هل يصمت السوريون ؟!

2019.01.03 | 22:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

المتابع لأنشطة الحراك المدني السوري في الدول التي لجأ إليها السوري في الأعوام الماضية هربا" من نظام التوحش الأسدي , لابد أنه لاحظ ضعف المشاركة الشعبية في اللقاءات والاعتصامات والوقفات المناصرة للقضية السورية حيث لم تعد تلقى تبنيا على نطاق واسع وإنما فقط على مستوى نخبوي ضيق أو كمشروع تقوم به منظمة ما وبمجرد انتهائه يغدو ملفا تطويه الأدراج بدل أن يكون قضية تسكن الوجدان .

هناك من يقول إن المجتمعات المهجرة تعاني ماديا والأغلبية من السوريين تكافح من أجل تأمين لقمة العيش، وبالتالي المشاركة في الأنشطة الميدانية ,التي عادة ما يترتب عليها بذل وقت وجهد ومال، يكون متعذرا على الكثير, قد يكون هذا صحيحا لو كنا نتكلم عن حضور الآلاف ولكن حتى حضور بضع مئات كان أمرا صعب المنال في مدينة كغازي عنتاب -على سبيل المثال-  التي تستضيف حوالي400000 سوري, منهم عدة آلاف يعملون في منظمات المجتمع المدني وفي شركات تجارية وغيرها من المهن ذات المردود المقبول أو الجيد وهم قادرون على المشاركة الفاعلة.

الملفت للنظر أن ضعف المناصرة امتد أيضا إلى منصات التواصل الاجتماعي والتي لاتحتاج إلى وقت (إضافي) أو مال أو جهد

والملفت للنظر أن  ضعف المناصرة امتد أيضا إلى منصات التواصل الاجتماعي والتي لاتحتاج إلى وقت (إضافي) أو مال أو جهد, حيث لاتجد تفاعلا وازنا مع القضايا ذات الصلة كالتي تطالب بالإفراج عن المعتقلين أو تفضح الشخصيات  القيادية في هيكلية الآلة العسكرية والأمنية الأسدية التي أصدرت أوامر القصف والإعدامات االميدانية!!

لماذا هذا الفتور والقضية مازالت حية وحقوقنا لم تسترد وجراحنا لم تلتئم  وذاكرتنا ممتلئة وأقرباؤنا وأصدقاؤنا مازالوا  ضحية هذا التوحش يرسلون لنا رسائل الاستغاثة من سجون حماة وحمص  كما حصل في فعالية تم تنظيمها مؤخرا بدعوة من الناشطين السوريين حول المعتقلين والتي كان من المفترض أن تتم بتوقيت واحد بالعديد من المدن الأوروبية وغيرها ممن تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين, إلا أن الحضور كان ضعيفا جدا في بعض المدن وغائبا تماما" في مدن أخرى.

هناك العديد من الأسباب, تقف وراء ضعف المشاركة والاهتمام منها: عدم الإيمان بالجدوى فبعد سبع سنوات لم يجد السوري تجاوبا من الدول الفاعلة تجاه قضيته بل كل ماتم فعله هو محاولة لمعالجة آثارها دون أية مقاربة جدية لأسبابها الرئيسة. وكذلك لم تستطع المؤسسات الممثلة للثورة السورية أن تتجاوب مع مطالب السوريين لعدم امتلاكها القدرة أو الإرادة وبالتالي اقتنع السوري أن صوته غير مسموع فلماذا يتعب نفسه؟

من الأسباب أيضا الاعتيادية لم تعد مشاهد القتل والدمار وأخبار المغيبين والإعدامات في معتقلات الأسد أمرا صادما بل أصبح ضمن الأخبار المعتادة , و الرغبة بالنسيان دفعت العديد ممن عانى ويلات الحرب وشاهد أقرباءه وأصدقاءه يقتلون من حوله  أو عانى من الحصار أو الاعتقال يحاول أن ينسى أو يتناسى ليتعافى نفسيا",كذلك من الأسباب عدم الشعور بالانتماء فبعض السوريين الموجودين  ببلاد اللجوء ليس هروبا" من  الأسد وإنما من الظروف الصعبة المصاحبة للحرب التي ينتظر انتهاءها ليعود إلى سوريا أيا" كان شكل الحكم فيها ديمقراطيا" أو أسديا لافرق عنده , أو خرج إلى دول اللجوء باعتبارها فرصة سانحة ليعيش في دولة أكثر تطورا ورفاهية وبالتالي هؤلاء غير معنيين بالقضية السورية لا من قريب أو بعيد، يضاف إلى ماسبق عوامل تعود إلى قوانين الدول المضيفة وإلى الجهات العاملة على تنظيم الفعاليات والأنشطة الخاصة بمناصرة القضية السورية أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر  :ضعف التحضير, التوقيت الغير مناسب, سوء التنظيم,  وضعف أسلوب عرض القضية من قبل المنصات والناشرين.

