إيران أمام مرحلة صعبة في سوريا.. بين الانقلاب وقلب الطاولة

2019.04.04 | 00:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تغيّر ظرف الصراع في سوريا وعليها. انحسرت العمليات العسكرية، وتتقدم بدلاً منها الصراعات الاقتصادية. وحدها إسرائيل التي تستمر بتنفيذ ضربات جوية بشكل متقطع مستهدفة مواقع ومخازن إيرانية. يتكامل الصراع السياسي مع الاقتصادي في مراحل ما بعد الحروب العسكرية، ولا هدف لأي حرب تندلع بين الدول إلا الوصول إلى تسوية فيما بعد.

تعتبر إيران نفسها قد حققت انتصاراً عسكرياً في نهاية المعارك السورية، بينما الانتصار الفعلي أو الحقيقي يرتكز على كيفية صرف هذه الانتصارات في السياسة وفي الاقتصاد. وبالتالي فإن أمام الإيرانيين معركة صعبة وقاسية في المرحلة المقبلة، لإثبات قدرتهم على الاحتفاظ بنقاط قوتهم ومناطق نفوذهم في سوريا، بمواجهة كل الضغوط الدولية لا سيما الأميركية والروسية والإسرائيلية في سبيل تحجيم النفوذ الإيراني.

يتكامل الصراع السياسي مع الاقتصادي في مراحل ما بعد الحروب العسكرية، ولا هدف لأي حرب تندلع بين الدول إلا الوصول إلى تسوية فيما بعد

وكما يبرز الغياب العربي بشكل كامل عن المسرح السوري سياسياً وعسكرياً، كذلك يغيب أي دور فاعل للنظام السوري ولرئيسه بشار الأسد، على الرغم من عدم الكف عن الادعاءات الانتصارية، يستخدم العرب كما الأسد كبيادق في الصراعات ما بين الدول بلا أي دور عامل أو تأثير فاعل. ولذلك فإن ما يتجاذب المستقبل السوري، هي قوى خارجية، يمكن اختصارها بثلاث قوى أساسية هي إسرائيل وروسيا وواشنطن بمواجهة إيران، هذا بمعزل عن الدور التركي البارز في الشمال.

بينما بشار الأسد ليس أكثر من مستدعى من قبل هذه القوى الفاعلة والمتجاذبة في آن، فيجد نفسه مطلوباً إلى حميميم أو طهران غير قادر على اتخاذ أي قرار. كما يتلقى العديد من الرسائل الإسرائيلية التي تبدي حرصاً عليه مقابل الموافقة على طرد الإيرانيين من سوريا، بينما هو يقف عاجزاً حتى عن إبداء أي رأي في هذا المجال، ولا يزال التجاذب الروسي الإيراني هو الذي يمنعه من الموافقة على تشكيل لجنة دستورية، والبحث عن آفاق المرحلة الإنتقالية.

في معركة اشتداد الضغط على إيران، سعت طهران إلى تعزيز أوراق قوتها مع النظام، فاستدعي الأسد إلى طهران، اصطحبه قاسم سليماني وقيادي آخر في حزب الله، وتم إجباره على الرضوخ لمطالب إيرانية متعددة، بدأت من رفع الصوت الإيراني حيال وجوب دفع الديون المتوجبة على النظام لقاء الدفاع الإيراني عنه، وترجم الإيرانيون هذه الديون باتفاقات جرى توقيعها لأجل الحصول على استثمارات. الأمر الذي لاقاه مسعى روسي مضاد من خلال زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى سوريا بعد ساعات على عودة الأسد من طهران، وعمل الروس على التأكيد بأنه لولا جهودهم العسكرية والسياسية لما استطاع النظام أن يحافظ على بقائه.

تحوّل الصراع، وبدأ يتخذ أشكالاً مختلفة، فأصبحت التزامات الإيرانيين في سوريا عرضة للتضييق في المرحلة المقبلة، وهي تتزامن مع العقوبات على إيران، مقابل التعاون الروسي الصيني لأجل الحصول على المزيد من الإستثمارات في قطاعات متعددة، وآخرها حصول شركة روسية صينية مشتركة بالقرب من حمص، لإنتاج الكهرباء بحوالى 400 مليون دولار، سيكون نموذجاً معمماً في المرحلة المقبلة، وهذه تؤشر إلى أن مواجهة إيران في سوريا ستكون إقتصادية وفي مجالات إعادة الإعمار.

