أمريكا والشرق السوري والتدحرج المتسارع للكرة الملتهبة  

2018.10.31 | 23:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

بعد غياب طويل دام أكثر من ثلاثة أعوام عاد الأمريكان بقوة الى الملف السوري سياسياً وعسكريًا، وفق خطة يبدو أنها تهدف إلى تصحيح مسار الخطة التي وضعها ترامب حول سوريا، والتي كانت ترمي فقط إلى إنهاء القتال ضد تنظيم داعش وإخراج القوات الأمريكية من سوريا.

ومن خلال بعض التسريبات الصحفية فقد نصّت الخطة الجديدة على إبقاء القوات الأمريكية في سوريا، وتنشيط الدور الدبلوماسي للولايات المتحدة الامريكية، والتخلي عن إسقاط الأسد، مقابل اتفاقات تضمن تحقيق حكم ذاتي للأكراد شمال شرقي سوريا، وترجمة أولية لهذه الخطة وحسب تصريح وزير الدفاع الأمريكي في 4 تشرين الأول من هذا العام فإن عدد الدبلوماسيين الأمريكان تضاعف مع اقتراب هزيمة داعش عسكرياً، ومرحلة ما بعد داعش تتطلب توفير ظروف أمنية تمنع عودة عناصره إلى سوريا، بما في ذلك إنشاء قوات عسكرية محلية وتدريبها على يد مستشارين وخبراء أمريكان. 

يبدو من خلال هذه الخطة أن الأمريكان لن يكرروا أخطاءهم في العراق، والتي كان أحد أهم نتائجها تعزيز النفوذ الإيراني وظهور قوى متشددة كتنظيم داعش، ولعل سلسلة التغييرات والتعيينات التي طرأت على طواقم الدبلوماسية الأمريكية في سوريا، خير دليل على التغيير الواضح في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، ومؤشر قوي على عودتها لمسك زمام الأمور في هذا الملف بالأصالة وليس من خلال أذرعها التي كانت تعتمد عليهم سابقاً، ولعل تصريح الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية "هيذر نويرت" بأن الولايات المتحدة "مستعدة للبقاء في سورية حتى الهزيمة النهائية لتنظيم داعش، وستركز على ضمان انسحاب القوات الإيرانية وحلفائها"، يؤكد نية واشنطن البقاء في سوريا.

كثفت الاستخبارات الأمريكية مؤخرًا اتصالها مع نظام الأسد من أجل عقد اتفاق حول العديد من الملفات المتعلقة بالوجود الإيراني في سوريا

وفي هذا الإطار يجب أن لا نغفل عن النشاط المحموم لمبعوث الرئيس الأمريكي الجنرال "انتوني زيني"، في تكوين تحالف الشرق الأوسط الجديد والذي يضم دولًا عربيًة، والهدف المعلن من تشكيله هو إنشاء صيغة تعاون استخباراتي بين دول التحالف لمكافحة الإرهاب بأنواعه، سواء في الشق المرتبط بإيران أو في الشق المرتبط بالتنظيمات المتطرفة، وإعداد قوة برية يمكن الاستعانة بها في سوريا بهدف الانتشار إلى جانب القوات الأمريكية شرق الفرات، باعتبارها جزءًا من مهمة مكافحة الإرهاب، وضمان عدم عودة تنظيم داعش للمنطقة، والهدف الثالث حماية الملاحة في المنطقة العربية، وأيضاً مكافحة عمليات تهريب الأسلحة غير المشروعة، ومراقبة خطوط الإمداد العسكرية التي يستخدمها الإيرانيون بالقرب من الحدود الأردنية، وضمن هذه الخطة الدبلوماسية الأمنية كثفت الاستخبارات الأمريكية مؤخرًا اتصالها مع نظام الأسد، من أجل عقد اتفاق حول العديد من الملفات المتعلقة بالوجود الإيراني في سوريا، وإيجاد حلول لتحقيق الاستقلال للمناطق الخاضعة لقوات سوريا الديموقراطية، وإيجاد طرق لتفعيل العملية السياسية، والتعاون في محاربة الإرهاب، ومشاريع إعادة الاعمار في سوريا.

