icon
التغطية الحية

أسباب انهيار "الجبهة الوطنية" والسيناريوهات المتوقعة لشمال سوريا

2019.01.11 | 20:01 دمشق

مقاتلون من الجيش السوري الحر في ريف حلب الشمالي (إنترنت)
فراس فحام - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

جاء الاتفاق الذي تم توقيعه يوم الخميس العاشر من شهر كانون الثاني بين فصيلي "صقور الشام" و "أحرار الشام" من جهة، وهيئة تحرير الشام من جهة أخرى ليضع حداً للاشتباكات التي اندلعت مع فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" في الأول من الشهر الجاري بعد مهاجمة الهيئة لمعاقل "حركة نور الدين الزنكي" المنضوية ضمن "الوطنية للتحرير" والممتدة من دارة عزة حتى قبتان الجبل غرب مدينة حلب.

 

اتفاق إذعان

في صباح يوم العاشر من شهر كانون الثاني أجرى قائدي "أحرار الشام" و "ًصقور الشام" اجتماعاً مع زعيم "هيئة تحرير الشام" في ريف إدلب، بوساطة من قائد أحرار الشام السابق "حسن صوفان".

وعلم موقع تلفزيون سوريا من مصادر خاصة أن الاتفاق نص على الاعتراف بـ"حكومة الإنقاذ" كسلطة إدارية في المناطق المتبقية لأحرار الشام وصقور الشام، والتنازل عن الحواجز العسكرية في محيط مدينتي أريحا ومعرة النعمان لفيلق الشام، على أن تتحول تبعيتها لإدارة الحواجز في "هيئة تحرير الشام".

وتضمنت الاتفاقية السماح للهيئة بإنشاء مقرات عسكرية في أريحا ومعرة النعمان ومنطقة جبل الأربعين، والتزام كل من صقور الشام وأحرار الشام بنشر سلاحهم الثقيل على نقاط الرباط في مواجهة قوات النظام السوري، وبإشراف من "أبو عدنان الزبداني" قائد "تجمع دمشق وريفها" ومسؤول الدفاع في غرفة العمليات المركزية للشمال السوري.

ورفضت "الفعاليات المدنية والشعبية" في معرة النعمان بريف إدلب قبول إنشاء مقرات لـ "هيئة تحرير الشام" في المدينة، وبررت الفعاليات قرارها برغبتها في تجنب حدوث أي "اضطرابات أو مواجهات دموية" بحسب ما ورد في بيان رسمي صادر عنها.

ورضح "جيش الأحرار" لمطالب "هيئة تحرير الشام" ووقع اتفاقية معها التزم فيها بتسليم الحواجز العسكرية التابعة له المنتشرة بالقرب من الشريط الحدودي مع تركيا شمال إدلب، والسماح لحكومة الإنقاذ بمزاولة عملها في مناطق سيطرة الجيش، والتنازل عن المحاكم التي أسسها سابقاً لصالح وزارة الدفاع في الحكومة التي ترعاها "تحرير الشام".

وكانت المواجهات قد مكنت الهيئة من إخراج "حركة نور الدين الزنكي" من مناطقها في ريف حلب الغربي باتجاه منطقة عفرين، وبذلك أصبح ما يعرف الشمال السوري ( محافظة إدلب – غرب حلب – شمال حماة) يخضع عسكرياً لـ "تحرير الشام" وإدارياً لـ "حكومة الإنقاذ"،  مع بقاء نقاط رباط ومقرات عسكرية لباقي الفصائل دون سيطرتهم على مواقع جغرافية بشكل خاص.

 

أسباب الانهيار

بدا من خلال تحركات "هيئة تحرير الشام" العسكرية وسرعة استقدامها للتعزيزات إلى محيط دارة عزة غرب حلب، أن أمر الهجوم مبيت سابقا ًولم يأتِ كرد فعل على مقتل عناصر لها في بلدة "تلعادة" واتهام حركة نور الدين الزنكي بالوقوف وراء العملية.

وأفادت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا أن "تحرير الشام" جهزت معسكرات تضم المئات من المقاتلين بريف سراقب وقرب سلقين ومدينة إدلب وريف حلب الغربي، وركزت على إقناع مقاتليها بـ "وقوع حركة نور الدين الزنكي بالردة عن الدين"، وكذلك أي فصيل يناصرها.

