icon
التغطية الحية

إجلاء آلاف السكان من أحياء حلب الشرقية إلى المجهول

2019.08.26 | 15:08 دمشق

أبنية مدمّرة في مدينة حلب نتيجة قصف روسيا و"نظام الأسد" (إنترنت)
تلفزيون سوريا - خاص
+A
حجم الخط
-A

تواصل محافظة حلب إجلاء آلاف السكان من أحياء المدينة الشرقية؛ بذريعة "عدم صلاحيتها للسكن"، في حين تشير مصادر في نظام الأسد إلى أنّ نحو 80 ألف شقة معرضة للانهيار في أي لحظة.

وقالت مصادر محلية في المدينة لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ "السلطات المحلية في المدينة أجلت ألف عائلة من أحياء (الصالحين، الفردوس، كرم الجبل، تل الذهب، وغيرها)"، وإنّ "المئات منهم باتوا في العراء بسبب عدم تأمين البديل المناسب لهم".

بموجب دارسة أعدتها الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية التابعة، واطَّلع عليها الموقع، فإنّ "الدراسة شملت 36 حيًا، بلغ عدد الأبنية غير المتضررة (33633) بناءً طابقيًا"، وأنّ "مجموع الضرر المعماري الخفيف بلغ (10176) بناءً طابقيًا، بينما بلغ عدد الأبنية المتضررة بشكل شديد (5452) بناءً طابقيًا".

وأشارت مصادر محلية إلى أنّ اللجنة التي شكلّها المكتب التنفيذي في المحافظة أوصت بـ"الإخلاء الفوري لمعظم تلك المباني وفق الإجراءات القانونية و مقتضيات السلامة العامة"، مع إشارتها إلى ضرورة تأمين بديل مناسب.

وحسب المصادر فإنّ الدراسة خلصت إلى أنّ "عدد الحالات التي تشكل خطورة عالية (9912) بناء طابقياً مؤلفة من أربعة طوابق لكل مبنى، ويضم الطابق الواحد شقتين سكنيتين أي ما يعادل 80 ألف شقة سكنية مهددة بالانهيار، ويجب إخلاؤه وإزالته فوراً ".

وكانت السلطات المحلية أجلت نحو ألف عائلة أي ما يقرب من 5 آلاف شخص خلال شهر تموز/ يوليو الفائت، دون تأمين أي بديل مناسب لإيوائهم

وقال محمود أبو عروة، وهو مواطن يسكن في حي الأنصاري لـ تلفزيون سوريا: إنّ"المحافظة طلبت مني إخلاء المنزل؛ لكونه معرّضاًً للانهيار"، موضحاً أنّ "السلطات المحلية أوصته بالذهاب إلى سكن مؤقت في (جبرين) شرق المدينة".

ويشير "أبو عروة" إلى أنّ "الأوضاع السيئة جدًا في المركز، إضافة إلى ضعف الرعاية الصحية والغذائية دفعه للعودة إلى منزله المعرّض للانهيار؛ بسبب عدم وجود أي بديل لديه للسكن".

العشرات من أهالي (الشبيحة) استولوا على منازل في الأحياء الغربية تعود ملكيتها للاجئين فروا من المدينة منذ منتصف عام 2012

وتقول مصادر محلية إنّ "المئات من السكان الذين تم إخلاؤهم من منازلهم، قاموا إما بالسطو على منازل لم تُصنف من قبل السلطات المحلية بـ(الخطرة) في الأحياء التي يقطنونها" وأنّ "العشرات من أهالي (الشبيحة) استولَوا على منازل في الأحياء الغربية تعود ملكيتها للاجئين فروا من المدينة منذ منتصف عام 2012".

ويأتي القرار الأخير بعد سلسلة من عمليات الانهيار التي تعرضت لها منازل تلك الأحياء، والتي كان من بينها انهيار منزل في حي صلاح الدين في شهر شباط/ فبراير الماضي، ما أدى إلى مقتل 11 شخصًا، بينهم أطفال ونساء.

وخلال تصريحات صحفية يعزو عضو في المكتب التنفيذي لمجلس محافظة حلب بـ"حكومة النظام" أحمد دباس، أسباب تعرّض تلك المباني للانهيار إلى "حفر الأنفاق من قبل من سمّاهم بـ(المسلحين) تحت أساس البناء، خلال سيطرتهم على تلك الأحياء؛ وهو ما أدى إلى تجمع المياه فيها خلال فصل الشتاء وأدى إلى تصدعات وتشققات في أساساتها".

وهو كلامٌ يفتقد إلى الدقة والمهنية بحسب الدكتور عبد الله الصغير وهو المدير التنفيذي لمنظمة المهندسيين السوريين للإعمار والتنمية، إذ يقول لـ تلفزيون سوريا: إنّ "الأبنية التي تتحدث عنها الدراسة لم تكن في الأساس سليمة إنشائيًا، وقصف النظام زاد الأمر سوءًا فيها وبشكل كبير".

ونفى "الصغير" ادعاءات مسؤولي النظام في أنّ خنادق الفصائل هي من أثرت على سلامتها الفنية، قائلًا: "حفر الأنفاق وامتلاؤها بالمياه، شيء ثانوي أمام القصف الذي تعرضت له هذه الأبنية من قبل عصابات الأسد"، ورأى أنّ "الأنفاق تؤثر في حال كانت تحت البناء بشكل مباشر، حيث تؤدي الى خلخلة التربة وهذا قليل جداً في مدينة حلب".

