أشهرٌ فاصلة أمام إيران.. واشنطن تقرع طبول الحرب

2019.02.14 | 00:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لا توحي الإدارة الأميركية بأية إمكانية للتراجع عن العقوبات المفروضة على إيران، على الرغم من كل المبادرات التي حاول الإيرانيون تقديمها عبر الروس ووسطاء آخرين من الدول الأوروبية.

منذ دخول العقوبات القاسية على طهران قبل أشهر حيّز التنفيذ، أرسلت إيران إشارات متعددة تعلن خلالها الاستعداد للدخول في مفاوضات مع إدارة دونالد ترمب حول الوضع في دول المنطقة. وصل الأمر بالإيرانيين إلى إبداء الاستعداد بالتراجع من ميادين عديدة خاصة في سوريا، لقاء وقف العقوبات والشروع بجولة تفاوضية جدية تعيد إحياء الاتفاق النووي، لكن الأميركيين رفضوا ذلك، وأصرّ ترمب على هجومه المتعدد الأوجه.

يجدد الأميركيون هجومهم، ويضعون دفتر شروط شاملا وقاسيا على طهران، كالانسحاب من سوريا، تغيير السلوك بشكل كلّي في لبنان لـ جهة ترسيم الحدود البرية والبحرية، بشأن حماية بلوكات النفط، وتأمين حماية إسرائيل عبر إدخال حزب الله في هذه التسوية وتجريده من سلاحه الكاسر للتوازن، وليس الملف العراقي بعيداً عن دفتر الشروط. إيران ترفض هذا الكم الهائل من دفتر الالتزامات، خاصة بعد تكبّدها لخسائر مادية وبشرية ضخمة، وهي تقاتل في سبيل إنجاز مشروعها الإمبراطوري الإستراتيجي عبر ربط أراضيها بالعراق وسوريا فلبنان. غاية إيران الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، والتمتع بقدرة إصلاح أنابيب النفط لتصدير نفطها وغازها عبر هذه الانابيب إلى أوروبا، حالما تصل إلى توافق مع الأميركيين على غرار الاتفاق النووي في العام ٢٠١٥، والذي تم بموجبه رفع العقوبات عنها.

حمص تمثّل رمزية إستراتيجية لإيران، في سعيها لتشييد الأوتستراد الذي تطمح أن يربط بين لبنان وسوريا والعراق وصولاً إليها

في لبنان، خطان نفطيان اسياسيان. الأول كان يصب في الزهراني جنوباً، توقف عن العمل في ستينيات القرن الفائت، والثاني خط النفط الواصل إلى شمال لبنان من البصرة والذي يمرّ بحمص. حمص تمثّل رمزية إستراتيجية لإيران، في سعيها لتشييد الأوتستراد الذي تطمح أن يربط بين لبنان وسوريا والعراق وصولاً إليها. وحمص عاصمة الثورة السورية، كانت أول مدينة سعى الإيرانيون إلى تدميرها بالكامل، وتغيير كل معالهما الجغرافية والديمغرافية. غاية إيران من السيطرة عليها لها أبعاد إستراتيجية نظراً لموقعها المفصلي باتجاه كل المحافظات السورية، وباتجاه الحدود العراقية والحدود اللبنانية.

تقدّمت إيران قبل سنوات بمشروع لإصلاح أنبوب النفط ومحطة التكرير في شمال لبنان، لكن المشروع وضع في الأدراج لرفض الحكومة اللبنانية ذلك. قبل حوالي أسبوعين، حصلت روسيا على اتفاق تلزيم بالتراضي من قبل الحكومة اللبنانية على إصلاح واستثمار خزان النفط هذا ومحطة التكرير. وهذا يوضح مدى الدور الذي تطمح موسكو لأن تلعبه في لبنان بعد سوريا، خاصة أن إحدى الشركات الروسية قد حصلت سابقاً على التزام التنقيب عن النفط اللبناني في البحر المتوسط. بعد توقيع الروس التزام إصلاح محطة طرابلس، جاءت زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف إلى لبنان عارضاً مشاريع مساعدات إيرانية في مختلف المجالات للدولة اللبنانية، تبدأ بالكهرباء ولا تنتهي بالسلاح.

يأتي دخول ظريف على الخطّ اللبناني لاستكشاف مدى الدخول الروسي إلى لبنان، خاصة في ظلّ توتر العلاقات الروسية الإيرانية في سوريا، والمعلومات تؤكد أن هذا الخلاف يتطور وآخذ في التوسع، وقد يصل في مرحلة من المراحل إلى صراع إستراتيجي، لأن موسكو تنظر لإمساك طهران بمفاصل أساسية في سوريا وتأثيرها على النظام وتغلغلها في بنيته عامل معرقل لها وهذا ما لن ترضى به روسيا، لا سيما أنها لم تحصل من النظام بعد على توقيع اتفاقية لتشغيل مرفأ طرطوس، بسبب الضغوط الإيرانية على النظام، وهذا ما تفجّر معارك عسكرية في حماه بين الفرقة الرابعة والفيلق الخامس.

هناك اتفاق روسي أميركي على وجوب تحجيم نفوذ إيران في سوريا

تؤكد المعلومات أنَّ هناك اتفاقاً روسياً أميركياً على وجوب تحجيم نفوذ إيران في سوريا، الطرفان يلتقيان على وجوب توفير أمن اسرائيل، وقضم مناطق السيطرة الإيرانية، ومنعها من استمرار امتلاك القدرة التأثيرية على النظام، وهذا بلا شك سيدفع إلى حصول مناوشات عديدة بين الإيرانيين والروس، عسكرياً وسياسياً.

بالتزامن، يعقد مؤتمر وارسو لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، والذي يخرج بتوصيات واضحة تعزز مفهوم العقوبات، وتعطي صورة مواجهة أكثر من 70 دولة، للدور الإيراني في المنطقة. هذه التوصيات، كانت قد استبقت بإجراءات أميركية متعددة، منها قانون قيصر، الذي يوجب فرض عقوبات على من يتعامل مع النظام السوري ومن يتعامل مع المتعاملين معه. بالإضافة إلى التدخل الأميركي بقوة لمنع تطبيع العلاقات العربية مع النظام، ووقف مسار فتح السفارات. وهذه إشارة أميركية إلى أن المعركة لم تنته. لا بل هناك شكل آخر تتخذه، ولا يمكن أن يُسقَطَ منه الخيار العسكري.

تقف منطقة الشرق الأوسط أمام شهور حاسمة. تتراوح المعادلة فيها بين حرب كبرى وشاملة، أو تسوية كبيرة وشاملة. الأمر يرتبط بالاتجاه الذي تقرره طهران لمسار الأمور. الأميركيون وضعوا شروطهم على الطاولة، وهي قاسية بالنسبة إلى طهران، إسرائيل تضغط عسكرياً عبر الغارات المستمرة على المواقع الإيرانية، وتنسّق مع موسكو سياسياً، الالتقاء العربي الروسي واضح حول وجوب ضرب النفوذ الإيراني، وانسحاب إيران من سوريا. بعض أعضاء الكونغرس يتحدثون عن أن مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، يضع مداميك الحرب على إيران، ما يعني أن قرع الطبول قد بدأ. والأنظار تتجه إلى الربيع والصيف المقبلين.