أنقرة – دمشق: هل تحدث المفاجأة؟

2019.02.03 | 00:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

هل المتغيرات السياسية والأمنية في سوريا وحجم التهديدات والمخاطر التي تقلق أنقرة اليوم ستدفعها نحو مراجعة جذرية لسياستها السورية؟

وماذا إذاً عن إمكانيات التواصل بين دمشق وأنقرة الذي بدأنا نسمع الكثير حولها في الآونة الأخيرة؟

وهل هذا التواصل يعني بالضرورة انفتاح حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم وقياداته السياسية على رأس النظام بشار الأسد وقيادات حزب البعث وقبولهما في السلطة؟

طالما أن:

- أنقرة كانت تراهن عام 2011 على نظام سوري أقرب إليها مع رحيل بشار الأسد وحكمه لكنها لم تصل إلى ما تريده.

- وأن وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو يقول إن تطبيق اتفاقية أضنة بشكل صحيح هو لصالح تركيا وإن "بعض الشركاء في التحالف يدعمون هيئة تحرير الشام" من أجل إلحاق الضرر باتفاقية إدلب، وأن لدى الروس اقتراحاً لعملية مشتركة لإخراج الإرهابيين من هناك.

- وأن واشنطن لا ترى مشكلة في استضافة إلهام أحمد القيادية في "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي، وطالما أن الرئيس ترمب لا يمانع أن يلتقيها "صدفة" لمدة 15 دقيقة ليبلغها أن الإدارة الأميركية لن تتخلى عنهم.

 - وأن نقاشات تشريعية أميركية تدور داخل الكونغرس والبرلمان لقطع الطريق على قرار الرئيس دونالد ترامب سحب القوات من سوريا.   

 - وأن رئيس دائرة الاتصالات في القصر الرئاسي التركي فخر الدين ألتون يقول إن تركيا ليست من دون خيارات وبدائل في سوريا، فإن القرار التركي لا بد أن يكون سريعا وحاسما هذه المرة بعد العودة من اجتماعات دول التحالف الدولي لبحث الملف السوري في منتصف الأسبوع الحالي في واشنطن والقمة الثلاثية المرتقبة بين الدول الضامنة في الآستانة المنتظرة في منتصف الشهر الحالي في سوتشي.

أنقرة تريد الخروج بأسرع ما يكون من حالة رهينة مطرقة المنع الأميركي لأي تحرك تركي في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية من دون التنسيق معها، والسندان الروسي ومطالبه الدائمة بالانفتاح على نظام بشار الأسد

أنقرة تريد الخروج بأسرع ما يكون من حالة رهينة مطرقة المنع الأميركي لأي تحرك تركي في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية من دون التنسيق معها، والسندان الروسي ومطالبه الدائمة بالانفتاح على نظام بشار الأسد إذا ما كانت تريد تعطيل مشروع الكيان الكردي المستقل وحماية حدودها الجنوبية. والمخاوف التركية الأمنية لن تتبدد من خلال جزرة المنطقة الآمنة التي تلوّح بها واشنطن أو مغريات إعادة تفعيل اتفاقية أضنة الروسية.

مؤشرات كثيرة على تحول محتمل في المواقف التركية واقتراب موقف أنقرة من الموقف الروسي في سوريا أكثر فأكثر مما سيكون لبشار الأسد حصة فيه:

- الحديث عن ترتيبات مشتركة للتعامل مع مستجدات الوضع حول إدلب، وسط توقعات بإجراء تعديلات على الاتفاق الروسي - التركي الأخير في سوتشي.

- جدول أعمال القمة الثلاثية المقبلة للدول الضامنة الثلاث التي تستعد لوضع آلية تحرك سياسية أمنية جديدة في الملف السوري.

- التحرك العربي الجديد عبر الأردن من أجل صوغ سياسة عربية بديلة واستعادة الدور العربي الإقليمي في مواجهة النفوذين الإيراني والتركي.

- رغبة الولايات المتحدة بتضييق الخناق على النفوذ الإيراني في سوريا وحماية مصالح حليفها الكردي وضمانة أمن إسرائيل لذلك هي قد تساوم روسيا على إطلاق يدها في رسم خارطة المستقبل السوري إذا ما حصلت على الضمانات الكافية بهذا الخصوص.

سيناريو من هذا النوع قد تدفع تركيا الثمن الباهظ فيه قبل إيران نفسها. بوتين قد يعرض على الأتراك مرحلة انتقالية في سوريا تأخذ بعين الاعتبار جمع مصالح الجميع في سلة واحدة بتراتبية زمنية أمنية وسياسية ودستورية وهذا ما قد يدفع أنقرة لقبول صيغة التفاهمات الجديدة.

- "وحدات حماية الشعب" وما قد تتفق عليه مع النظام السوري أو موسكو وواشنطن بتشجيع عربي أوروبي.

