اتفاق أضنة؟ مش بيناتنا يا رجل!

2019.02.18 | 00:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يسترسل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الكلام والدردشة، عادةً، في رحلاته الجوية إلى خارج تركيا، مع أعضاء الوفد الصحفي الذي يكون بمرافقته. وعادةً ما يكون هؤلاء من "الصحافة الموالية" المرضي عنها، وهم محسودون من زملاء المهنة المغضوب عليهم. لكن هذا موضوع آخر.

في رحلة عودته من سوتشي إلى أنقرة، بعد انتهاء أعمال القمة الثلاثية الرابعة التي جمعته إلى نظيريه الروسي والإيراني، استفاض أردوغان في الحديث عن مباحثاته ونتائجها، كما قادته أسئلة الصحفيين إلى مواضيع أخرى غير ذات صلة، لكنها تشكل مواضيع الساعة في السياسة التركية.

لفتت نظري، كسوري، جملةٌ نسبها أردوغان إلى بشار الأسد، سأخصص لها موضوع هذه المقالة، من غير أن يعني ذلك أنها أهم ما في تصريحات أردوغان الشاملة التي تستحق تناولاً مستقلاً.

الاتفاق الذي تم توقيعه، في العام 1998، في عهد الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، يتم تجديده كل ثلاث سنوات، ما لم يعلن أحد طرفيه الانسحاب منه

كان الحديث يدور حول "اتفاق أضنة" الذي قال أردوغان إنه سيشكل "أساس" السياسة التركية في الفترة القادمة، بوصفه الخيار الأنسب لمواجهة التهديدات الإرهابية على المنطقة الحدودية، في ظل غموض الخطوات الأميركية الخاصة بسحب قواتها من سوريا وكيفية ملء الفراغ الذي سينجم عن ذلك، مكرراً رفض أنقرة القطعي لأي تصور يقوم على "حماية الإرهابيين" (قوات حماية الشعب الكردية) في المنطقة الآمنة التي تحدث عنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

ورداً على سؤال أحد الصحفيين عن مدى عمق الشريط الحدودي الذي يحق للجيش التركي مطاردة "الإرهابيين" فيه على الجانب السوري من الحدود، وفق نص اتفاق أضنة، قال أردوغان إن الاتفاق المذكور لا يتضمن أي تحديد لهذا العمق، مانحاً للجيش التركي، بذلك، الحق في القيام بعمليات عسكرية وصولاً إلى أي عمق يتطلبه الوضع. ثم استفاض في الكلام عن تاريخ هذا الاتفاق وما طرأ عليه من عاديات الزمان وآليات تجديده.

الاتفاق الذي تم توقيعه، في العام 1998، في عهد الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، يتم تجديده كل ثلاث سنوات، ما لم يعلن أحد طرفيه الانسحاب منه. وبعد انتقال السلطة في سوريا إلى بشار الأسد، استمر العمل بالاتفاق، كما قال أردوغان الذي أضاف: "وحين كانت العلاقات بيننا جيدة، فاتحنا بشار الأسد بموضوع اتفاق أضنة وضرورة تجديده بصورة دورية، فرد علينا بارتياح بالغ قائلاً: وهل سنختلف على اتفاق أضنة؟ (المعنى الدقيق لكلام بشار، حسبما نقل عنه أردوغان، هو: "مش بيناتنا يا رجل!" أي ما يستخدمه الناس للتعبير عن تفاهة جزئية من الجزئيات بالقياس إلى عمق العلاقة بين طرفين).

للتذكير كان اتفاق أضنة هو إملاء تركي على "سوريا الأسد" وإذعان هذه الأخيرة للشروط التركية، بعد تهديدات علنية أطلقها الرئيس التركي الراحل سليمان دمريل من المنطقة الحدودية التي حشد عليها الجيش قوات جاهزة للحرب. فتوسط الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك لدى تركيا للعدول عن تهديداتها مقابل إذعان الأسد للمطالب الأمنية التركية الخاصة بموضوع حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبد الله أوجالان.

