تكتيكات داعش لحكم حلب - 2013

2020.08.04 | 00:03 دمشق

isil_base002.jpg
+A
حجم الخط
-A

جاءت ولادة تنظيم داعش في أبريل \ نيسان عام 2013 كارثية بالنسبة لجبهة النصرة في سوريا، فبعد رفض "الجولاني" (زعيم جبهة النصرة) لإعلان "البغدادي" (زعيم تنظيم داعش) أن النصرة فرع من التنظيم وأنها تعود إليه، دخلَت المناطق المحررة التي كانت تنتشر فيها النصرة في معركة داخلية بين من استجابوا للبغدادي وبين من بقوا مع الجولاني، لتميلَ الكفة بشكل واضح في الشمال السوري لأتباع داعش حتى لم يبقَ للنصرة وجود يُعتَبَرُ فيه، بعد حشدها قوة ضمَّت قيادات من الصف الأول مع بعض الآليات والذخائر اتجهت إلى المنطقة الشرقية، التي حافظَت النصرة فيها على وجودها بفضل جهود الشرعيّ العام لها "أبو مارية القحطاني" الموجود في ريف دير الزور، في حين تباينَت السيطرة بين التنظيمين في المناطق المحررة الأخرى، لكن بصورة أقلّ حدّيّة، حتى استقرّت الأمور بوجود التنظيمين كليهما في المناطق المحرّرة أواسط العام 2013، بعد أن تمكن التنظيم من ضم النسبة الكبرى من المهاجرين الذين كانوا يتوزعون في عشرات المجموعات المقاتلة سابقاً إليه، خاصة المهاجرين من المغرب العربي.

وبينما كانت جبهة النصرة في حلب وريفها قد انكفأَت على نفسها في ما تبقى لها من مقار وفي بعض الجبهات ضد قوات نظام الأسد، كثّف تنظيم داعش من جهوده الإعلامية والدعوية والخدمية في الشمال السوري، متطلعاً لاتخاذ مدينة حلب ركيزة أساسية له، فعمد إلى توسعة نشاطه لضم أتباع جدد متجاوزاً المقاتلين في فصائل الجيش السوري الحر والفصائل الإسلامية، إلى الحواضن المجتمعية في حلب وريفها، فبدأ جهوده في مدينة حلب من الأحياء الشرقية الطرفية (طريق الباب – الميسر – الجزماتي ....)، بداية من ضرب مجموعات الجيش الحر في هذه الأحياء بتهم الفساد والسرقة، سواء كانت هذه التهم صحيحة أو مبالغات استثمرها التنظيم لإفراغ هذه الأحياء من قوة منافسة، مكثفاً فيها نشاطه الخدمي والدعوي، وفاتحاً الباب لليافعين (13-16) سنة الذين كان يركز عليهم في أنشطته، والذين سيتبين لاحقاً أنهم سيكونون قوة التنظيم الضاربة فيما سيلي من مواجهات، مع الفكرة الأساسية التي كانوا يتشربونها في المعسكرات التي يقيمها التنظيم: "نحن لسنا تنظيماً.. بل دولة الإسلام الموعودة".

اقرأ أيضاً مقال سابق للكاتب "نحن الدولة.. تنظيم داعش 2013"  

في حلب 

خلال أشهر قليلة تحول تنظيم داعش في مدينة حلب وريفها من تنظيم ناشئ إلى "غول" يتوسع أسرع بكثير من قدرة باقي التشكيلات في المناطق المحررة على الاستيعاب فضلاً عن المواجهة، مستفيداً بشكل أساسي من جهده الأمني الذي طوّر فيه نظام "البيعة السرية" الذي بدأته النصرة سابقاً، لكن بصورة محدودة جداً مقارنة بالتنظيم.

ونظام البيعة السرية هو أن يكون شخص ما قد بايع أمير التنظيم معترفاً بالولاء له، دون أن يقوم بالإعلان عن ذلك غالباً بطلب من التنظيم نفسه الذي يريد استثمار وجوده خارج التنظيم أمنياً

ونظام البيعة السرية هو أن يكون شخص ما قد بايع أمير التنظيم معترفاً بالولاء له، دون أن يقوم بالإعلان عن ذلك غالباً بطلب من التنظيم نفسه الذي يريد استثمار وجوده خارج التنظيم أمنياً، كما ترافقت توسعة العمل بنظام البيعة السرية هذا، مع انتشار الإشاعات -التي عرفنا لاحقاً أن التنظيم يبثها بشكل منظم- والتي تتحدث بصورة مبالغ فيها عن أعداد المبايعين سراً للتنظيم، والمخترقين للفصائل والمؤسسات الخدمية والإعلامية وحتى القضائية في الشمال.