وانتهجت الهيئة في هجومها استراتيجية التجزئة، حيث ركزت هجومها ابتداءً على مواقع "حركة نور الدين الزنكي" بهدف السيطرة على "دارة عزة" وقطع الطريق الواصل بين منطقة عفرين وريف حلب الغربي لضمان تحييد "الجيش الوطني السوري" عن المواجهة، وبعد أن أجبرت الحركة على إخلاء مواقعها تحولت إلى سهل الغاب وجبل شحشبو الذي يعتبر أكثر أجنحة "أحرار الشام" شراسة في قتالها.

واستفادت الهيئة كثيراً من امتناع "جيش الأحرار" عن الانخراط بالمواجهة، على اعتبار أن مواقعه في تفتناز ومعارة النعسان والقرى المحاذية لريف حلب الغربي كانت تسمح له بإعاقة الهجوم على "حركة نور الدين الزنكي".

واستثمرت الهيئة إحجام كتل كبيرة في "فيلق الشام" عن مساندة باقي فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير"، حيث امتنعت كتل كبيرة بالفيلق من القتال، والحديث هنا عن قطاعي ريف حلب الغربي، وريف إدلب الشمالي، في حين سُجلت مشاركة محدودة لقطاع معرة النعمان وريفها.

وكان للجهاز الأمني في "هيئة تحرير الشام" دوراً مهماً في المواجهات، حيث تمكن من إحداث اختراقات مهمة مكنت الجناح العسكري من تحقيق تقدم سريع، وذلك من خلال اختراق صفوف بعض مقاتلي حركة نور الدين الزنكي والتنسيق معهم على التسلل إلى منطقة جبل الشيخ بركات، حيث مثلت هذه العملية بوابة التوغل في معاقل الحركة غربي حلب على اعتبار أنها نقطة مرتفعة ويوجد فيها أبراج الاتصالات التي تم قطعها لمنع التواصل بين قيادة "الزنكي" وقطاعاته المختلفة، يضاف إلى ذلك كله تكيف التواصل مع "وجهاء ريف حلب الغربي" للعمل على الضغط على مقاتلي الزنكي.

وأثمر عن مجهودات الجهاز الأمني في الهيئة تحييد ألوية عديدة في "جيش النصر" أحد مكونات "الوطنية للتحرير"، حيث سمحت تلك الألوية لعناصر هيئة تحرير الشام بإحداث خرق في خاصرة سهل الغاب من جهة كفرعويد، كما أقنعت الهيئة قوة مهمة لأحرار الشام متمركزة في بلدة الدقماق بريف حماة بالوقوف على الحياد، مما سهل سقوط بلدة "العنكاوي" التي تعتبر مركز سهل الغاب الخاضع للأحرار.

وشكل سقوط ريف حلب الغربي، ثم سهل الغاب وجبل شحشبو بريف حماة ضربة معنوية كبيرة لقيادة كل من أحرار الشام وصقور الشام، التي تخلت عن فكرة المواجهة وقبلت بتوقيع اتفاقية استسلام في نهاية المطاف.

ولعب العامل المادي أيضاً دوراً مساعداً لتفوق "تحرير الشام" في المواجهات الأخيرة، حيث دخلت المعركة وهي تمتلك تمويلاً كبيراً نتيجة سيطرتها على المعابر الحدودية، مكنتها من التحكم بتجارات مهمة كالمحروقات والمواد الغذائية، مع ترسانة عسكرية كبييرة جمعتها من فصائل الجيش السوري الحر التي قضت عليهم في أعوام 2015 و 2016 و 2017، في حين أن كل من صقور الشام وأحرار الشام لايمتلكون أسلحة ثقيلة بالقدر الكافي بسبب فقدانها لصالح الهيئة نفسها بوقت سابق، بالإضافة إلى شح مصادر التمويل التي دفعت غالب كوادرهم للبحث عن عمل.

 

السيناريوهات المحتملة لشمال سوريا

1-عملية عسكرية روسية: عملت وسائل الإعلام الروسية الرسمية وشبه الرسمية ومنذ توقيع الاتفاق بين فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" و "هيئة تحرير الشام" على تأكيد سيطرة "تنظيم القاعدة" حسب وصفها على إدلب بالكامل.