ونزولاً عند شروط الاتفاق، قام الأسد بطرد أوجلان من الأراضي السورية، وأغلق معسكرات التدريب الخاصة بـ"الكردستاني" في سهل البقاع اللبناني، وقام بتسليم عدد غير معروف من كوادر الحزب المقيمين في سوريا إلى تركيا، بموازاة اعتقال الأعضاء السوريين منهم ومحاكمتهم أمام محكمة أمن الدولة. هذا "التعاون" الأمني أحادي الجانب استمر في السنوات التالية، بعيداً عن وسائل الإعلام. أضف إلى ذلك احتفاظ تركيا، وفقاً لاتفاق أضنة، بحق التدخل العسكري في الأراضي السورية كلما اقتضت الحاجة لملاحقة الحزب الكردستاني.

اتفاق بهذه الخطورة، سواء بطابع الإذعان لمنطق القوة فيه، أو بخرق السيادة الوطنية الذي ينطوي عليه، يقول عنه بشار الأسد "مش بيناتنا"!

اتفاق بهذه الخطورة، سواء بطابع الإذعان لمنطق القوة فيه، أو بخرق السيادة الوطنية الذي ينطوي عليه، يقول عنه بشار الأسد "مش بيناتنا"!

هذا ليس جديداً على مسالك النظام الأسدي الذي لا تحضر عبارة "السيادة الوطنية" على لسان الناطقين باسمه، بما في ذلك رأس النظام، إلا حين يتعلق الأمر بعلاقته بالسكان المحليين (أو "المواطنين" حسب الرطانة الشائعة). فإذا حدث وانتقد سياسي أجنبي انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، تصدوا له برفع بطاقة "السيادة الوطنية" الحمراء. وكان أحدث إبراز لهذه البطاقة حين قال وليد المعلم للمبعوث الأممي السابق دي مستورا إن الدستور موضوع سيادي لا يحق للأمم المتحدة التدخل في شأنه، وذلك لرفض مبدأ المثالثة في تشكيل اللجنة الدستورية (نظام – معارضة – مجتمع مدني). مع العلم أن الدستور الذي قد يقر، إذا حدث وفرضه ثلاثي أستانا عليه، لن يعدو كونه ورقة بلا قيمة لدى النظام، مثله مثل الدستور الحالي الذي وضعه بنفسه، على مبدأ أن "الدساتير توضع لتنتهك".

أما حين يتعلق الأمر بقصف إسرائيل لمواقع داخل سوريا، متى شاءت ذلك، أو باتفاق أمني يسمح للجيش التركي بدخول الأراضي السورية، أو بالأجواء السورية التي يسرح فيها طيران متعدد الجنسيات ويمرح، أو حين يعامل الرئيس الروسي رأس النظام باحتقار في قاعدة حميميم الواقعة داخل حدود سوريا.. فكل ذلك يهون بالنسبة للنظام بالمقارنة مع أي تنازل قد يقدمه للسوريين، حتى لو كان المطالبة بالحق في الحصول على الكهرباء أو الوقود.

ليس جديداً إذن أن يعبر رأس النظام عن استهتاره بالسيادة الوطنية، لكن الجديد الذي كشف عنه أردوغان، بشكل عَرَضي، هو تلك الخفة التي تميز "أسلوب" هذا الشخص التافه في التعبير عن الاستهتار بالسيادة الوطنية: اتفاق أضنة؟ هادا كلام ينحكى فيه بيناتنا يا رجب؟!

لم يتحدث أردوغان عن تنازل النظام عن لواء إسكندرون الذي صرعنا حزب البعث، منذ المدرسة الابتدائية، بـ"سلخه" عن سوريا وحقنا في استعادته. من المحتمل أن الأمر مر بالطريقة نفسها أثناء إحدى الجولات السياحية لبشار وأسماء على المعالم السياحية في إسطنبول، كأن يقول لمضيفيه طيب وأمينة أردوغان: إسكندرون؟ مش بيناتنا يا أحبة، تهنوا فيه.