ليصبح الحديث عن التنظيم -حتى في المجالس الخاصة- أمراً يشوبه الحذر لدى كثيرين، خشية أن يكون أحد الحاضرين من المبايعين سراً فينقل ما جرى للتنظيم، الذي يأتي رده عادة أمنياً بشكل اعتقال للشخص المطلوب، وبات شائعاً في الأوساط العسكرية في مدينة حلب التحفظ على انتقاد التنظيم، بل إني أعرف أحد قادة المجموعات في حلب الذي كان يتعمد كيل المديح للتنظيم، والتصريح برغبته في مبايعته قريباً في كل مجلس يتواجد فيه، بعد أن أوصل إليه أحدهم أن هناك في التنظيم من يتهمه بالعلمانية.

أما صيغة انتقاد التنظيم فكانت تترافق غالباً مع عبارات مثل "كلنا نريد أن نصل إلى الدولة الإسلامية – لا أحد يعترض على شرع الله.. إلخ" تجنباً لوصم الردة أو أي من التصنيفات التي بات معروفاً أن التنظيم يقوم بها داخل جهازه الأمني الذي يمتلك لجنة شرعية خاصة به تطلق أحكامها على الأشخاص بناء على التقارير.

وسط حالة الخوف هذه، تمدد التنظيم داخل مدينة حلب باسطاً سيطرته المباشرة على عدد من المنشآت، ومقيماً محكمة خاصة به كان مقرها مجاوراً للمقر الأساسي للواء التوحيد (أكبر فصائل حلب) ومقر الهيئة الشرعية في حي قاضي عسكر، ولتأكيد سيطرته تعمد التنظيم إقفال الشارع الذي تطل عليه هذه المقار من طرفيه بحواجز تتبع له، ليصبح التنظيم بلا منازع الحاكم الفعلي للمدينة.

 

صورة مرفقة - المقر الأساسي لتنظيم داعش في مدينة حلب 2013.jpg
المقر الرئيسي لتنظيم داعش في مدينة حلب - 2013

 

كما قام التنظيم بنشر عدد من الحواجز في شوارع مفصلية في القسم المحرر من المدينة، بحيث لم يكن ممكناً لأي شخص يتحرك منها إلى خارجها، أو حتى بين أقسامها جنوبية وشمالية إلا أن يمر على أحدها، وهو ما سمح لهم باعتقال عدد من الناشطين والإعلاميين بل والمقاتلين حتى بتهم متفرقة، دون أن ينسى التنظيم فرض شروطه "الشرعية" على المارين عبر هذه الحواجز، فغالباً لم يكن يسمح للنساء أن يتحركن عبرها دون "خمار" يغطي الوجه، أما الرجال فكانوا يتجنبون التدخين أو تشغيل أغنية على مسجل السيارة أثناء المرور عليها، اتقاءً لما قد يفعله المسؤولون عن الحاجز والذي يصل حد الاعتقال.

كان التنظيم يشن عمليات أمنية تهدف لاعتقال أشخاص بعينهم معظمهم من الناشطين والإعلاميين الذين ينشطون ضد التنظيم سواء علناً أو سراً

فضلاً عن ذلك كان التنظيم يشن عمليات أمنية تهدف لاعتقال أشخاص بعينهم معظمهم من الناشطين والإعلاميين الذين ينشطون ضد التنظيم سواء علناً أو سراً، خاصة مع اختراق التنظيم لواحدة من أكبر المؤسسات الإعلامية في المدينة (حلب نيوز) بأحد مؤسسيها (ريان مشعل) الذي بايعهم سراً وبات عيناً لهم على نشاط الإعلاميين في المدينة، فكان من بين الأِشخاص الذين استهدفهم التنظيم في عملياته هذه "أبو مريم" هتّاف حي بستان القصر الذي عرف عنه مناهضته للتنظيم، و"عبد الوهاب الملا" مقدم برنامج "ثورة 3 نجوم"، والذي انتقدهم فيه في إحدى حلقاته، فضلاً عن إعلاميين وناشطين آخرين لا يزال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم.

 

 

شيئاً فشيئاً كان القسم المحرر من مدينة حلب يخضع تدريجياً لسطوة تنظيم داعش، وسط غياب ردود فعل واضحة من التشكيلات العسكرية الكبرى فيها، والتي كانت تبتلع تجاوزات التنظيم حتى بحق منسوبيها، تجنباً لدخول مواجهة مباشرة ضد التنظيم سواء حقناً للدماء أو خشية من بطش التنظيم وجهازه الأمني الذي استطاع بث الرعب في نفوس الجميع في حلب، حتى باتت المدينة مع انقضاء ربع العام 2013 الثالث قد أصبحت تعيش ما يشبه حالة احتلال حقيقي للتنظيم، ضاق بها الخناق على ثوارها ومدنييها على حد سواء، دون أي بوارق أمل في تغيير ممكن في المدى المنظور..

يتبع..

كلمات مفتاحية