أحلى بشارة؛ أيها الوغد

2019.09.16 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في تصريح له في الثاني عشر من أيلول 2019، يبشّرنا وزير خارجية روسيا، السيد لافروف، بأن "الحرب في سوريا انتهت"؛ ولكنه يستدرك بسرعة، ويقول:.... باستثناء بعض "البؤر"؛ حافظاً بذلك طريق الرجعة لاستراتيجية عاشت عليها منظومة الاستبداد الأسدية، وتعيّش الروس على ما ولّدته من دم ودمار وتشريد خلال السنوات الماضية.

للجزء الأول من قول لافروف دلائل مفرحة لأولئك الذين ذبحتهم الحرب، ودمرت الغالي في حياتهم؛ فهم أساساّ ما أرادوها، ولا اختاروها أداة أو منهجاً لتحقيق أهداف انتفاضتهم على الاستبداد. ولآخرين، ذلك الجزء من قول لافروف مبهجٌ، ويحمل في طياته إشارة إلى أنهم "انتصروا" على "الشعب الإرهابي"؛ لكنه في الوقت نفسه يرسل /برقية نعوة/ تنبئ بأن ما عاش عليه النظام لسنوات، قد انتهى. باختصار جوهر هذا الجزء من كلام لافروف أمنية للسوريين الذين عانوا من ويلات الحرب؛ ويثبت في الوقت ذاته أن هاجسهم ورغبتهم بحل سلمي لا مكان فيه للعسكرة الذي نجح أخيراً؛ وأن اختيار النظام للمواجهة العسكرية، واستقدامه قوى بطش ودمار واحتلال، هو الذي أثبت فشله. ولكن العبارة "اللافروفية" هذه تنبئ بالنهاية لمنظومة الاستبداد، التي ما أبقاها في السلطة إلا استنفار الحرب وديمومتها.

يشكل استدراك لافروف السريع، وإضافته عبارة "بؤر" إلى الجزء الأول من تصريحه نسفاً لمقولته الأساسية بانتهاء الحرب؛ فهو بذا يطمئن منظومة

أين سيجرّب معلمه بوتين أسلحته الجديدة إذا انتهت الحرب؟! وكيف سيحضر ابتزازياً على الساحة الدولية من خلاله أخذه سوريا رهينة؟!

الاستبداد بأن الأمل باستمرار الحرب لازال موجوداً (فهذه البؤر الإرهابية لا بد من اجتثاثها). وفِي الوقت ذاته يقول لأهل سوريا بأن عذاباتهم لم تنتهِ بعد. وربما أكثر من أي جهة أخرى يدرك لافروف أن تلك البؤر التي يتحدث عنها كانت وبالاً على أهل سوريا ونعمة على منظومة الاستبداد والروس حيث قدمت لهم الذريعة المطلوبة؛ ولو انتهت لكانوا في ورطة حقيقية.

عبارة لافروف بأن الحرب في سوريا وضعت أوزارها، لا تصيب فقط نظام الاستبداد، والذين يعانون من ويلات حربه عليهم، بل يصيب روسيا الداعم الأساس لبقاء النظام: فأين سيجرّب معلمه بوتين أسلحته الجديدة إذا انتهت الحرب؟! وكيف سيحضر ابتزازياً على الساحة الدولية من خلاله أخذه سوريا رهينة؟! وكيف يحل ملفاته العالقة دولياً، دون استمرار استعراض القوة على الأرض السورية، حيث هو صاحب الكلمة الفصل هناك؟! وكيف يستطيع أن يضع يديه على المليارات السورية التي سرقها وراكمها نظام الاستبداد لعقود؟! وكيف يغطّي على الخراب الاقتصادي والتهتك الاجتماعي، الذي يضرب روسيا في قلبها؟! من هنا أتى الاستدراك السريع للعبارة، بأنه لا يزال هناك "بؤر" لا بد من استئصالها.