وأشار "الصغير" إلى أنّ "معظم الأنفاق التي قامت الفصائل بحفرها كانت في الشوارع أو محيط المباني"، وأوضح أنّ "قصف قوات النظام لتلك الأحياء أدى إلى هدم الأبنية وتصدّعها، وإلى تكسير الأجزاء الحاملة للبناء، وخاصة حينما استخدم القنابل الفراغية والبراميل المتفجرة، فتعرضت المباني إلى أضرار إنشائية شديدة أدت إلى تصدعها".

إلى ذلك، يؤكد مسؤول محلي في المدينة أنّ "المحافظة لا تعطي تعويضات للمتضررين في الوقت الحالي"، مشيرًا إلى أنّ "التعويضات التي كانت تعطى في السابق لا تشكّل 5% من قيمة الأضرار للمواطنين العاديين"، لافتًا إلى أنّ "التقديرات التي كانت تقوم بها اللجان السابقة لتعويض المتضررين تخضع للواسطة والمزاجية".

ولا يبدو أنّ المتضررين من قرار الإخلاء والذين فقدوا منازلهم ومقتنياتهم تحت ركام منازلهم بفعل قصف طيران النظام لأحياء المدينة أثناء خضوعها لسيطرة فصائل المعارضة في الفترة الممتدة بين منتصف عام 2012 إلى نهاية عام 2016، لا يبدو أنهم سيحظون بفرضة لإعادة إعمار منازلهم المدمرة بعد سيطرة قوات النظام عليها، إذ نقلت وسائل إعلام عن عضو المكتب التنفيذي في المحافظة أحمد درباس قوله: إنّ "معظم المناطق التي تعرضت للدمار لا تشكّل بيئة استثمارية جاذبة لشركات إعادة الإعمار؛ كونها مباني عشوائية في الأساس وتفتقد للبنى التحتية المشجعة".

وهو ما ينفيه خبير وأكاديمي اقتصادي يعمل في مجال أبحاث إعادة الإعمار، طلب عدم نشر اسمه، إذ يقول: إنّ  "من مهام الحكومة هو تأمين البنى التحتية وتأهيلها" وأنّ "كل عقود الاستثمار العقاري تبدأ من الصفر وتنتهي بالأبنية الطابقية، وهي المرحلة الأخيرة من تلك المشاريع بعد أن يكون قد تم الانتهاء من أعمال البنية التحتية".

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أنّ "الأحياء المتضررة في حلب تقسم إلى قسمين، أحدهما العشوائيات وهو ما يحتاج إلى الهدم ومن ثم إعادة الإعمار"، لافتًا إلى أنّ "تلك الخطوة بحاجة إلى قوانين تشجيعية من قبل السلطات المحلية والتي من أبرزها تحويل تلك المناطق من زراعية إلى حضرية عبر توسيع المخطط التنظيمي لمدينة حلب الذي شمل توسعًا محدودًا خلال السنوات الأخيرة ولحظ فقط غرب المدينة".

وحسب الخبير فإنّ "القسم الثاني من الأحياء المتضررة يشمل الأحياء القديمة، وهذه الأحياء لايمكن لأحد العبث بها إلا من خلال التنسيق والتعاون مع منظمة اليونسكو؛ كونها تعتبر مدرجة ضمن لوائح اليونسكو للتراث العالمي"، وتوّقع الخبير ألا يقدم النظام على أي عملية إعادة تأهيل إلا بعد الحصول على الموافقات والتمويلات اللازمة من قبل المؤسسة الأممية".

مركز الأمم المتحدة للبحث والتدريب: مدينة حلب من أكثر المدن السورية التي تعرضت للدمار خلال الحرب

وسبق أن عدّ مركز الأمم المتحدة للبحث والتدريب في إحصائية نشرها شهر آذار/ مارس الماضي، مدينة حلب من أكثر المدن السورية التي تعرضت للدمار خلال الحرب، موضحًا أنّ " 4773 مبنى دمر بشكل كلي، و14680 مبنى دمر بشكل بالغ، و16269 مدمر بشكل جزئي".

وكانت قوات النظام والميلشيات الموالية لها سيطرت على الأحياء الشرقية من مدينة حلب في كانون الأول/ ديسمبر 2016، بعد اتباعها مع حليفها الروسي سياسة الأرض المحروقة، وتهجيرها لآلاف السكان من المدينة.

ويقول عدد كبير من المهجرين إنّ مسلحين تابعين للميلشيات الموالية للنظام سيطروا على منازلهم في الأحياء الشرقية من المدينة؛ بعد اتهام أصحابها بدعم الإرهاب، وهو ما ينطبق على منزل محمود عبد المعين الذي يقول لـ تلفزيون سوريا إنّ "مسلحاً تابعاً للواء (الباقر) احتل منزله الواقع في حي صلاح الدين قرب مدرسة القنيطرة".

وأشار محمود إلى أنّ "زوجته تعرضت للتهديد بالقتل لدى محاولتها العودة إلى منزلهم في الحي"، موضحًا أنّ "الشبيح أبرز عقد بيع مزور مدَّعيًا شراءه للبيع بشهود أبنائي المطلوبين لنظام الأسد بتهمة الفرار من الجيش"، لافتًا إلى أنّ "كل الدعوات القضائية التي رفعها لدى محاكم النظام لم تلقَ سوى (التطنيش) من قبل قضاة المحافظة".

وبصرف النظر عن قرارات نظام الأسد الأخيرة، وإخلاء المنازل المهددة بالانهيار في أي لحظة، فإنّ مصيرًا مجهولًا ينتظر عشرات الآلاف من السكان في المنطقة في وقت لا يبدو فيه لدى حكومة الأسد أية حلول مرحلية أو مستقبلية للتقليل من معاناتهم.