إيران تقفل الحكومة اللبنانية دعما لمشروع البقاء في سوريا

2019.07.26 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تقفل إيران أبواب الحكومة اللبنانية في لحظة حرجة تتزامن مع ارتفاع وتيرة التصعيد ضدها في أكثر من مكان، على خلفية الموقف من قضية قبرشمون التي يطالب حلفاؤها بإحالتها إلى المجلس العدلي.

تزامن هذا الإغلاق الحكومي مع خسارتها لمواقع مهمة تعود لميليشيا حزب الله في الأرجنتين، ما قد يشكل مدخلا بارزا للقضاء على شبكاتها المالية في كل أميركا اللاتينية.

عمل حزب الله على دفع حلفائه إلى ممارسة الحد الأقصى من التعنت في مقاربة قضية بدت للوهلة الأولى محلية الطابع، وعلى ارتباط وثيق بالصراعات والمنافسات الداخلية.

دخول حزب الله على خط هذه القضية وما تسبب به من إغلاق للحكومة أخرجها من محليتها، ودفعها إلى الالتصاق الوثيق بالمشروع الأساسي الذي عبر عنه حسن نصر الله في مقابلته الأخيرة، والمتعلق بالإصرار على البقاء في سوريا وعدم الخروج منها مهما كان الثمن.

وكان الأمر في لبنان قد استقر قبل هذا التصعيد على معادلة الاعتراف بسطوة حزب الله الكاملة على القرارات الكبرى في البلد، مع ترك هوامش للتحرك والحفاظ على خصوصيات زعامات الطوائف الأخرى ومواقعها، ولكن ما استجد من تصعيد ضد إيران في المنطقة والعالم أنتج انقلابا في مقاربتها للشأن الحكومي اللبناني وخصوصيات المكونات الأخرى، فكان أن حرصت على مد أذرعها لتطال خصوصية وليد جنبلاط ثم تفجير موقع سعد الحريري وخصوصيته.

لا يعني ذلك في هذه المرحلة سوى نهاية الحد الأدنى من المحاصصة التي كانت تترك لحزب الله إدارة شؤون لبنان لصالحها، والانتقال إلى مرحلة جديدة يتحول فيها النظام اللبناني برمته وبكل ما فيه إلى جزء من بنى المنظومة الإيرانية.

يصب إغلاق الحكومة اللبنانية في هذا الإطار، وربما تكون الرسالة الواضحة التي وجهت لرئيسها من خلال مشروع الموازنة

المقصود من كل هذا السياق تركيب عملية تحويل للبلد من بلد خاضع لإيران وحزب الله إلى بلد منتج لهما ولحضورهما

وما تضمنه من استهداف واضح للمؤسسات التي تدور في فلكه، إيذانا بأن الأمور وصلت إلى مكان بات موقعه ووجوده على رأس الحكومة لا يفيد حزب الله بشيء، لأنه كان يتطلب حدا أدنى من التسويات، وهو ما لم يعد متناسبا مع طبيعة المرحلة القادمة.

المقصود من كل هذا السياق تركيب عملية تحويل للبلد من بلد خاضع لإيران وحزب الله إلى بلد منتج لهما ولحضورهما، وربط هذا الموضوع بكل الساحات التي تحارب فيها إيران وبشكل خاص الساحة السورية.

من هنا يتجلى ما قاله نصر الله في سياقه التنفيذي الذي يقول إن شرط إحالة قضية قبر شمون إلى المجلس العدلي، إنما يشكل منطلقا لوصل لبنان بالنظام، وإعادة إحياء الروابط التي أصابها الكثير من التفسخ بين نظام الأسد وإيران من خلال المدخل اللبناني.

تطرح إيران على الجميع في لبنان هذه المعادلة التي تعلن أن عليهم الاختيار بين القبول بهذا المشروع أو الإقفال التام للحكومة، بما يعنيه ذلك من فتح باب الأزمات المالية والسياسية والأمنية على مصراعيه.

لقد اعتاد حزب الله على ممارسة مثل هذا النوع من الابتزاز، ولكن الفرق الكبير بين ما يطرحه الآن وبين ما كان يعرضه سابقا يتمثل في أن تبعات الخضوع لهذا المشروع الآن نهائية ولا يمكن التراجع عنها والحد من آثارها.

يضاف إلى كل ذلك أن أميركا تلمست أصداء هذا النزوع وعمدت إلى توجيه رسائل واضحة وغير مشفرة إلى لبنان، تعلن فيها التخلي التام عن سياستها السابقة في مراعاة وضع البلد وخصوصيته.

يخوض لبنان هذه المعركة وحيدا بلا أي دعم حاليا فلا شيء يثبت أنه ما زال موجودا على خريطة الاهتمامات السعودية والعربية، كما أن أوروبا تحاول استعماله كمستودع لجوء.

وحدها إيران تنظر إليه كساحة مكتملة الأركان والمعالم يمكنها من خلاله اللعب على جبهات عديدة

تطورات عديدة تخدم إيران حاليا، وأهمها اضطراب العلاقات التركية الأميركية والارتفاع الملحوظ في نوع وطبيعة العلاقات الروسية التركية

وأهمها االجبهة السورية التي قد تتيح لها إعادة وصل خطوطها مع الروس، والتحول إلى جزء من محور بدل أن يكون رأسها مطروحا على طاولة التفاوض الروسي الأميركي.

تطورات عديدة تخدم إيران حاليا، وأهمها اضطراب العلاقات التركية الأميركية والارتفاع الملحوظ في نوع وطبيعة العلاقات الروسية التركية.

تأثيرات التحولات التركية طالت الميدان السوري، وأنتجت ارتفاعا في وتيرة التصعيد العسكري ضمن صيغة تكشف عن إعادة وصل للحلف الثلاثي الإيراني الروسي الأسدي، بعد أن بدا وكأن شبكة التباينات في المصالح بين كل من هذه القوى قد نمت واتسعت.

من هنا يتوقع أن يكون لبنان في القادم من الأيام الساحة المثلى التي تترجم فيها مفاعيل إعادة إحياء هذا الحلف وتمتينه، فأن يبقى حزب الله في سوريا إلى أجل غير مسمى يعني أن بشار الأسد لا بد أن يعود إلى لبنان، وقد اختارت إيران لهذه العودة بابا مثاليا هو باب المجلس العدلي وإغلاق الحكومة اللبنانية.