إيران بين تصعيدين: إسرائيلي جنوب سوريا و"انتحاري" في الشمال

2019.01.24 | 00:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أصبح بالإمكان الربط بين توسيع الغارات الجوية الإسرائيلية على مواقع للإيرانيين والنظام السوري في سوريا، وبين العمليات الانتحارية التي تستهدف القوات الأميركية في الشرق السوري. ثمة قراءة تفيد بأن إيران هي المستفيد الوحيد من ضرب القوات الأميركية، وهو أسلوب إيراني اتبع سابقاً في العراق، وفي أحد أبوابه تكون إيران تردّ بشكل غير مباشر أو متبنى على الضربات الإسرائيلية التي تتعرض لها، كما تعمل على إعادة خلط الأوراق في سوريا، طمعاً بإيقاع شرخ أميركي تركي، وتركي روسي.
 

يشير هذا التطور الإسرائيلي في تبنّي العمليات العسكرية الجوية، إلى عمق التقدّم الذي بلغه التنسيق مع الروس

هذه العمليات العسكرية لا تنفصل عن المفاوضات الدائرة بين القوى الفاعلة والمؤثرة على الساحة السورية، وإحدى إنتاجاتها كانت الفرملة الأميركية للانفتاح العربي على النظام السوري، وما يعني ذلك بأن المعركة لم تنته، لا بل سيكون هناك وجه جديد لها. وليس غريباً أن تحصل الضربات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية، بعد لقاءات إستخبارية روسية إسرائيلية، وغض نظر روسي عن هذه الضربات، لا سيما أن الإسرائيليين تدرّجوا في تعاطيهم الإعلامي مع هذه الضربات بدءاً بعدم التبني وتركها مجهولة، وصولاً إلى التبنّي المتأخر لهذه الضربات، أي كما حصل في الضربة السابقة حين أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد ساعات على الضربة بأن القوات الإسرائيلية هي التي استهدفت المواقع الإيراني، وأخيراً حالة الإعلان الفوري عن الضربات التي أعلنها المتحدث بإسم الجيش الإسرائيلي، معتبراً أن سلاح الجو ينفذ غارات على مواقع تابعة لفيلق القدس، محذّراً قوت النظام السوري من الردّ على هذه الضربات، أو قوة تريد مساعدة إيران مع توجيه تهديد لها بأن الضربات ستطالها.
 
الاتفاق الأميركي الروسي، بخطوطه العريضة، ينص على تسليم سوريا لروسيا، والتنازل عن حزام أمني لتركيا بعمق 30 كيلومتراً، مقابل أن يتسعيد الأميركيون دورهم الأساسي في العراق، أما لبنان فهو بلد محايد في المفهوم لكن سيكون مدار تجاذب إيراني أميركي. خاصة في ضوء الاهتمام الأميركي الأساسي والمركز على الجيش والأجهزة الأمنية.
 
يشير هذا التطور الإسرائيلي في تبنّي العمليات العسكرية الجوية، إلى عمق التقدّم الذي بلغه التنسيق مع الروس، فسابقاً كانت الغارات تدرج في خانة التبني المجهول لعدم إحراج موسكو مع طهران، أما اليوم فهناك من ينظر إلى ذلك بأن موسكو توافق على الطروحات الإسرائيلية، لجهة تأمين حماية الحدود الجنوبية وإبعاد إيران عن تلك الحدود، لكن ذلك لا يتطابق بالضرورة مع المسعى الأميركي لإخراج القوات الإيرانية من سوريا، لأن هذا لن يناسب روسيا في هذه المرحلة.
 
في المقابل، هناك من يقول إن حجم الضربات ليس بمستوى الضربات التي كانت تحصل في السابق، من ناحيتين، لوجستية وتقنية، فالضربة من الأجواء اللبنانية نتائجها مختلفة عن توجيه الضربة من الأجواء السورية في ظل الخط الأحمر الذي رسمته موسكو بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية. وبالتالي يذهب هؤلاء إلى اعتبار أن الضربات شكلية أكثر منها واقعية أو ذات نتائج فعّالة، وهي تعود لحسابات إسرائيلية داخلية، تتعلّق بالانتخابات، وبإثبات رئيس الأركان الجديد لنفسه ودوره. وبالتالي لا يعطي لهذه الضربات أي أبعاد.
 

الاتفاق الأميركي الروسي، بخطوطه العريضة، ينص على تسليم سوريا لروسيا، والتنازل عن حزام أمني لتركيا بعمق 30 كيلومتراً

لا شك أن ما يحصل يأتي في سياق خلط الأوراق والمفاوضات الدائرة بين القوى المؤثرة في سوريا، سواء بين الأتراك و الروس والأميركيين والروس، والأميركيين والأتراك، وهذا ما يؤدي إلى الانزعاج الإيراني مما يجري من تفاهمات حول مناطق شمال شرق سوريا، ويترجم الردّ عليه بالتفجيرات التي تستهدف الأميركيين، تماماً كما هو حال إطلاق الإيرانيين لصاروخ أرض أرض باتجاه الأراضي المحتلة، ووصفه الإسرائيليون بأنه تطور خطير.
 
تستند إسرائيل إلى هذه الضربات، لأجل استثمار أقصى حدّ من المساحة الأميركية المتاحة، لأجل فرض حضورها أكثر في مؤتمر بولندا المخصص لمواجهة إيران، وتسعى إلى فرض أمر واقع جديد على مختلف القوى لفتح تنسيق مباشر معها، سواء بالنسبة إلى الروس في سوريا، أو بالنسبة إلى فتح باب مفاوض لتبرير التطبيع العربي معه. لدى الإسرائيلي الدخول إلى المسرح لفرض نفسه كلاعب أساسي في أي ترتيبات إقليمية لاحقة، والإيراني أيضاً قد يكون لديه مصلحة في التصعيد العسكري لفكّ الحصار الذي يتعرّض له. لكن هذا لا يعني بالضرورة الذهاب إلى معركة مفتوحة، إنما من خلال أشكال متعددة من الردود الإيرانية كالتفجيرات التي تستهدف الأميركيين وربما إعادة تنفيذ عمليات مشابهة في العراق. وسط كل هذه التطورات لا بد من التوقف أمام مشهد أساسي يخصّ النظام السوري، الذي يبقى ما بين رياح تتقاذفه، مصالحة روسية وأخرى إيرانية متضاربة، وما بينهما من حسابات إسرائيلية وتركية.