إنذار الانتخابات السويدية

2018.09.11 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

على الرغم من فشل اليمين المتطرف السويدي في الوصول إلى ما توقعته له استطلاعات الرأي من نسبة نجاح في الانتخابات التي جرت يوم 9 أيلول الحالي، إلا أنه تقدم بما لا يقل عن ستة نقاط مقارنة بما حصل عليه في انتخابات 2014. وللمرة الأولى بعد نصف قرن، تراجع الديمقراطيون الاجتماعيون الحاكمون بشكل واضح. وستكون حكومة السويد المقبلة معتمدة على تحالف أحزاب بعد أن كان الديمقراطيون الاجتماعيون قادرين في السابق على تأليف حكومات قوية ومتجانسة الانتماءات.

في نتيجة هذه الانتخابات مؤشرات سياسية وحضارية عدة، من أهمها، تراث اليسار الوسطي السويدي الذي أثبت بالتجربة نجاحه في إدارة البلاد طوال عقود، إضافة إلى نمو اقتصادي مُميّز بالمقارنة مع الأشقاء الأوروبيين، وأخيراً، وجود وعيٍ مجتمعي عالي المستوى يُمكن الاعتماد عليه في حالك الظروف ليقف سدّاً أمام نمو التطرف اليميني وأمام خطابات الترهيب من الأجانب والعداء لهم.

ومقارنة مع صعود حاسم لليمين المتطرف في عديد من البلدان الأوروبية كهنغاريا والنمسا وإيطاليا، بدا وكأن السويد تُعيد بخجل بعضاً من الثقة بالثقافة الديمقراطية وبقيم الإنسانية التي طالما ميّزت سياساتها الداخلية كما الخارجية.

للمرة الأولى بعد نصف قرن تراجع الديمقراطيون الاجتماعيون الحاكمون بشكل واضح وستكون حكومة السويد المقبلة معتمدة على تحالف أحزاب
 

لا تُعتبر السويد تاريخياً جاذبة للهجرة واللجوء لأسباب متعددة ربما يمكن اعتبار العامل الجغرافي الذي يموضعها في أقصى شمال القارة الأوروبية من أهمها. يُضاف إلى ذلك، غياب الماضي الاستعماري وبالتالي عدم وجود مستعمرات سابقة تكون هي عادةً المصدر الرئيسي للهجرات الأولى المرتبطة بالبحث عن اليد العاملة. ولكن السويد مع ذلك شهدت بعض الهجرات النوعية من حيث الانتماء الإثني. ولقد ساهمت الدولة السويدية بتنظيمها، وحتى إنها سعت بطريقة مباشرة إلى جذبها، كما فعلت مع السريان والآشوريين خصوصاً والقادمين مع العراق ومن سوريا بدءاً من سنة 1969. ومن ثم شهدت السويد لجوء عدد لا بأس به من العراقيين كما أنها استقبلت مجموعات كبيرة من سكان البوسنة وكوسوفو في تسعينات القرن الماضي.

مع بدء موجة اللجوء الهائلة سنة 2015، استقبلت السويد ـ التي لا يزيد عدد سكانها عن عشرة ملايين نسمة ـ أكثر من نصف مليون قادم جديد من مناطق النزاعات والحروب والمجاعات. شكّل العراقيون والسوريون والأفغان أغلبهم. وبدا أن عملية الاندماج الاجتماعي أولاً، ومن ثم في سوق العمل ثانياً، قد شكّلت عائقاً هاماً أمام مسار قبولهم.

يُعتبر المجتمع المدني السويدي من أرقى المجتمعات المدنية الأوروبية من حيث التقدير والتحليل والأداء. وقد سعت المنظمات على مختلف أنواعها للتعامل بإيجابية وبفاعلية مع موجات اللجوء الجديدة. ونشطت في مجالات التعليم كما السعي لإيجاد فرص عمل تتلاءم مع مقدرات اللاجئين الجدد. وفي هذا الصدد، اصطدمت بصعوبات جمّة كان محورها المركزي هو الوعي الثقافي والانتماء الديني.

مع بدء موجة اللجوء الهائلة سنة 2015، استقبلت السويد ـ التي لا يزيد عدد سكانها عن عشرة ملايين نسمة ـ أكثر من نصف مليون قادم جديد من مناطق النزاعات والحروب والمجاعات

فإبان زيارتي الى مدينة مالمو الجنوبية منذ سنوات عدة، قمت مع باحثين آخرين، بجولة على "المعالم" الإسلامية في المدينة، والتي لم تكن تعاني ألبتة من أي نشاط مُقلق لا للجماعات الإسلامية ولا للجماعات اليمنية المتطرفة. وقد بدا لنا بأن النشاطات الدينية المعتدلة، والتي يسعى من خلالها ممارسوها إلى تحقيق ذواتهم واللجوء الى إيمانهم الهادئ دون المسّ بالمجتمع الذي استقبلهم، كانت الأغلب. كما أن استقبال المجتمع المحلي لها كان شبه نموذجي. ومع تطوّر الأمور نحو وصول جماعي لمجموعات جديدة يغلب عليها العنصر الشاب، كما يغلب على بعضها تعاليم دينية متشددة من بلد المصدر، خصوصاً الأفغان منهم، بدأت المشاكل تنتشر على مستوى قبول الآخر من الطرفين.

وبعيداً كل البعد عن الدفاع عن التطرف اليمين الممجوج والمستند إلى تعاليم عنصرية تُحاكي النازية في عقيدتها، إلا أن السنوات القليلة الماضية لم تكن لتساعد الديمقراطيين اليساريين والمعتدلين من اليمين المحافظ على إثبات وجهة نظرهم في إمكانية الاندماج والتعايش في إطار احترام القوانين السويدية كما في إطار احترام حقوق المهاجرين الثقافية والدينية. فتعددت جرائم القتل التي دشنّها لاجئ أفغاني بذبحه لمعلمة اللغة بسبب وجود قلادة على شكل صليب حول عنقها. ومما أثار اللغط والغضب حينها، أن بعض الأقلام الإنسانية حاولت أن تجد تبريراً لهذه الجريمة ودعت الى الابتعاد عن "استفزاز" المشاعر الدينية للقادمين الجدد (...).

إن لصعود اليمين المتطرف أسباب مركّبة ومتعددة، إلا أن فشل عملية اندماج القادمين الجدد هو سبب أساسي لم يتم التعامل معه بجدية كافية من أطراف عدة. وربما حملت النتائج الأخيرة بعض الواعين من أبناء الجاليات المعنية إلى البحث عن دورٍ فاعل في عملية دعم الاندماج المبني على الاحترام المتبادل والسعي لدى الشباب من اللاجئين إلى زرع الفكر المدني المتطور بعيداً عن تراكمات العفن الذهني التي هم ضحاياها في بلدانهم التي يُحارب فيها الاستبداد السياسي والديني أية محاولة لبناء وعيٍ مدنيٍ.

تناقلت الوكالات خبراً لم يعد مفاجئاً وهو أن 70 الفاً من الأصوات التي حصل عليها الفاشيون الجدد أتتهم من مهاجرين يجدون في الهجرة الحديثة تهديداً لمصالحهم ومكانتهم. فعوضاً عن سعيهم إلى مساعدة الجيل الجديد من اللاجئين، فهم يُساعدون من يلفظهم.