icon
التغطية الحية

"أرشيف الشر".. مليون وثيقة تلعن الأسد وتدينه

2018.09.24 | 15:09 دمشق

إحدى صور "قيصر" للقتلى تحت التعذيب في أفرع الأمن في سوريا (إنترنت)
ذا صنداي تايمز - ترجمة وتحرير موقع تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

مجموعة واسعة من الوثائق المهربة من سوريا توضح كيف أن أوامر التعذيب والقتل تأتي مباشرة من الأسد نفسه.

265 صندوقاً كرتونياً بينياً مكدسة على أرفف معدنية في قبو محكم الإغلاق ومراقب من قبل الكاميرات الأمنية في مكان سري في مدينة أوروبية، محتوياتها تقشعر لها الأبدان.

يوجد بداخلها مليون صفحة من الوثائق، بما في ذلك تقارير استخباراتية عالية السرية، تُفصّل تعذيب النظام الممنهج وقتل المعارضين، معظمها ممهورة بختم النظام (الصقر)، ويحمل البعض توقيع بشار الأسد نفسه.

إنه المخبأ الأكبر على الإطلاق من وثائق الإدانات التي تم جمعها في أي حرب ما زالت جارية.

ومع اقتراب الأسد من استعادة السيطرة الكاملة تقريباً على البلاد، يُظهر هذا "الأرشيف المذهل للشر" الطريقة التي تمكن بها النظام من تحقيق انتصاره، ومع الانتهاء التدريجي للحرب، يطرح السؤال الآن عمّا إذا كانت المحاكم ستتابع ذلك وتعمل على أساسه.

ويسلط الأرشيف الضوء على نظام يستهدف بالبراميل المتفجرة والغارات الجوية المناطق السكنية وحتى المستشفيات في حرب شهدت مقتل ما يقرب من نصف مليون سوري وهروب 5 ملايين شخص.

مشروع "أرشيف الشر"

إن المشروع السري لجمع الأدلة على جرائم حرب الأسد هو من بنات أفكار بيل وايلي (54 سنة)، وهو جندي كندي سابق ومحقق في جرائم الحرب، والذي كان محبطًا في العمل في المحاكم الجنائية الدولية التي وجد أنها بطيئة ومكلفة للغاية.

وقال وايلي إن ما جمعه يثبت "مئات المرات على أن الأسد يسيطر تماما على كل ما يحدث في النظام وهو مسؤول عن القتل أكثر بكثير من تنظيم الدولة". وأضاف: "يا إلهي!، هناك أدلة دامغة ضده."

هذه الوثائق تم جمعها وتهريبها من قبل السوريين داخل البلاد، وقد دفع البعض حياتهم لقاء ذلك في حين ما زال اثنان منهم معتقلين لدى النظام.

في المقر الرئيسي المجهول لـ "ويلي"، مع عدم وجود لوحة تعريفية على الباب أو هواتف على المكتب، تم مسح كل الوثائق الموجودة وصنع نسخة رقمية، وتعيين رمز شريطي (باركود) ورقم.

 

المحقق في جرائم الحرب "بيل ويلي" في مخبأ الوثائق

 

بدأ المشروع في عام 2011 بتمويل بريطاني وبالتعاون مع الجيش السوري الحر، قام ويلي بتدريب 60 متطوعاً، وقال "الشيء المهم الذي أردنا أن نركز عليه هو الوثائق التي تم إصدارها من قبل النظام، لأن ما نحتاجه هو الإدانة".

وثائق تُثبت تورّط بشار الأسد  في جرائم الحرب

لم يكن هناك نقص في الوثائق، فنظام الأسد مثل النازيين، يوثق أفعاله بدقة. وعادة ما يوقع كبار المسئولين على كل وثيقة لأن الأوراق تمر على مكاتبهم، وغالبا ما تحدد الأختام هوية المُوقّع.

وهذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها أي شخص بتوضيح سلسلة القيادة التي تظهر كيف تسير الأمور من الأدنى إلى الأعلى، قال ويلي "الآن لدينا صورة جيدة للغاية تُوضّح كيفية عمل النظام السوري."

