"إسرائيل" و"الأسد" إلى الحضن العربي

2018.10.30 | 23:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

بعدما عجزت الأنظمة العربية عن التصالح مع شعوبها، ووصل الصراع حدَّ اللاعودة، فإما التغيير في بنية تلك الأنظمة أو إعادة الشعوب المتمردة والقيد المتمرد إلى حظيرة السمع والطاعة، قررت تلك الأنظمة الرمي بآخر أوراقها لإعدام أسباب أي محاولة أو احتمال محاولة للرفض في المستقبل.

فكان فتح الحضن العربي لدولة الاحتلال "إسرائيل" صفعة وصفقة مدوية ومربكة في جرأتها وتوقيتها، ما جعل ردود الأفعال تبدو مختنقة يائسة، إذ غلب الذهول على الناس وألقت الصدمة والخوف بظلالهما على الشعوب التي غدت تخاف الوقوع في "الفخ" السوري، كما مثّل لها المضللون ودعاة العبودية الحديثة.

إنها ليست أحداثاً عادية ولا عائدة لسياسات قُطرية منفصلة، "نتنياهو" في ضيافة سلطان عُمان، وقبل أن نستوعب الصدمة، تحط طائرة وزيرة الثقافة الإسرائيلية في أبو ظبي، وسط حفاوة وتبجيل وإشهار!.. تزامناً مع بالون اختبار في قطر عبر فريق رياضي "إسرائيلي"، علماً أن ضيوف العرب الغرباء قطعوا سماوات دول عربية أخرى وصولاً إلى محطاتهم الأخيرة، وجواز عبور السماء يعني بالضرورة الترحيب بهم على الأرض عمّا قليل.

ولعلَّ المحبط أكثر من الزيارات نفسها، هو ضآلة ردود الأفعال الشعبية التي ترتبت عليها، فحتى ما قبل الحديث عن صفقة القرن مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، كان الشارع العربي يثور ويغلي لمجرد زيارة فنان نكرة أو وفد إعلامي ضئيل لدولة الاحتلال، وكان هذا الشارع يقيس الوطنية بمقدار الانحياز للقضية الفلسطينية، وكم من مقاوم ممانع اتهم الثوار السوريين في انتمائهم وأعراضهم لأنهم ثاروا على "نظام المقاومة" الأسدي المزعوم، وتراه اليوم يطبّل في مسقط ويعلنها عاصمة الحل الفلسطيني العادل والشامل!.

كان فتح الحضن العربي لدولة الاحتلال "إسرائيل" صفعة وصفقة مدوية ومربكة في جرأتها وتوقيتها ما جعل ردود الأفعال تبدو مختنقة يائسة

وفي المقلب الآخر، يبدو أيضاً بأن مدبري "صفقة القرن" قد حسبوها ولعبوها جيداً، فالتطبيع من بوابة دول الخليج المحكومة بقيادات مطلقة السلطة من جهة، والمتحكمة برقاب وأرزاق كثير من الأصوات العربية الفاعلة على الساحة، ومعظم وسائل الإعلام الهامة، يُضيّق -ولا شك- مساحات المعترضين ويخنق الهوامش الممكنة للتعبير المغاير، في مسعى نهائي لوأد ثقافة الرفض.

وأمام هول المشهد، ثمة تفاصيل يتم إنضاجها في الكواليس لا تقل فجائعية عن كارثة التطبيع مع العدو الوجودي، إلا أنها -على بشاعتها- ستبدو حدثاً عادياً وغير مفصلي في سيرورة الإخضاع، ومن تلك السيناريوهات التي يجب أن نتوقع فرضها قريباً، تعويم نظام "الأسد" وشخصه أيضاً، فوجوده يُعتبر من مقتضيات أي "مصالحة" عربية- إسرائيلية، وإذا لم يفرضه العرب فإن "إسرائيل" ستفعل، وهي التي قالت بالفم الملآن وغير مرة إنها لن تقبل بغيره حاكماً لجارتها الشمالية، وهو الذي ما زال منذ ورث سوريا ومن عليها، يتلقى الضربات الإسرائيلية بصمت مطبق و"عقل كبير"، حتى باتت الأرض والسماء السورية ملعباً للإسرائيليين يدخلونه حتى بلا تذكرة.

وإن كان لـ"إسرائيل" مصلحة في تعويم "الأسد" ونظامه، فإن للنظام الرسمي العربي مصالح شتى، فوجود "المجرم الأكبر" في جامعتهم، سيغطي على جرائمهم الصغرى، فصحيح أن منهم من استملك رقبة شعبه واسترقَّه بـ"الدستور" الذي يُعدَّل بحيث يبقيه في الحكم مدى الحياة، ومنهم من قلب حياة الناس رأساً على عقب وبدّل هويتهم التاريخية في يوم وليلة، وآخر جاء بانقلاب عسكري أو عائلي وجثم على الصدور.. إلا أن ما يعزيهم جميعاً أنه ليس مِن بينهم مَن قتل شعبه بالسلاح الكيماوي وأبادهم بالغاز!.. وهي الرواية التي سوَّقها العالم بأسره كجريمة وحيدة كبرى لـ"الأسد" ونظامه، أما إبادة نصف مليون إنسان بالطائرات والسلاح التقليدي، وتشريد نصف أمة، وتجهيل جيل أو جيلين كاملين، فيمكن التجاوز عنه من العرب قبل الغرب، والتبرير بدأ يُسوَّق له منذ مدة: إنها "حرب أهلية"!.. وهذه يحلّها العرب بـ"تبويس الشوارب" والغرب بتقسيم السلطات طائفياً وعرقياً.. وهذا كله يمكن مسحه بجرة قلم إذا ما رضيت "إسرائيل" وأباطرة العرب، ويبدو أنهم راضون.. جداً.