إسقاط سوخوي بشار بين تل أبيب وموسكو

2018.07.27 | 23:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أسقطت إسرائيل الثلاثاء طائرة حربية من طراز سوخوي تابعة لنظام بشار الأسد، العملية تمت بعد ساعات من الزيارة العاجلة المهمة لوزير الخارجية الروسي لافروف ورئيس أركانه لتل أبيب، وعلى وقع التفاهمات المتجذرة المتصاعدة بين الاحتلالين الروسي الإسرائيلي تجاه التطورات والمستجدات في سوريا.

في الحقيقة ليس مهماً إذا ما تمت عملية الإسقاط في الجزء المحتل من الجولان، أو في المناطق المحررة المتاخمة له، الأهم كما دائماً يتمثل بالخلفيات والدلالات التي لا تنفصل عن الزيارة العاجلة المفاجئة للافروف للدولة العبرية، كما عن مجمل الحوارات النقاشات الروسية الإسرائيلية المتواصلة.

جاءت زيارة لافروف إلى تل أبيب في سياق االلقاءات والاتصالات التي لاتكاد تتوقف بين البلدين، وعلى بعد أيام  فقط من قمة هلسنكي بين الرئيسين الأمريكي والروسي، على بعد أيام أيضاً من لقاء نتن ياهو _ بوتين في موسكو، وكما قال مسؤول روسي رفيع فإن الزيارة عاجلة ومهمة تتعلق تحديداً بالمستجدات والتطورات في سوريا المحتلة تحديداً فيما يخص المناطق الحدودية بينها وبين فلسطين المحتلة.

لافروف ورئيس أركانه عرضا على نتن ياهو  إبعاد إيران وميلشياتها 100 كم عن الحدود السورية الفلسطينية

حسب الصحافة الإسرائيلية فإن لافروف ورئيس أركانه عرضا على نتن ياهو  إبعاد إيران وميلشياتها 100 كم عن الحدود السورية الفلسطينية، مع تنسيق أمني مستمر على الحدود، وإشراف روسي على إعادة العمل باتفاق فك الاشتباك – 1974 - حتى على منطقة آمنة عازلة على الحدود من الجانب السوري لا يتواجد فيها حتى جيش بشار الذي تصر إسرائيل على عودته لحفظ أمن الحدود.

الروس طرحوا ذلك مقابل تخفيف أو سحب إسرائيل مطلبها بانسحاب أو طرد إيران ميليشياتها من كامل الأراضي السورية مع احتفاظها طبعاً بحق مهاجمة أي أهداف أو مواقع إيرانية وقتما ترى ذلك مناسباً، غير أن تل أيب رفعت السقف عندما رأت القبول أو التنازل الروسي فأصرّت على إبعاد إيران من سوريا، وسحب وتفكيك أي منظومات صاروخية أو مواقع أقامتها في سوريا. كما طالبت حتى بإغلاق الحدود بين سوريا المحتلة والعراق ولبنان الخاضعين لميليشيات الحشد الشعبي المركزي. فى طهران مع  تمسكها طبعاً بالتفاهمات السابقة وتحديداً ما تعتبره حقاً لها في تنفيذ عمليات أو غارات في الأجواء والأراضي السورية كلما رأت ذلك ضرورياً.

إذن جاء إسقاط الطائرة في هذه الأجواء تودد روسي عام لإسرائيل وتساوق أو تفهم لمطالبها، وسعي لتنفيذها وليس مهماً في هذا السياق مكان إسقاطها، هل تم في الجزء المحتل أو المحرر من الجولان، مع ترجيح الفرضية الثانية خاصة أنها سقطت في منطقة وادي اليرموك والرسالة التي أرادت تل أبيب إرسالها في حضرة أو على مسمع الاحتلال الروسي - رب البيت في سوريا حسب تعبير الإعلام العبري - إنها ستواصل تنفيذ عملياتها وقتما ترى ذلك مناسباً. وإن موافقتها على عودة ميليشيا النظام إلى المنطقة الحدودية تأتي على هذه الأرضية، كما عبر التنفيذ الصارم لاتفاقية فك الاشتباك السيئة أيضاً التي تمنع النظام من نشر أي منظومات سلاح ثقيلة في المنطقة بما في ذلك حركة الطائرات طبعاً.

