اتفاقية "ترامبوتين" وخلايا المقاومة

2018.07.13 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يجري اليوم الترويج لإشاعة مفادها إن القوى العظمى عقدت العزم على حلّ القضيّة السوريّة، وأن ثمّة اتفاقاً نهائياً سيبرمه بوتين مع ترامب في قمة هلسنكي القادمة.   

لا نشكك بوجود هذه الاتفاقية، بل نعتقد أن ما سنسميه منذ الآن فصاعداً اتفاق "ترامبوتين"، قد عقد فعلا. ولا ندعي أيضاً معرفتنا ببنود الاتفاق،

 روسيا التي تعاني من مصاعب اقتصادية، ستمكّنها الوصايّة على سوريا من جباية بعض أموال إعادة الإعمار الموعودة، والسيطرة على أسعار النفط بهيمنتها على حوض إنتاجه الرئيسي أي منطقة الشرق الأوسط.

ولكن صار لنا من التجربة والخبرة في شأننا السوري، ما يؤهلنا لتخمين مضمونه، الذي لا شبهة تفاؤل فيه، كما يريد المروجون له أن يوهمونا.

ليس من المستغرب أن تقدم واشنطن تنازلات لموسكو في سوريا، مقابل مصالح في مكان آخر، فالمنطقة لم تعد من أولوياتها. بل إن إلهاء روسيا في مستنقع الصراع مع العالم الإسلامي مطلوب في حقبة المواجهة الكبرى مع الصين. روسيا التي تعاني من مصاعب اقتصادية، ستمكّنها الوصايّة على سوريا من جباية بعض أموال إعادة الإعمار الموعودة، والسيطرة على أسعار النفط بهيمنتها على حوض إنتاجه الرئيسي أي منطقة الشرق الأوسط.

إسرائيل بدورها ظفرت بالجولان ولا شك. إذا لا يعقل أن تكون ساعة كوهين المعادة هي ثمن صمتها. أما إيران التي عينها على جموع الشعب السوري المنهك، فيخشخش لها حلم الهلال المذهبي الذي يأمل الملالي أن يكتمل يوماً ويخنق العالم العربي. ولتركيا حصتها من كعكة الإعمار وموقع "إخوانها" في السلطة، أما إنهاء أمر الإقليم الكردي فهو موضوع جرى عليه القلم في صفقة سابقة.

وأما نظام الأسد فله دوره الوظيفي الذي يمارسه منذ نصف قرن، حراسة إسرائيل، وإبقاء عموم المنطقة في حالة عدم استقرار. أما المعارضة التي تم اصطفاء بعض ضفادعها وتلميعهم، فسوف تنال بضعة حقائب وزارية خدميّة، بإشراف أجهزة أمن النظام، المحتفظ بالوزارات السيادية، وسيعمل بمعاونة الضفادع للتبرؤ من ملف الانتهاكات المقلق، الذي لا يمكن السيطرة عليه سياسياً، مع أنه بات واضحاً تلقيه ضمانات كافية من مشغليه الكبار بعدم الملاحقة، وبدأ بتوزيع قوائم المقتولين تحت آلة تعذيبه بكل وقاحة وغطرسة.    

الإسلاميون عموماً، والجهاديون خصوصاً، لهم حصتهم، فـ"الإرهاب" ملح الطبخة. وسيحتفظ بهم كالسيف المسلط على رقبة كل حراك اجتماعي سياسي لا يلتزم بقواعد لعبة القوى القوى الكبرى، التي لها بهم أيضا مآرب أخرى.

أما الشعب السوري؛ بكل آلامه وشهدائه ومعتقليه، فله "دستور" جديد، يتم إنفاذه عندما تسمح الظروف! وانتخابات محلية لا تمسّ النظام ورأسه. بل تقتصر على الحيزات المحلية، لتعمق انقساماتها الأهلية، وعلى نحو يقصي السوريين مجدداً عن حقل السياسة. 

إذن، نحن أمام قسمة مصالح دوليّة، تحت عنوان ملتبس غير منطوق به هو "الوصاية"، لكن الوصاية أو الولاية الأممية، التي لا يعارضها كثير من السوريون، لها شروطها وقوانينها ومرجعياتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أما فرضها بهذه الطريقة التي تثير الشبهات، وإيكال أمرها لروسيا البوتينية وإيران الخمينية، فهي طرفة العصر التي لا تضحك أحداً.

 سوريا محتلة، لن نملّ من تكرار ذلك، ومقاومة الاحتلال حق مشروع. لكن هذا الخطاب عديم القيمة إن لم يقترن بالعمل،

يجب تلافي أخطاء المرحلة السابقة، فنجرم الطائفية ونقصي الدينيين ومشاريعهم من أي دين كانوا، ولا نفرط باستقلالية القرار السوري.

فالفكرة يجب أن تطلق صرخة، والصرخة يجب أن تلقي حجراً، ومن ألقى حجراً سيطلق الرصاص!

إنه الدفاع المقدس عن حق الحرية والكرامة والعيش على أرض الوطن. وبدون إبطاء يجب أن نؤسس كسوريين خلايا ولجان المقاومة، في الداخل والخارج، في السياسية والثقافية والمجتمع المدني والإعلام، وفي الوقت المناسب أيضاً في الميدان العسكري. يجب تلافي أخطاء المرحلة السابقة، فنجرم الطائفية ونقصي الدينيين ومشاريعهم من أي دين كانوا، ولا نفرط باستقلالية القرار السوري، مع بناء تحالفات مرحلية، وفق الضرورة والإمكانية، وبحسب تغيرات الرياح الدولية، وإقامة أكبر عدد من الروابط بين السوريين وحلمهم، الذي ينبغي له أن يجمعهم، حلم الحرية والاستقلال وبناء دولة المواطنة.