ترافقت الجهود السياسية التي تقوم بها أمريكا في المنطقة مع الجهود العسكرية والأمنية، اذ شهد شرق الفرات حتى جنوب شرق سوريا وصولًا إلى قاعدة التنف، حشوداً عسكرية غير مسبوقة، تم من خلالها تنفيذ عملية انتشار عسكري واسعة في العراق على حدود منطقة القائم الحدودي مع سوريا، وتشكيل قاعدة جوية في منطقة الشدادي بمحافظة الحسكة، لتكون أكبر قاعدة عسكرية جوية أمريكية في سوريا، والتي ستكون ندًا قويًا لقاعدة حميميم الروسية في الساحل السوري، ويمكن أن تستخدم قاعدة الشدادي في المستقبل لفرض حظر جوي شمال وشرق سوريا، ولضرب مواقع إيرانية في المنطقة، ولعل إرسال أمريكا قوات من المشاة البحرية إلى قاعدة التنف لتنفيذ مناورات بالذخيرة الحية، دليل على جدية الأمريكان في تجهيز قواعدهم العسكرية في سوريا ضد أي تهديد محتمل، وهذا ما صرح به الجنرال "جوزيف دنفورد" رئيس هيئة الأركان الامريكية المشتركة في بداية شهر أيلول محذرًا الروس وغيرهم من الاقتراب من هذه القاعدة وشركائهم، حسب تعبيره. 

مع كل هذه التحركات العسكرية في هذه الفترة قامت القوات الأمريكية بمضاعفة دعمها لقوات سوريا الديموقراطية، إذ وصل عدد كبير من الأسلحة والذخائر والمعدات القتالية والوسائط المتطورة إلى القواعد العسكرية التابعة لقوات سوريا الديموقراطية في السوسة قرب البوكمال، وفي حقل التنك قرب دير الزور، وفي منبج عبر معبر سيمالكا أحد المعابر بين العراق وسوريا. 

لم تكتفِ الولايات المتحدة الأمريكية بالدعم المباشر لقوات قسد بل طلبت من شركائها الدوليين دعم قسد لتعزيز هيمنتها شرق الفرات

ولم تكتفِ الولايات المتحدة الأمريكية بالدعم المباشر لقوات قسد بل طلبت مؤخرًا من شركائها الدوليين دعم قسد لتعزيز هيمنتها شرق الفرات وكان أول المستجيبين فرنسا إذ تم إرسال نحو ألف جندي من القوات الخاصة الفرنسية مع مجموعة من العربات والأجهزة المتطورة، وعدد من طائرات الميراج 2000 وسرب من مقاتلات رافال التي هبطت في القواعد العسكرية في شمال سوريا والعراق.

كما أرسلت بريطانيا وحدات مدعومة بمقاتلات تايفون لمناطق سيطرة قسد، بالإضافة إلى اشتراكها استخباراتياً في الحرب الالكترونية ضد داعش، ولبلجيكا دور أيضاً في دعم قسد أمنيًا حيث أعلنت عن قيامها بعدد من العمليات السرية بالتعاون مع الوحدات الكردية، بالإضافة إلى أعمال سلاح الجو البلجيكي ضد داعش في سوريا والعراق، كما تقوم القوات الإيطالية بعدة مهام أبرزها تدريب وتوجيه ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية، كما تعمل مجموعة أخرى من هذه القوات على بطاريات المدفعية وأخرى من القناصين الذين شاركوا في معارك "الدشيشة" قرب الحدود مع العراق،

كل هذه الحشود والتحركات العسكرية من أمريكا وحلفائها يبدو وبشكل واضح التحضير والإعداد لمواجهات ضخمة مع إيران في المنطقة، بالتزامن مع عملية جوية واسعة تشنها إسرائيل على كافة المواقع الإيرانية في سوريا، تمهيدا لدخول قوات برية أمريكية إلى شرق سوريا، وهذا ما أبلغه الرئيس الأمريكي للرئيس الروسي في آخر رسالة له، ومن الممكن إن قامت روسيا في اعتراض هذه العملية ستكون هناك مواجهة روسية أمريكية في المنطقة، ومن الممكن أن تحاول الولايات المتحدة في هذه المنطقة الحفاظ على الوضع ساخناً، كي لا يهدأ أحد، وبالتالي أصبح الصراع مفتوحًا على كل الاحتمالات، لاسيما أن العلاقات بين روسيا وإسرائيل مازالت متوترة منذ اسقاط الطائرة الروسية من قبل إسرائيل في البحر المتوسط، وما تبعه من تسليم روسيا لمحطات صواريخ S300  لجيش الأسد، وهذا ما يفسر التحضيرات العسكرية الروسية المتطورة والمتصاعدة في المنطقة وبخاصة شرق المتوسط.