وكشفت الوثائق أنه في الأيام الأولى للاحتجاجات في آذار من عام 2011، أسس الأسد خلية مركزية لإدارة الأزمات (خلية الأزمة) بمثابة "مجلس حرب"، يجتمع كل ليلة تقريبا في مكتب في الطابق الأول من مبنى القيادة القطرية لحزب البعث وسط دمشق، لمناقشة استراتيجيات سحق المعارضة، وللقيام بذلك طلبت "خلية الأزمة" معلومات تفصيلية لجان الأمن ووكلاء الاستخبارات حول كل مظاهرة.

وتكشف المستندات الموجودة في المخبأ التقارير الواردة للخلية، والأوامر الصادرة عنها، والتقارير الواردة مرة أخرى حول نجاحهم في قمع المظاهرات.

يقول ويلي: "السؤال هو من يتحكم في خلية الأزمة؟ والأدلة الساحقة تشير على أنه الأسد، حتى لو لم يحضر الاجتماعات، إلا أننا نعرف أنه خصّص دقائق للتوقيع على التوصيات".

وعلى النقيض من التقارير السابقة التي تفيد بأن السلطة الحقيقية هي بيد شقيقه ماهر، قائد الحرس الجمهوري، لكن الوثائق كشفت أن "الأسد ليس صورياً وشكلياً، لديه سلطة بحكم الواقع وبحكم القانون ويمارسها". قال ويلي "الكل يتحدث عن ماهر لكننا لم نعثر على أي شيء يدينه على الإطلاق، لكن لدينا الكثير على بشار، الأمر يشبه اتهام سلوبودان ميلوزيفيتش ، بأنه كان أخرق وغير عملي للغاية.

قال أحد زملاء ويلي إن لديهم مواد أكثر من "محاكمات نورمبرج". ويعرف ويلي هذه السجلات والوثائق جيدا، بعد أن قام بفحصها للحصول على شهادة الدكتوراه في القانون الجنائي الدولي في جامعة "يورك" في تورنتو، والتي بدأ فيها حياته المهنية. وقال: "كان لدى نورمبرج الكثير من الأدلة لأن الدولة الألمانية انهارت، لكن مع التكنولوجيا الحديثة نحن أكثر قدرة على إنشاء قاعدة بيانات". "لم أر أبداً مثل هذه القاعدة الوثائقية القوية لقضية في مسيرتي المهنية."

وقد عُزّزت هذه الوثائق بحوالي 55 ألف صورة تم تهريبها من سوريا على يد ضابط في الشرطة العسكرية معروف باسمه المستعار "قيصر"، وقام هو وفريقه بتصوير جثث المعتقلين -أحيانًا ما يصل إلى 50 صورة في اليوم - في المستشفيات العسكرية وأجهزة الأمن. وكان لكل جثة رقم محدد من أربعة أرقام مكتوب على جبهة الضحية، ورقم آخر يدل على فرع الاستخبارات الذي قُتل فيه المعتقل. وقد تعرض الكثير منهم للضرب والتشويه والحرق والطلقات - وفي بعض الحالات تمت تذويبهم.

 

 

جرائم الأسد لا تقارن بجرائم تنظيم الدولة

مثل هذه الأفعال وصفها الناجون في سوريا من قبل، لكنهم لم يتتبعوا أبداً الأوامر الموقعة التي وافق عليها الأسد. في عام 2014، قامت منظمة ويلي، وهي "اللجنة الدولية للعدالة والمساءلة (CIJA)”، بتوسيع تحقيقاتها لتشمل تنظيم الدولة، وافقت حكومة بغداد مؤخرا على منح وايلي حق الوصول إلى جميع الوثائق التي تم الاستيلاء عليها في العراق وهي في طريقها إلى الأرشفة الرقمية.

وقالت وايلي: "لدى تنظيم الدولة كل الاهتمام في الغرب بسبب الطريقة التي أعلنوا بها أفعالهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وطرقهم الإبداعية في قتل الناس مثل حرقهم وهم أحياء، وكذلك الطريقة التي أظهروا بها الخوف في الغرب". "لكن الغالبية الساحقة من الجرائم التي ارتكبت في سوريا كانت من قبل نظام الأسد، وليس تنظيم الدولة".