بدا لافتاً جداً  كذلك تأكيد جيش الاحتلال أن إسقاط الطائرة تم وفق جهاز التنسيق مع الاحتلال الروسي، أي أنه تم بمعرفة موسكو التي لم تمانع العملية في رسالة واضحة لطهران وحتى لبقايا النظام، بعدم التذاكي أو تجاوز التفاهمات التي تبرمها موسكو مع تل أبيب أو أي جهة أخرى. أما احتجاج الروس الإعلامي فجاء شكلياً ولذر الرماد في العيون حتى خجولاً  حيث لم يتم نفي الإعلان الإسرائيلي عن عمل جهاز التنسيق الثنائي أثناء العملية.

إسقاط الطائرة يندرج ضمن سياق محدد للتفاهمات الروسية الإسرائيلية التي أتت بلافروف إلى تل أبيب

إسقاط الطائرة يندرج ضمن سياق محدد للتفاهمات الروسية الإسرائيلية التي أتت بلافروف إلى تل أبيب على وجه السرعة ليس فقط لتأييد أو نيل رضا نتن ياهو تجاه التطورات المتسارعة فالجنوب، إنما أيضاً للتأثير على إدارة ترامب عبر تل أبيب خاصة إنها جاءت بعد قمة هلسنكي تحديداً فيما يتعلق بالاحتلال الإيراني لسوريا.

كتبت هنا الجمعة الماضية عن دعم ترامب للتفاهمات الروسية الإسرائيلية المستندة أساساً على حفظ أمن إسرائيل ومصالحها، وهو ما أكدته مصادر أمريكية رسمية لواشنطن بوست الاثنين الماضي، إلا أن موسكو تحاول أن تستغل ذلك للتقارب مع ترامب، لتليين موقفه الصارم والحاد من إيران بشكل عام واحتلالها لسوريا بشكل خاص.

الفكرة ببساطة كما اتضحت من زيارة لافروف أن موسكو تسعى لسحب ملف الاحتلال الإيراني من التداول، مقابل إبعاد ميليشياتها عن الحدود 100 م وقبول إسرائيل - وأمريكا ببقاء نظام بشار الأسد - واعتبار ذلك تسوية أو تهدئة مرحلية إلى حين التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في سوريا تحسم الملف كما ملفات أخرى عديدة عالقة .

فى الحقيقة نحن هنا أمام تذاكٍ للروس ومحاولة تحويل المرحلي إلى دائم ونهائي، وهو تلاعب تعرفه تل أبيب جيداً كونها مارسته وتمارسه في فلسطين المحتلة.

نتن ياهو رفض العرض الروسى وعلى الطريقة الإسرائلية التقليدية الجشعة، هضم التنازل الروسى بإبعاد الإيرانيين عن الحدود باعتباره امراً واقعاً، وربط انتشار جيش بشار بما اسماه الالتزام الصارم بمعاهدة فك  الاشتباك ، والأهم أنه عرض على الروس خريطة الانتشار الإيرانى كما المعابر الحدودية التى يتم منها تهريب السلاح إلى سوريا ولبنان عبر العراق ، وهو احتفاظ بما بات يعتبره حقاً مكتسباً متفقاً عليه مع الروس-وضمناً الأمريكان- بقصف الأهداف الايرانية وقتما يريد مع إبقاء الحوار مفتوحاً وجهاز التنسيق فعالاً بين الجانبين.

عموما فى الأخير وباختصار، يظهر تزامن إسقاط طائرة السوخوي مع زيارة لافروف لتل أبيب أن التفاهم عميق ومستمر بين الجانبين، وأن موسكو لا تريد أو لا تستطيع أو لا تريد ولا تستطيع إخراج الإيرانيين من سوريا مع تركهم-كما النظام- تحت رحمة تفاهماتها مع الدولة العبرية، من جهة أخرى واضح أن ثمة عراقيل وصعوبات على طريق التفاهم بين واشنطن وموسكو، وهذه الأخيرة تهدف فى هذه المرحلة  للتعويض بتعميق علاقاتها مع تل أبيب على أمل أن تشفع لها هذه الأخيرة وتساعدها مع الوقت لترتيب أمورها وملفاتها العالقة مع البيت الأبيض .