icon
التغطية الحية

حصري: شحنة سلاح إيرانية مفقودة في دير الزور تثير جنون إسرائيل

2021.01.14 | 07:35 دمشق

message-editor_1604521217184-screenshot2020-11-04at21.09.39.png
غازي عنتاب - سعد الشارع
+A
حجم الخط
-A

تتركز الضربات الجوية على مواقع الميليشيات الإيرانية بشكل أكبر في الضفة الغربية من نهر الفرات  بمحافظة دير الزور، وسواء كانت هذه الضربات مصدرها طائرات إسرائيلية أو تتبع للولايات المتحدة الأميركية فلا يغير ذلك شيئا من طبيعة الصراع المتشكل في المنطقة، ويأتي هذا التركيز على المنطقة الممتدة من الساتر الحدودي مع العراق عند معبر مدينة البوكمال وصولاً إلى جنوبي مدينة الرقة عند مفرق "البشري"، ومنذ تزايد وتيرة الضربات الجوية في المنطقة كانت تستهدف الجهة الجنوبية من مدن محافظة دير الزور وهي ذاتها المنطقة التي اتخذتها ميليشيات إيران مقارَّ سيطرة وإسناد لحماية العمق الحيوي داخل المدن من خطر هجمات تنظيم الدولة الذي ينشط بقوة انطلاقا من مواطن سيطرته داخل البادية السورية.

ومع تزايد هذه الضربات بدأت الميليشيات باتخاذ خطوات تكتيكية تمثلت بسحب بعض المقار الإدارية إلى داخل المدن، ونقل جزء من مستودعات السلاح والذخيرة إلى الريف الغربي لمدينة دير الزور الذي يعتبر أكثر أمناً -نسبياً- والاعتماد على ميليشيا "حرس القرى" التي شكلتها من أبناء المنطقة كدرع وقائي من هجمات التنظيم، وأنزلت الإعلام والرايات عن بعض المقار وأشركت حضورها مع قوات النظام، كما أوعزت لقادة الميليشيات والشخصيات المحورية في الفصائل بعدم الظهور داخل المقار الجنوبية في الفترة الليلية التي جرت العادة أن تكون موعد الضربات الجوية ولهذا السبب يكون العدد الأكبر من قتلى الضربات الجوية هم من السوريين الموجودين في هذه المقار في الفترة أو كما يُطلق عليه اسم (الورديّة) الليلية.

في السياق ذاته بدأت ميليشيات إيران بحفر أنفاق تصل المقارَّ بعضها ببعض خاصة في جنوبي قرية الهري التي تصل إلى البوابة الشرقية من قاعدة (مجمع الإمام علي) أهم قاعدة عسكرية لإيران في سوريا، وجرت عمليات توسعة للمستودعات الأرضية في معمل مسبق الصنع في مدينة الميادين، ومستودعات عياش غرب بلدة البغيلية، واستبدلت ترميز المحطات اللاسلكية المستخدمة، وغيرت أسماء المواقع إلى أرقام مشابهة للتي تستخدمها قوات النظام، كل هذه التحركات كانت تدل على أن طهران تتحضر لموجة شديدة من الضربات الجوية على المنطقة التي تعد الشريان البري الوحيد الذي يربط مناطق نفوذها بين العراق وسوريا، وهذا ما حصل منتصف ليلة الثلاثاء – الأربعاء.

 

مصادر حصرية عراقية: شحنة سلاح دخلت سوريا وفقدت إسرائيل أثرها

مصادر حصرية من داخل الأراضي العراقية أفادت لموقع تلفزيون سوريا بأن شحنة سلاح مجهولة النوعية (في الغالب صواريخ) محملة في 4 شاحنات، دخلت الأراضي السورية في بداية الأسبوع الحالي بعد أن انطلقت من مشروع الفوسفات الذي يبعد قرابة 20 كم جنوب شرقي بلدة (حصيبة) العراقية.

وبعد دخول هذه الشاحنات الأراضي السورية وصلت معلومات للقوات الأميركية ترجح احتمالية أن تكون هذه الشاحنات تحمل صواريخ مصدرها الحرس الثوري الإيراني، ولم تتمكن فرق الاستخبارات الميدانية من تتبع مسارها بعد مضي أيام على دخولها ولم ترد تأكيدات عن مغادرتها لمحافظة دير الزور، لذلك كان لزاماً على سلاح الجو الإسرائيلي أن ينفذ غارات جوية على قائمة أهداف موسعة يتوقع أن يكون من ضمنها مقرٌّ يحوي هذه الشحنة المجهولة.

