أوقفوا اللجنة اللعينة!

2018.08.04 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لا أحد يتوقع من لجنة سوتشي الدستورية أن تقدم شيئاً في طريق تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي، على العكس من ذلك تماماً، الجميع بات يعلم أنه تم بها تقزيم تلك القرارات وحولتها إلى عملية جزئية وشكلية، وكان الهدف من عملية التقزيم، الذي استطاع تحقيقه الروس بفضل ديمستورا والتواطؤ الأمريكي والانسحاب العربي المستمرين، هو منح الشرعية لنظام الأسد، وتخليصه من صفة مجرم حرب وحشي وتبعاتها تمهيداً لتعويم نظامه ثانية في المجتمع الدولي.

يجادل مدمنو تصدر الصف الأول في المعارضة بأن اللجنة الدستورية هي البديل الوحيد المتاح لنا عندما يقال لهم ما سبق، ويسألون: "ما البديل؟"، هذا السؤال في الواقع ليس سؤالاً غبياً في الواقع،

ما ستقوم به اللجنة الدستورية هو أخطر بكثير من القتل الممنهج نفسه، ومن الاغتصاب الفظيع الذي حصل لآلاف النساء والأطفال الأبرياء.

فهم يعلمون بالضبط النهايات شبه المؤكدة لدور اللجنة الدستورية، هذا السؤال هو في الحقيقة استغباء للسوريين جميعاً، فعندما توشك على ارتكاب جريمة لا يكون سؤالك: ما البديل؟ ما يجب أن تفعله هو أن لا ترتكبها وحسب، فلست مضطرا لارتكابها، على أن ما ستقوم به اللجنة الدستورية هو أخطر بكثير من القتل الممنهج نفسه، ومن الاغتصاب الفظيع الذي حصل لآلاف النساء والأطفال الأبرياء، ومن سحق المدن فوق رؤوس سكانها وطحن عظامهم بين سقوفها الإسمنتية، وحرقهم بالنابالم أو تفتيتهم أشلاء بالقنابل والصورايخ أو سحب أرواحهم في غمضة عين بشكل جماعي في مجاز كيميائية التي لم يسبق لها مثيل؛ لأن ما ستقوم به اللجنة الدستورية فعلياً هو إسقاط صفة الجرم على مرتكب كل تلك الفظائع، ودفن حقوقهم.

يقول المتحمسون لدور في اللجنة، ممن وردت أسماؤهم على قائمة المعارضة الخمسين (سيختار منهم ديمستورا أقل من الثلث)، إن اللجنة لا تقبل السماح بتجاوز حقوق الضحايا والشهداء ممن سقطوا في حرب النظام على شعبه، ويؤكدون أنهم لن يتنازلوا عن المرحوم (الانتقال السياسي)، وأنه لن "يقبلوا ببقاء بشار الأسد، وعودته للحكم مرة أخرى بعد كل هذه الفظائع"، كما يقول متزعم وفد أستانة في مقابلة تلفزيونية له أمس حول "أستانة 10"، وهو نفسه الذي شكر روسيا لدورها الإيجابي في سوريا! وواقع الأمر أن كل ذلك "بيع كلام" واللعب على الآمال لتخفيف الانتقاد المتزايد لدورهم في وأد الثورة السورية سياسياً، فالنتائج المترتبة على اللجنة هي حتماً منح الشرعية للنظام، أياً يكن شكل الإخراج الذي سيتم به، سواء كان انتخابات مبكرة أو انتخابات عام 2021 أو حتى بدون أية انتخابات. 

عدا عن نغمة "الكرسي الفارغ"، التي يتكرر سماعها في كل حوار حول دورهم المهين في "العملية" السياسية حتى الآن، والتي تعني حرفياً في هذا السياق: إما أن يمنحوا الأسد الشرعية المفقودة أو يأتون بغيرهم يمنحوه إياها! فإن حجج جديدة باتت تبرز الآن، فالبعض بتذاكٍ غريب يقول إنه شروط "البيئة الآمنة" للانتخابات التي شرطها المجتمع الدولي في بيان جنيف1، والمعنى أن علينا أن نعول على المجتمع الدولي مرة أخرى لفرض تلك الشروط!! يتضمن هذا الكلام من البؤس السياسي ما يصعب وصفه، ولكنه يهون أمام من يرى إلى الآن أن "مسار أستانة حفظ روح الثورة"!!

يبقى أن الأكثر بؤساً من بين متصدري التمثيل السياسي للمعارضة من يعتقد بأن الحل السياسي يمر عبر اللجنة السوتشية إياها، في حين أن اللجنة ليست سوى أداة للصفقة السياسية التي ستفرض الحل السياسي بمعزل عن سوتشي وأستانا وجنيف وسواها، وهي ستكون حصيلة اتفاق أمريكي-روسي أساساً، كل ما بعده هو تحصيل حاصل، التسوية السياسية ستمر من هناك حتماً، وهي تسوية هدفها تحقيق مصالح الدول الفاعلة وبالتأكيد ليس مصلحة الشعب السوري في أولوياتها؛ ولأن مصلحة الروس مرتبطة عضوياً ببقاء النظام واستمراره فإن أي صفقة تسوية ستشمل ذلك بالضرورة، ووقتها يأتي دور اللجنة كأداة لتنفيذ التسوية لا أكثر.

هذه هي الحقيقة المرة، وسيكون من الغباء تجاهل ذلك، وبدل من أن تبدي المعارضة أي مقاومة لهذا الدور أو تعيد تشكيل نفسها لمواجهة السيناريو الأسوأ تصبح أكثر مطواعية، وتقبل بالفتات الذي يقل يوما بعد يوم دون أي اعتراض! دائماً تقدم هيئة مفاوضات رياض2 نفسها على أنها تعمل في إطار مساعٍ "جبارة" لتحقيق الحل السياسي في ظل أفق مسدود، في حين يرى الجميع كيف أنها تلعب أسوأ الأدوار في خدمة حلول الآخرين، ومؤخراً مثلاً كان لها دوراً في مفاوضات درعا،

المسار الذي ستفضي إليه اللجنة الدستورية إن تحققت فعلاً واضح، هو منح الشرعية لنظام الأسد، لا ينبغي أن يكون ثمة شك في ذلك، بغض النظر عن الإجراءات التفصيلية وشكل الإخراج.

والتي سلم بموجبها الجنوب للنظام، وتحولت بموجبه بندقية المقاتلين "الثائرين" من كتف إلى آخر، ثم تنصلت من هذا الدور، على أساس أن هذه جهود فردية لنائب رئيس هيئة تفاوض رياض2 خالد المحاميد الذي بات يعرف بـ "ضفدع درعا"، وليس للهيئة نفسها!

المسار الذي ستفضي إليه اللجنة الدستورية إن تحققت فعلاً واضح، هو منح الشرعية لنظام الأسد، لا ينبغي أن يكون ثمة شك في ذلك، بغض النظر عن الإجراءات التفصيلية وشكل الإخراج، المهم أن التسوية السياسية ستفرض من الخارج، وهو أمر لم يعد محل خلاف، وأن اللجنة ليست سوى برغي في ماكينة التسوية، وأنه لا دور لمعارضة في هذه الماكينة سوى إعادة الشرعية ما لم تحصل معجزة، ولهذا كله من مصلحة السوريين إسقاط هذه اللجنة اللعينة.