- مصير "هيئة تحرير الشام" في إدلب والمئات من المقاتلين الأجانب الذين تحملت أنقرة مسؤولية إنهاء ملفهم في إطار تفاهمات الأستانة وسوتشي.

- نظام الأسد الذي يوقع عقود التعاون العسكري والاقتصادي الاستراتيجية مع روسيا وايران بما يهدد فرص أنقرة في الرهان على حلفائها المحليين لحماية مصالحها هناك.

- الخروج من الكلفة المالية والعسكرية والأمنية المتراكمة التي تتحملها في سوريا والذي عجزت أنقرة عن تحويلها إلى أوراق سياسية رابحة على الأرض.

- الطرح الروسي المحتمل حول اتفاق أضنة بصيغة معدلة تريد موسكو من خلالها جلب أنقرة ودمشق إلى طاولة منتصف الطريق بعدما كاد مسار الأمور يتحول إلى كارثة يتقاسم البلدان فاتورتها.

تركيا ليست مجبرة على إعطاء واشنطن ما تريده في سوريا خصوصا إذا ما كان سيتم على حساب أمنها ومصالحها وستتخلى عن تمسكها بالمنطقة الآمنة إذا ما أقنعتها موسكو وطهران في القمة الثلاثية المقبلة بما تقولانه مصحوبا بضمانات سياسية وأمنية كافية. وتحوّل تركي في التعامل مع الملف السوري سيكون مخرجه تفعيل آلية الحوار مع دمشق لتسريع خطط المرحلة الانتقالية السلمية ولمواجهة الأخطار التي تختلف تماما عن سياسات ما قبل 8 أعوام وأسبابها ومبرراتها. لذلك نرى موسكو تقول اليوم إن جائزة التقارب بين أنقرة ودمشق ستكون تعطيل المشروع الكردي الانفصالي.

وتحوّل تركي في التعامل مع الملف السوري سيكون مخرجه تفعيل آلية الحوار مع دمشق لتسريع خطط المرحلة الانتقالية السلمية

قال الرئيس التركي وهو في طريق العودة من زيارته الأخيرة لموسكو، وفي معرض رده على سؤال حول كيفية تفعيل اتفاقية أضنة في ظل عدم وجود علاقات مباشرة مع النظام السوري "لا يمكن لنا أن نقيم علاقات رفيعة المستوى مع شخص قتل أكثر من مليون شخص، وهجّر ملايين آخرين". فهل ستفهم دمشق ذلك على أن أنقرة جاهزة لعلاقات متدنية المستوى؟

هل يعطي أردوغان المعارضة السياسية التركية ما تريده هذه المرة وهي تكرر دائما أنه إذا كان المراد الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ووقف سفك الدماء فعلى الحكم في تركيا التواصل بشكل فوري مع الحكومة السورية وإقامة علاقات معها؟

رئيسة "حزب إيي" التركي المعارض، ميرال أكشينار، تقول: ليس من الصائب اتخاذ الحكومة التركية مظهرا عدائيا من نظام الرئيس السوري بشار الأسد في وقت تجري فيه اتصالات دبلوماسية سرية معه".

وزير الخارجية الروسي لافروف جاهز دائما لتكرار ما قاله أكثر من مرة "التجربة تشير إلى أنه عند بدء التوترات فإن الطريقة الأفضل لإزالتها هي إنشاء خط اتصال مباشر، وأنا أعلم أن تركيا وسوريا مستعدّتان لذلك".

روسيا التي غذّت حتى الأمس القريب، موجات التوتر والاحتكاكات بين أنقرة ودمشق تريد الذهاب بمنحى معاكس هذه المرة، ووضع أسس التقارب بينهما على حساب تأزيم العلاقات التركية الأميركية

روسيا التي غذّت حتى الأمس القريب، موجات التوتر والاحتكاكات بين أنقرة ودمشق تريد الذهاب بمنحى معاكس هذه المرة، ووضع أسس التقارب بينهما على حساب تأزيم العلاقات التركية الأميركية. وهي ستفعل ذلك عبر عملية عسكرية روسية تركية مشتركة في إدلب ومحاصرة "قسد" في العودة إلى أحضان النظام وكسب الدعم الإيراني.

تشير آخر الدراسات الأكاديمية التركية إلى أن نسبة دعم سياسة حزب العدالة والتنمية السورية تراجعت إلى 35 بالمئة بعدما تجاوزت الخمسين في المئة قبل عامين وأن نسبة دعم وجود الجنود الأتراك في مهام خارج الأراضي التركية تراجعت من 48 بالمئة إلى 40 بالمئة وأن المواطن التركي بنسبة 82 بالمئة يرى أن العدو الأول لبلاده هو الولايات المتحدة الأميركية بعدما كان آخر رقم هو 64 بالمئة قبل أشهر.

 تركيا لا تريد بعد الآن أن تكون في موقع من يمسك الشاكوش بيده ويرى في كل ما يتحرك من حوله مسمارا يجب ضربه.