إيران معزولة لكنّها تريد أن تقول العكس!

2019.03.25 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

خلال الشهر المنصرم، قام الرئيس الإيراني حسن روحاني برفقة وفد يتقدّمهم وزير الخارجية جواد ظريف بزيارة إلى العراق لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين. وخلال هذه الزيارة، تمّ التوقيع على عدد من الاتفاقيات لعل أهمها تلك المتعلقة بإنشاء خط سكة حديد بین مدینتي خرمشهر والبصرة، ورفع تأشيرات الدخول بين البلدين.

 تبعَ هذه الزيارة الكشف عن وجود تنسيق إيراني-تركي لمحاربة حزب العمّال الكردستاني على الحدود المشتركة بينهما، على الأقل وفق الرواية التركية. 

يضاف إلى هذه المبادرات، زيارة رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، محمد باقري إلى سوريا مؤخراً وذلك ضمن اجتماع ثلاثي ضمّه إلى جانب نظيريه العراقي والسوري. تحاول طهران من خلال هذه الخطوات الإيحاء بأنّها غير معزولة وقادرة على مواجهة الضغوط الأمريكية المتزايدة عليها وعلى اقتصادها من خلال خلق زخم دبلوماسي مصحوب بالكثير من الدعاية الإعلامية. ولا تقتصر الرسائل الإيرانية المراد توجيهها من خلال هذه الخطوات على الداخل الإيراني فقط، وإنما تستهدف عدّة دول على المستوى الإقليمي والدولي وبشكل أساسي الولايات المتّحدة الأمريكية، وروسيا، وإسرائيل، وتركيا أيضاً.

طهران تريد أن يفهم الجانب الإسرائيلي أنّ إخراجها من سوريا لن يكون بالأمر السهل

في الموضوع المتعلق باجتماع رؤساء أركان الدول الثلاث على وجه التحديد، يمكن الوقوف على بضع نقاط. الأولى هي القول إنّ إيران قادرة على تجاوز العقوبات من خلال هذه الدول بالتحديد، فالعراق وحده يعدّ منذ العام الماضي أكبر مستورد للبضائع الإيرانية في العالم، ويشكّل حوالي خُمس عائدات إيران من الصادرات غير النفطية. أمّا سوريا، فمن المتوقع أن تصبح بوابة رئيسية أيضا لعمليات تبييض الأموال، والشركات الوهميّة، وممراً للصادرات الإيرانية إلى الخارج لاسيما وسط تزايد الحديث عن سعي إيران لتأمين موطئ قدم لها على الساحل السوري لبناء ميناء أو استثمار آخر قائم بالفعل.

أمّا النقطة الثانية، فهي إظهار وجود جبهة متّحدة في وجه الولايات المتّحدة الأمريكية حيث تهدف طهران إلى القول إنّ معارضة الوجود الأمريكي في المنطقة ليس مقتصراً عليها وإنّ الجبهة الإيرانية الإقليمية المكوّنة من هذه الدول قادرة على استنزاف واشنطن إقليمياً كما فعلت من قبل لاسيما إذا ما قرّرت البقاء في سوريا. وفقاً لباقري، فإنّ طهران نجحت في إنشاء جبهة ميليشيات يبلغ قوامها 100 ألف مقاتل في سوريا، وكذلك الأمر في العراق دون تكاليف باهظة مقارنة بما تنفقه الولايات المتّحدة على حدّ قوله. وفي هذا الكلام بالتحديد دلالة على نوعية المعركة التي تبحث إيران عنها والتي تقوم على زيادة عديد الميليشيات في المنطقة وتقليل التكاليف المالية والأمنية المترتبة عليها.

قبيل هذا الاجتماع نُقل عن باقري قوله إنّ القوات الأجنبية الموجودة على الساحة السورية دون تنسيق مع الحكومة السورية ستنسحب عاجلا أم آجلا. وفي هذا التصريح بالتحديد كان المسؤول الإيراني يوجّه رسائل الولايات المتّحدة ولكن بدرجة أكبر إلى تركيا التي تعتبر الدولة الوحيدة التي تحتفظ بعدد كبير من الجنود داخل سوريا دون موافقة النظام السوري. فعلى الرغم من التقارب الظاهري مؤخراً بين البلدين، لا تزال طهران تنظر إلى أنقرة على أنّها منافس إقليمي في سوريا والعراق، وحرصاً منها على ألا تختل الكفّة لصالح تركيا مع تزايد العقوبات الأمريكية على إيران، فإن طهران تذكّر تركيا أنّ عليها أن تلعب تحت سقفها.

لا تخلو الخطوة الإيرانية من رسائل مهمّة إلى الجانب الروسي. فالاجتماع بدا وكأنه تعمّد إغفال روسيا سيما وأنّ الأخيرة كان لها الدور الأبرز على الساحة السورية في إنقاذ النظام وإيران معاً

ومثل تركيا، فانّ طهران تريد أن يفهم الجانب الإسرائيلي أنّ إخراجها من سوريا لن يكون بالأمر السهل، وأنّ ربط دمشق والعراق بطهران مضافاً إلى بيروت سيرفع من تكاليف قيام إسرائيل بتصعيد ضد إيران أو شن حرب ضدها، لأنّه سيكون بالإمكان مواجهة أي تصعيد إسرائيلي محتمل عبر فتح جبهات متعددة ضد تل أبيب سيما مع وجود من هو مستعد لقتال الأخيرة بالنيابة عن إيران في هذه البلدان.

أخيراً، لا تخلو الخطوة الإيرانية من رسائل مهمّة إلى الجانب الروسي. فالاجتماع بدا وكأنه تعمّد إغفال روسيا سيما وأنّ الأخيرة كان لها الدور الأبرز على الساحة السورية في إنقاذ النظام وإيران معاً. لكن طهران التي رأت موسكو تلعب على تقاطعات المصالح مع الولايات المتّحدة الأمريكية وإسرائيل وتركيا وإن خالف ذلك المصالح الإيرانية، تريد هي الأخرى أن تستغل نفوذها على النظامين السوري والعراقي لتقول لموسكو إنّها لا تعمل تحت سقفها في سوريا، وإن لم تكن على قدم المساواة على الأقل فهي في المقدّمة، ولن تتردد في اتّخاذ القرارات التي تخدم مصالحها في البلدين أوّلاً وإن خالف ذلك مصالح موسكو لاحقاً.

لكن إلى أي مدى من الممكن لهذه الرسائل أن تكون واقعية في ظل تزايد الضغوط الأمريكية من جهة، وازدياد الهجمات الإسرائيلية على أهداف إيرانية داخل سوريا من جهة أخرى، وفي ظل ترسيخ تركيا لنفوذها السياسي والاقتصاد والعسكري في الشمال السوري والعراقي، وأخيراً في ظل حاجة الأسد إلى روسيا؟ عملياً، تبدو المهمّة أصعب بكثير من الرسائل الدعائية الإيرانية، وإذا لم تنجو طهران داخلياً بسبب العقوبات الأمريكية، فإن كل هذه المبادرات لن يكون لها قيمة حقيقية على أرض الواقع، فتحالف المأزومين الطائفيين ليس من المنتظر له إلا أن يولّد المزيد من الأزمات.