الاجتماعي والفردي وصولاً لإرهاب نظام كامل، والرجولة لا تأتي بالأغاني المفبركة التي تحابي الأسد، بل الرجولة المسلوبة من الأسد، والتي لن يحلم بها، هي أن الشعب يلقي بنفسه للحفاظ عليه، لا أن ترميه تحت جنازير الدبابات لتحافظ على نظامك.

الرجولة لم تكن يوماً بقتل شعب طالب بداية بالإصلاح الحقيقي لا الكاذب منه ولن تكون الرجولة بسحق مدن عن بكرة أبيها بدعايات واهية خداع

لن ينسى السوريون مهما طال الزمن أو قصر، تلك العبارات التي خطها جيش الأسد على جدران المدن السورية "الأسد أو نحرق البلد"، فهذا القاتل الفاقد للرجولة، أحرق البلد بمن فيها، فقتل وشرد وهجر ودمر، لإثبات رجولته وتثبيت سلطته، صحيح أن قواته دمرت كامل الجغرافية، لكنها لم تنجح في كافة مراحلها رغم شدة البطش والإرهاب التي مارسته، أن تصور بشار الأسد في عيون السوريين كرجل، بل كقاتل متعطش للدماء، يستخدم كل ما يتوفر بين يديه من أسلحة وأدوات، ومن صالح الأسد بالإجبار والإكراه، لم يفعل ذلك لأن نظرتهم له قد تغيرت، بل لأن واقع الثورة قد تغير بسبب التآمر عليها، وضاقت بهم الأرض بما رحبت، ولكن قلوبهم مع أفواههم ستبقى كما كانت، وسيبقى الأسد في نظرهم، مجرد قاتل فاقد للرجولة.

حتى بين الموالين أنفسهم، فسوادهم الأعظم يميل بتأييده لماهر الأسد، أكثر من بشار، فماهر هو نسخة إجرامية مطورة عن أخيه، رغم أن كليهما قاتل بدم بارد، وماهر، يعتبر بنظرهم صورة طبق الأصل عن باسل الأسد، ويمتلك جيشاً خاصاً به، وقوات تصدح باسمه وتسقط اسم أخيه، ويملك ماهر دولته الخاصة داخل نظام حافظ الذي يديره قادة المخابرات عبر بشار.. هذا القاتل المحروم من الرجولة.

وفي بعض الأمثلة التي شاهدها جميعكم على ضعف هذا القاتل، وشخصيته الهزيلة، ما جرى في قاعدة حميميم منذ أشهر، عندما قام أحد الضباط الروس بنعره للخلف مبعداً إياه عن الرئيس الروسي، وكأنه يدفع بشخص نكرة، فالأسد القاتل لشعبه، رغم امتلاكه للجيش الباسل وجيوش ميليشياوية متعددة، لم يكن رجلاً أيضاً في موقف علني! فكيف هو إذا وراء الكاميرات؟

عندما زار بوتين قاعدة حميميم المسلوبة من الأرض السورية أجلس الرئيس الروسي العقيد سهيل الحسن بمكان الأسد ووضع الأخير بجواره ذليلاً

بموقف آخر، عندما زار بوتين قاعدة حميميم، المسلوبة من الأرض السورية، أجلس الرئيس الروسي، "العقيد "سهيل الحسن بمكان الأسد، ووضع الأخير بجواره ذليلاً، ولما لا، فـ "النمر" مهما ارتفع شأنه فهو صناعة روسية موضوعة بمهمة قتل السوريين، أما الأسد، فهو مهما كانت أعداد من قتلهم من السوريين، سيبقى في عيون الدول ليس برجلاً، فهو مستعد للتنازل عن أي شيء مقابلة سلطته، بما فيها رجولته.

ناهيكم عن وصف الروس لها وبشكل علني بـ "ذنب الكلب"، وكذلك شحنه إلى روسيا بشكلاً منفرداً، واندهاشه في تواجد كبير المسؤولين العسكريين في الأراضي السورية، فهذا القاتل المحروم من الرجولة، لم يتجرأ أن يرد الشتيمة الروسية بأي شكل من الأشكال، ولا ننسى كذلك عندما وصفه الرئيس الأمريكي "ترامب" بـ "الحيوان"، وربما لم تحضرني المزيد من الإهانات الدولية التي تلقها الأسد مؤخراً، ولكنه ما لم ولن يغيب عن الأذهان، بأن هذا القاتل للشعب السوري، لم ولن يكن في يوماً من الأيام رجلاً.

سوريا، في عبارة مختصرة، اغتالها حافظ الأسد، ودفنها بشار، ولا يمكن أن تعود مجدداً للحياة، مالم تتخلص من زارع السم الذي دمر نسيجها الاجتماعي والاقتصادي وغيرهما، بعد تمزيقه لهويتها، وتقديمها على طبق من ذهب للمشاريع الإيرانية المذهبية، ورهن اقتصادها لدى سيده الروسي، فسوريا الثائرة وحدها الكفيل والضامن للتخلص من القاتل وآثاره التي باتت حملاً ثقيلاً قد يحتاج البلاد لعقود طويلة حتى يتخلص منها.