ولكن قد يتساءل البعض: لماذا يجب علينا رفع الصوت وفضح جرائم النظام ؟ هل يحتاج العالم إلى أدلة ؟ ألا تكفيه ملفات قيصر وغيرها وآلاف الشهادات والوثائق المسربة ؟ ألا يكفيه لجوء ونزوح وتهجير نصف الشعب السوري عن مناطقه ومدنه ؟

هناك العديد من الأسباب, تقف وراء ضعف المشاركة والاهتمام منها: عدم الإيمان بالجدوى فبعد سبع سنوات لم يجد السوري تجاوبا من الدول الفاعلة تجاه قضيته

باعتقادي لابد من الاستمرار برفع الصوت رغم الخذلان ورغم المعطيات الميدانية السلبية, لأن تماسك  أي شعب ينطلق من تبنيه لقضيته بغض النظر عن اهتمام الآخر بهذه القضية, و إيمانه بحقه هو الروح التي تضمن استمراره وإن عصفت به جرائم الديكتاتور واجتاحته مآسي التهجير لهذا يجب عدم ربط اهتمامنا وتفاعلنا بقضايانا بمدى تفاعل الآخر . فهل كان للسود في أمريكا أن يستردوا حقوقهم في المواطنة والمساواة لو لم يستمروا بمطالباتهم وفضح الممارسات العنصرية من خلال الاحتجاجات ونشر البيانات بالوسائل المتاحة في ذلك الوقت, حيث استمرت مطالبتهم بالحقوق المدنية لعقود كثيرة عانوا خلالها الكثير وأصيبوا بخيبات أمل عديدة دون أن يحرزوا أي تقدم حقيقي  فقد تم اغتيال قادات حراكهم وسن قوانين ظالمة ومهينة من قبل الحكومة , ولكن نتيجة لإصرارهم وتماسكهم أبقوا على قضيتهم حية  ليفرضوا بالنهاية  حلا" عادلا" ومستداما" يؤسس لاستقرار المجتمع وازدهاره. وكذلك حصل في دولة جنوب إفريقيا حيث تم إسقاط نظام الفصل العنصري هناك من خلال الاستمرار بالمطالبة والضغط الداخلي الذي عرى النظام و أحرج دول العالم الحر التي تزعم دعمها لحقوق الإنسان والحريات إلا أنها كانت تتعامى عن تجاوزات نظام الفصل ولكن استمرار نلسون مانديلا وشعبه معه بالكفاح أوصلهم بالنهاية إلى تحقيق هدفهم . قد يقال أن الأمر مختلف بالقضية السورية و هذا الكلام صحيح من ناحية السمات الخاصة بالقضية وطبيعة التدخل الروسي والإيراني ووحشية النظام التي بلغت دركا" لم تبلغه أي أنظمة شمولية أو حتى قوى احتلال خارجية,  إلا أن القصد من الأمثلة أعلاه هو إظهار ضرورة تمسك الشعب بمطالبه المحقة ولو عانى من تجاهل الآخر حتى وإن طالت مسيرته من أجل تحقيق حريته .  

من جهة ثانية فإن مناصرة القضايا المحقة ومن ضمنها القضية السورية والتي تعتبر بامتياز قضية أخلاقية لايجوز الحياد فيها, فهي مسؤولية كل إنسان واع بغض النظر عن قوميته أو دينه, فمن خلال تعبيرنا عن رفض الظلم  تتحقق إنسانيتنا وتتجلى قيمنا على المستوى العام ولايعود سعي الإنسان محصورا" بتحقق وجوده الفردي (فقط).

لابد من الاستمرار برفع الصوت عاليا" والتأكيد على رفض السوريين لنظام الأسد المجرم, هذه الاستمرارية ,ممكنة بحدها الأدنى والتي يمكن لأي سوري أن يكون فاعلا" فيها, تشمل المشاركة في الفعاليات الميدانية والنشر على منصات التواصل الاجتماعي وإيصال حقيقة مايجري إلى الرأي العام في دول اللجوء من خلال دائرة الأصدقاء والزملاء فكما يقال "إن لم تستطع رفع الظلم فأخبر عنه", وإلا فإننا بسلبية تعاطينا مع هذه الملفات لا نخسر معركتنا مع السفاح ومناصريه فقط بل نخسر احترامنا لذواتنا بخضوعنا وقبولنا بأن نعامل كعبيد ليس لدمائهم أو كراماتهم من حرمة ولانجابه من تعدى عليها إلا بصمت الخانعين.