حتى يدعّم عبارته الاستدراكية أكثر، وكدبلوماسي "فاخر"، كان لا بد للسيد لافروف من أن يأتي على ذكر ما ينتظره العالم المراقب والسوريون من الروس؛ وتحديداً / العملية السياسية/، حيث فيها أولاً "الجنى" السياسي الذي لا بد أن تنتهي إليه أي مغامرة دموية. ولكنه للأسف أخرجها لغوياً بأدوات لا شبيه لها إلا أدوات الحرب. فاللعبة الوحيدة المتوفرة بالساحة الآن- والتي لم يبقَ من القرارات الدولية، بخصوص سوريا إلا هي بعد إجهاض روسيا لتلك القرارات في أستانا وسوتشي- هي "" اللجنة الدستورية"". ومعروف أن روسيا تفهتها إلى درجة تتطابق وتتماهى مع ما يريده نظام الاستبداد المريض. قال لافروف إنه لابد من إعلان هذه اللجنة التي " تهدف إلى تطوير الإصلاح الدستوري". هكذا بالحرف. إذن اللجنة بالنسبة للسيد لافروف ليست من أجل إنجاز دستور جديد لسوريا، وليست بوابة لتطبيق مواد أخرى في القرار الدولي 2254 (رغم أنه يأتي على ذكر القرار إياه)، بل "لتطوير الإصلاح الدستوري"؛ وكان "الإصلاح الدستوري" على قدم وساق؛ وكأن هناك دستوراً، ويحتاج فقط لبعض الإصلاح؛ ومهمة هذه اللجنة فقط المساهمة بتطوير ذلك الإصلاح. وبالتأكيد لا يفوت السيد لافروف بأن يشيد ب "المعارضة السلمية" التي طالما سعى إلى نسف مصداقيتها، والحط من قيمتها؛ فهو تماما كمنظومة الاستبداد، وكمعلمه؛ لا يرون في أي شخص يعارض منظومة الاستبداد الأسدية إلا عدواً، وإرهابياً أيضاً. لم يكن ذلك الخطاب من لافروف نابعاً عن سخف أو سذاجة، بل عن خبث وحقارة أيضاً.

كم يميل السوريون ويتمنون أن يكون لافروف صادقاً بإعلانه عن نهاية الحرب. نهايتها بداية تريح السوريين

لافروف سياسي محنك بخبرة دبلوماسية عمرها عقود؛ استهلكت بضع عبارات منه ساعة من وقتنا كي نفندها ونوضح مضامينها وخفاياها؛ ولكنه يبقى جزءاً من عصابة مافيوية يقودها معلمه

من براميل النظام وصواريخ روسيا وطائراتها وداعش وماعش والنصرة؛ إنها تريحهم مما لا يقل أهمية عن ذلك والمتمثل بخلاصهم من وصمة الإرهاب التي صبغهم بها نظام الاستبداد ولافروف ذاته بسبب تلك الأدوات الوسخة والمسمومة التي ابتليوا بها، والتي شكلت الذريعة لذبحهم ودمار بلدهم.

لافروف سياسي محنك بخبرة دبلوماسية عمرها عقود؛ استهلكت بضع عبارات منه ساعة من وقتنا كي نفندها ونوضح مضامينها وخفاياها؛ ولكنه يبقى جزءاً من عصابة مافيوية يقودها معلمه. وإذا كان معلمه يقتل ويدمر بطائراته وجشعه، فهو يحاول القتل بخيط الخبث والفهلوية. لقد آن الأوان لهذا العالم أن يتخلص من هذه الظواهر المرضية. إن هؤلاء آفة على شعوبهم قبل أن يكونوا أدوات قتل في سوريا وغيرها. هذه الروسيا التي يحكمون لن يكون مصيرها مختلفاً عن مصير الاتحاد السوفييتي أو ما سبقه من إمبراطوريات اندثرت بفعل العفن الداخلي. أما سوريا فمصيرها النجاة من براثنهم.