وأكدت وكالة "سبوتنيك" في تقرير لها يوم أمس الخميس أن "تنظيم جبهة النصرة" الجناح السوري لتنظيم القاعدة العالمي، وحكومة الإنقاذ التابعة له باتوا يسيطرون على إدلب بالكامل بعد المواجهات مع الفصائل المتحالفة مع أنقرة.

ورأت صحيفة "دايلي أوراسي" المقربة من وزارة الدفاع الروسية أن تركيا الآن على مفترق طرق، فإما تقوم بالوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق "سوتشي" والمتعلقة بالقضاء على "التنظيمات الراديكالية"، أو إفساح المجال لقوات النظام بـ "فرض الاستقرار بالمنطقة" حسب تقريرها الذي نشرته بوقت متزامن مع "سبوتنيك".

وأكدت مصادر عسكرية لموقع تلفزيون سوريا أن النظام دفع بتعزيزات عسكرية خلال اليومين الماضيين من الفرق الثانية والثامنة والحادية عشرة باتجاه شمال وشرق حماة، وجنوب شرق إدلب، بالإضافة إلى وصول رتل عسكري وتمركزه قرب محردة بالتزامن مع تثبيت روسيا لنقاط عسكرية لها في منطقتي "حيالين" و "الجلمة" غرب حماة.

وقد تستثمر روسيا التطورات التي حصلت مؤخراً، وفرض هيئة تحرير الشام وواجهتها المدنية "حكومة الإنقاذ" السيطرة على الشمال السوري للانقلاب على التفاهمات في "سوتشي" والتذرع بتمدد "تنظيمات راديكالية" لشن عمليات عسكرية محدودة أو موسعة بالمنطقة.

2- عملية عسكرية تركية: قد تبادر تركيا بنفسها إلى قيادة العمليات العسكرية ضد تمدد "هيئة تحرير الشام" في إدلب، وذلك عن طريق دعم الجيش الوطني السوري وما تبقى من كتل الجبهة الوطنية للتحرير، وأيضاً التنسيق مع روسيا لتنفيذ مثل هذه العملية على اعتبار أن قرار استخدام الأجواء السورية بيد موسكو.

ورغم وجاهة هذا الاحتمال إلا أنه يبدو غير قابل للتحقيق على المدى القريب، على اعتبار أن تركيا توجه أنظارها وجهودها بشكل أساسي على "منبج" و "شرق الفرات" ولايبدو أنها مستعدة لتشتيت ثقلها وتوزيعه على أماكن مختلفة، خاصة وأنها امتنعت عن الدفع بـ "الجيش الوطني السوري" لمواجهة تمدد الهيئة غربي حلب ووصولها إلى مشارف عفرين.

ويبدو من خلال تصريحات الخارجية التركية والتأكيد على استمرارية اتفاق إدلب، أن أنقرة حريصة على دوام الهدوء في المحافظة بغض النظر عن التغييرات في واقع السيطرة وتحول السلطة داخلياً، وتعول في ذلك على تقاربها وتنسيقها مع روسيا.

3- السيناريو المختلط وهو الأرجح: من المرجح أن يكون الشمال السوري مقبلاً على عمليات عسكرية روسية محدودة في ريف حماة، وجنوب شرق إدلب، وقد لاحت بوادرها من خلال تكثيف التعزيزات العسكرية خلال الأيام الماضية، بالإضافة إلى حصول استقرار متوسط الأمد في باقي المنطقة إلى حين انتهاء الأطراف الدولية الفاعلة بالملف السوري من ترتيب الأوضاع في منطقة شرق الفرات، وبالتالي التحول لإيجاد حل نهائي لأوضاع الشمال السوري، مما يعني أن الخط المتصل من جسر الشغور إلى جنوب شرق إدلب قد يشهد في الفترة القادمة تصعيداً عسكرياً من طرف النظام وروسيا.

وقد يرافق هذا السيناريو إجراء تعديلات جديدة على حكومة الإنقاذ كالإعلان عن إشراك باقي الفصائل فيها، أو حصول اندماجات بين بعض الكتل بهدف سحب الذرائع الروسية المتعلقة بسيطرة "تحرير الشام" على الشمال السوري.