إسرائيل بخدمة إيران والنظام.. تلازم القضيتين السورية والفلسطينية

2019.03.28 | 08:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في الأشهر الأولى لاندلاع الثورة السورية، خرج رامي مخلوف رجل الأعمال السوري وابن خال رئيس النظام بشار الأسد بتصريح ملفت، بأن أمن إسرائيل من أمن سوريا. كانت الرسالة السورية واضحة، وكاشفة لمسار طويل من العلاقات السورية الإسرائيلية منذ تولي حافظ الأسد الرئاسة السورية. تلقّف الإسرائيليون الرسالة السورية بالترحاب، فاجتمعت مؤامرة النظام مع المؤامرة الدولية الإسرائيلية، على الشعب السوري وثورته، بخلاف كل الشعارات البائدة التي استخدمها النظام لتبريره ضرب الحراك الثوري، واصفاً المعارضين والمتظاهرين والثوار بأنهم جزء من مؤامرة كبيرة.

ردّ الإسرائيليون التحايا لأركان النظام السوري على تسليفات مديدة طوال سنوات عديدة. عملت اللوبيات الإسرائيلية في العالم كله، على إشاعة أجواء بأن الأسد هو أفضل الممكن، وبقاء نظام سوري يحسن العلاقة مع الإسرائيليين، ولا يزعجهم، وقد تنازل عن الجولان منذ عقود من دون أي ردّ فعل، هو أفضل من مجيء نظام جديد غير قادر على الانضباط، وهكذا ولدت فكرة تخيير الناس داخل سوريا وخارجها، إما النظام أو داعش كبديل عنه. فعمم مفهوم التوحش في الصراع من قبل الطرفين، أي النظام وداعش وأخواته على تخويف السوريين وكل شعوب المنطقة بأن أي تحرك سيجابه بمصير ممثال، ما يدفع الشعوب إلى الخنوع وعدم الخروج في تظاهرات للمطالبة بحقوقها وتحقيق طموحاتها.

لم يتوان الإسرائيليون يوماً عن إسداء الخدمات للنظام السوري

لم يتوان الإسرائيليون يوماً عن إسداء الخدمات للنظام السوري، وقد ترافق ذلك مع الاجتياح الإيراني لسوريا، والذي حقق ما عجز الإسرائيليون عن تحقيقه على مدى ستين سنة. فإذا ما كانت التربية العربية تخرّج أجيالاً ترتكز على أن الهدف الإسرائيلي في المنطقة بتأمين استمراريته وتأبيد وجوده على أرض فلسطين المحتلة، ينطلق من القدرة على تفكيك وتفتيتها، فهذا ما نجح الإيرانيون بتحقيقه على الأرض السورية، عبر تمزيق الجغرافيا السورية، وتحويلها إلى جزر ومقاطعات منعزلة، وفق النظرة الإسرائيلية المرجوة وتتجلى بتحالف الأقليات وضرب الأكثرية. 

أصبحت سورية مجموعة دويلات خاضعة لسيطرات عسكرية خارجية، الدخول الإيراني في الشام ومحيطها وحمص وصولاً إلى حدود العراق، فأصبحت هذه المنطقة منطقة النفوذ الإيراني، مقابل السيطرة الروسية على الساحل السوري، والدخول التركي إلى الشمال السوري، بينما الأميركيون اقتطعوا جزءاً في شمال شرق سوريا بالإضافة إلى مناطق إدارة ذاتية للاكراد، وتهجير السنّة من حواضرهم الجغرافية وحصرهم في إدلب. عمليات التهجير والفرز البشري والديمغرافي، كان حلماً إسرائيلياً قد تحقق. وأبرز الدلائل على تحققه يتمثّل باستخدام جزء من الجغرافيا السورية في سياق الحملات الانتخابية الإسرائيلية، التي استدعى بموجبها الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتقديم الدعم إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من خلال اعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على الجولان. 

واللافت أن الخطوة تأتي بعد انخفاض منسوب المعارك في سوريا، ووضع الحرب أوزارها، بما يتناقض مع طروحات عديدة قدّمها حزب الله في سياق مسوغات مشاركته بالحرب السورية، معتبراً أنها معارك على طريق القدس، وواضعاً معادلة مفادها أن طريق القدس تمرّ في حلب والزبداني والقصير وغيرها من المناطق، بينما قد لا تمرّ هذه الطريق في الجولان. وبالتأكيد لن يعلن النفير العام لتحرير الجولان ما بعد الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية عليه، كما أعلن النفير لاقتحام القصير واحتلال حلب وتهجير الزبداني ومضايا. 

وإذا ما كان الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، يهدف إلى طي صفحة الثورة السورية، وإعادة تعويم نظرية النظام وخطابه الشعبوي الذي ارتكز عليه لأربعين سنة، بأنه نظام المقاومة والممانعة، فإن اللحظة اليوم سانحة لإعادة تجديد حراك الثورة السورية وتصويب شعاراتها، بالضرب على العلاقة الاستراتيجية الإسرائيلية بالنظام السوري، والتي لم تتجلّ فقط في تصريحات لمسؤولين إسرائيليين بأن خيار بقاء الأسد هو المفضل لدى إسرائيل، إنما تتجلى في سياقات سياسية واستراتيجية، يمثّل الجولان أحد رمزياتها. الخطوة الأميركية المتزامنة مع ادعاءات بالمساعي لتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، وإخراج حزب الله، تؤشر إلى واجب عدم الوثوق بالأميركيين والرهان على أي دور قد يلعبوه لإخراج إيران من سوريا، ولو أرادوا ذلك فعلاً لما سمحوا للقوات الإيرانية والمتحالفة معها الدخول أساساً، بينما كل السياسات الأميركية والإسرائيلية تأتي في إطار إسداء الخدمات لإعادة تعويم النظام، ولتعزيز الخطاب الإيراني الذي سيجد ذرائع جديدة لتبرير بقائه في سوريا، على رأسها تحرير الجولان. 

واجب الثورة السورية اليوم، العودة إلى الحراك السلمي، المرتكز على حماية الأرض من أي مغتصب

واجب الثورة السورية اليوم، العودة إلى الحراك السلمي، المرتكز على حماية الأرض من أي مغتصب، عبر تعزيز الخطاب الوطني العربي، تمسكاً بالجولان قبل أي منطقة أخرى، وحرصا على القضية الفلسطينية وفي مواجهة صفقة القرن، التي سيؤدي تحقيقها إلى المزيد من الشرذمة السورية، خصوصاً أن عملية الترسيم والتحديد التي شهدتها الجغرافيا السورية كانت جزءاً ممهداً للإطباق على القضية الفلسطينية، وتمهيداً لإنجاز صفقة القرن. الفرصة سانحة اليوم لإعادة إحياء مطالب الشعب العربي، من المحيط إلى الخليج، على قضية أساسية عنوانها يتلازم ما بين القضية السورية والقضية الفلسطينية.