هل سيحاكم الأسد على جرائمه؟

مهمة "أرشيف الشر"، يومًا بعد يوم، لا يمكن أن تكون مهمة سهلة – يستمر ويلي بتدخين سيجاره الكوبي وهو يصف ما وجدته فرقه. فقد عمل سابقاً كمحقق في المحاكم الجنائية في رواندا والكونغو ويوغوسلافيا السابقة. وكان أيضا محامي دفاع لصدام حسين بعد اعتقاله.

وقد كلف مشروعه حتى الآن 23 مليون يورو - وهو مبلغ ضئيل مقارنة بميزانية مليار دولار للمحكمة الجنائية الدولية (ICC). أكبر إحباط هو أنه بعد كل هذا العمل والمخاطر، يبدو من غير المرجح أن الأسد سيواجه المحاكمة. أعدت "اللجنة الدولية للعدالة والمساءلة (CIJA)" موجزًا ​​قانونيًا مؤلفًا من 499 صفحة يقدم سجلًا للتعذيب الذي يرعاه النظام والذي لا يمكن تصور مدى وحشيته.

ولكن خلافاً للإبادة الجماعية التي وقعت في البوسنة ورواندا، لا توجد محكمة للحكم على جرائم الحرب في سوريا، ولا يُحتمل أن تكون هناك واحدة في المدى المنظور. فقط مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يمكنه إحالة سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية. وقد منعت روسيا، أقوى حليف لنظام الأسد، أي محاولة للقيام بذلك.

يوق ويلي "لقد كان الأمر محبطًا للغاية، لقد انتظرنا وقتًا طويلاً، فعندما بدأنا اعتقدنا أننا سنرى قريبا الإطاحة ببشار الأسد وتقديمه إلى محكمة جنائية دولية.".. فقد أظهرت الوثائق أيضاً لأي درجة كان نظام الأسد متأرجحاً ومهتزاً، أولاً في عام 2013 عندما تدخل حزب الله، الميليشيا اللبنانية المدعومة من إيران لمساعدته، ثم في عام 2015 قبل دخول الروس بالقوة الجوية.

بدلاً من بعض الملاحقات القضائية البارزة للأسد، سيتم استخدام المعلومات في قضايا قضائية جديدة في جميع أنحاء أوروبا لإدانة أشخاص من المستوى الأدنى من النظام بالإضافة إلى نشطاء تنظيم الدولة الذين فروا إلى أوروبا، على مدار العام الماضي، تلقى وايلي 60 طلبًا تشمل أكثر من 550 مشتبهًا به في المحاكمات القادمة.

ولدى اللجنة وحدة تتبع خاصة بها، وقد حددت عدداً من الجناة الخطيرين جداً الذين دخلوا أوروبا، تم الحصول عليها من أجهزة الاستخبارات الأمنية.

وقال ويلي "سنرى الجناة من المستوى الثالث ضمن النظام يحاكمون في أوروبا... المفارقة هي أننا سنحاكم هذه الطبقة من مسؤولي النظام في أوروبا، في حين أن كبار اللاعبين في دمشق ربما سيفلتون من العقاب".

ويعترف بأنه أصبح من المستحيل الآن الحصول على وثائق من داخل النظام، فأحدثها كان عام 2016، أما لآن فهي تأتي بشكل غير كامل ومجزئ.

سيختتم تحقيق الفريق حول سوريا بحلول نهاية هذا العام، وستتجه مجموعة ويلي إلى التحقيقات في بورما وبوكو حرام في نيجيريا.

لكن وايلي ما زال يصر على أن هذا لم يكن دون جدوى. وقال "أعتقد أن الروس سيجدون في نهاية المطاف أن الأسد مدان ويتحمل المسؤولية وسيقومون بمقايضته للتقارب مع الغرب لتخفيف العقوبات الاقتصادية".

ختم ويلي بقوله "لا أدري ما إذا كانت سنتان أو خمس سنوات، لكنني أعتقد أنه حتى لو بعد 10 سنوات، فإن العدالة ستصل للأسد."