ما يتم ترسيخه في المعادلة السورية، يرتبط بتطبيق سياسات تمهّد لإخراج إيران، التي تتسلل وتتقدم بطريقة توحي وكأنها ثابتة في الأرض، وتسعى إلى ترسيخ وجودها ببطئ، خاصة أنها لا ترتكز عند الدخول إلى أي منطقة بطريقة فجائية، بل تعمل على تثبيت قواعدها ونقاط نفوذها وفيما بعد تعلن السيطرة. ولكن ما تتعرض له طهران اليوم، ينطبق عليه السيناريو العكسي، فإن هذه العقوبات التي تواجه طهران تتم بخطوات هادئة وتثبيتية على شاكلة التمدد والتوسع لتفريغ الوجود الإيراني من مضمونه، وهذه تحتاج إلى وقت طويل لإنجازها، ليعلن بعدها إنجاز مهمة تطويق إيران.

بينما بشار الأسد ليس أكثر من مستدعى من قبل هذه القوى الفاعلة والمتجاذبة في آن، فيجد نفسه مطلوباً إلى حميميم أو طهران غير قادر على اتخاذ أي قرار

على الرغم من الإتفاقيات التي وقعت بين الإيرانيين والنظام السوري قبل فترة، لا يبدو ملاحظاً أي نشاط إعماري إيراني في سوريا، بخلاف التوجهات الروسية والصينية، خاصة أنه في اللحظة التي يتم الانتقال فيها إلى عامل المال والاقتصاد، تظهر إيران كقوة هشة، نظراً لاوضاعها الإقتصادية السيئة، وهذه هي العقبات الأساسية أمام استمرار النشاط والنفوذ الإيراني في سوريا ستكون كبيرة جداً.

نظام الأسد لن يكون خارج منظومة مصلحته، ولن يكون قادراً على الوقوف بوجه التمدد الروسي الصيني، ربطاً بالعقوبات والشروط الأميركية بوجه طهران، وبالتالي فإن الأسد وإن كان قلبه مع إيران، لن يستطيع أن يكون عائقاً أمام تحجيم نفوذ إيران في سوريا. الموقف الأميركي المنسحب من المنطقة، سيحفز الشهية الروسية والصينية للدخول أكثر في مختلف المجالات ولو كان ذلك على حساب إيران.

وهذه التطورات تضع سوريا أمام مفترق طرق أساسي، خاصة أن الأسابيع المقبلة ستكون حافلة بالتطورات المفصلية والأساسية، خصوصاً لجهة دخول الدفعة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران حيز التنفيذ، وتسعى واشنطن من خلالها إلى تخفيض نسبة الصادرات الإيرانية إلى الخارج إلى أقل من أربعين في المئة، ربطاً بوقف الإستثناء الذي أعطي لبعض الدول للحصول على النفط الإيراني، ما يعني أن الحصار سيطبق إلى حدّ الإختناق الإيراني.

ستكون إيران أمام لحظة صعبة وتحوّلية، إما أن ترضخ للشروط والعقوبات، أو ستلجأ إلى قلب الطاولة مجدداً عبر إفتعال حرب عسكرية ما بين سوريا ولبنان لأجل تخفيف حدّة الضغوط والبحث عن تسوية ومخرج. الضغط على إيران سينعكس ضغطاً من قبلها على سوريا ولبنان، والخشية الأكبر تبقى في أن تكون التسوية على حسابهما.

تتعرض إيران لعملية قضم منهجية لنفوذها من خلال استنزافها من الخصوم والحلفاء، وهذا يعني أن الأفق السوري سيكون مغلقاً أمامها على المدى البعيد للإستثمار في مرحلة ما بعد الحرب، ولن تكون قادرة على ترجمة نفوذها، خاصة أن حجم المتربصين بها سيحول دون تحقيقها أي تقدّم، وأي حرب ستفضح قدرة إيران، وستشبه خياراً إنتحارياً، ما لم تضمن انعكاس ذلك على بنيتها الداخلية.