ولأن الأمر على درجة عالية من الأهمية كانت المشاركة الأميركية واضحة في هذه العملية من خلال طائرات الاستطلاع الأميركية التي كثفت من حضورها في أجواء الجهة الغربية من العراق قبيل يومين من العملية، ويتضح جلياً أن ما نسبته 90% من المواقع المستهدفة هي مستودعات سلاح أو مواقع يمكن أن تحوي مخازن.

 

photo_2021-01-13_14-28-41 (2).jpg

 

ماذا حصل في العملية الأخيرة؟

في الساعة الأولى من يوم الأربعاء 13 كانون الثاني 2021 نفذ سرب من الطائرات غارات متتالية على مواقع متعددة في عموم محافظة دير الزور، أولى الانفجارات وقعت في (التلة الشرقية) من مجمع الإمام علي، ثم السواتر الغربية في قرية الهري والتي توجد في محيطها مقارَّ لـ (لواء زينبيون) الباكستاني، تلا ذلك انفجارات في جنوب مدينة الميادين استهدف مقارّ (الطلعة) قرب قلعة الرحبة التي تعد منطقة نفوذ (لواء فاطميون) الأفغاني، وما يعرف بغرف المزارع والنقاط الجديدة غربي موقع مسبق الصنع، ليعاد سماع أصوات انفجارات متزامنة في جنوبي البوكمال وتحديداً الطرق المؤدية لمعبر القائم والمعبر العسكري الأول، وفي مدينة دير الزور كانت المفاجأة باستهداف مواقع ضمن المناطق السكنية على أطراف حي هرابش وشارع بور سعيد، ومبنى الأمن العسكري، وبعد عدة دقائق هزت المنطقة انفجارات ضخمة كان سببها استهداف مستودعات عياش التي بقيت أصوات الانفجارات تسمع بعد مغادرة الطيران أجواءَ المنطقة، مما يؤكد انفجار مخازن الذخيرة في المستودعات، كما تم استهداف موقع في جبل الثردة جنوب مطار دير الزور العسكري، بالإضافة إلى مواقع أخرى في مناطق مختلفة من عموم الجهة الجنوبية لبلدات محافظة دير الزور.

 

 

بلغ عدد المواقع المستهدفة نحو 32 موقعاً، بعضها جرى استهدافه بأكثر من غارة جوية، ولا توجد حصيلة نهائية للقتلى، (الأرقام تتراوح بين 80 - 110) والسبب أن بعض المقارّ قد تم تدميرها بشكل كامل ولا يعرف بالضبط عدد العناصر الموجودين فيها، لكن المؤكد أن أكثر من نصف القتلى هم من جنسيات غير سورية، بينهم ثلاثة ضباط (مستشارين) في الحرس الثوري الإيراني.

اقرأ أيضاً: مسؤول الحرس الثوري في دير الزور يصل العراق للقاء ضباط إيرانيين

التحليل الأولي للعملية يُرجّح أنها من تنفيذ طائرات F35 الإسرائيلية مما يعني أن قاعدة القوات الجوية 28 في بئر السبع داخل إسرائيل كانت لها المشاركة الفاعلة (تحوي سربا من هذه الطائرات)، ولم يتم تأكيد أي مشاركة عبر الصواريخ من القواعد الأميركية في منطقة شرق الفرات أو قاعدة التنف العسكرية.

بعد نحو 20 ساعة من تنفيذ العملية حلقت طائرات الاستطلاع بشكل مكثف في أجواء مدينتي البوكمال والميادين، - وهذا الأمر لم يكن معهوداً بعد تنفيذ الغارات سابقاً - في محاولة لرصد نتائج العملية والحصول على تأكيد بتدمير الهدف المفقود، فلا تأكيد على أن العملية حققت مرادها.

 

 

تتميز العملية عن سابقاتها بعدة نقاط أهمها:

  • جرت العادة خلال الأشهر الماضية أن يتم استهداف بين موقع أو أربعة مواقع على أبعد تقدير، في الجهة الجنوبية من المنطقة الممتدة بين مدينتي الميادين والبوكمال، ولم يحصل إلا مرتين (واحدة في البوكمال وأخرى في الميادين) استهداف داخل المدينة، فهذا التنفيذ هو الأول من نوعه (كمّاً) داخل المدن (مدينة دير الزور).
  • أول مرة تشهد المنطقة استهدافاً في وقت استغرق قرابة 40 دقيقة في صورة مشابهة لما حصل سابقاً أثناء استهداف طائرات التحالف لمواقع تنظيم الدولة في مدينة الرقة، وهنا المفارقة المهمة أن هذا النوع من العمليات يتم عندما يكون هناك عناصر ميدانية على الأرض يُمهّد لها الطيران للتقدم، وهذا غير متوفر حالياً في منطقة غربي الفرات.
  • تعمّد استهداف مواقع للنظام السوري، بالطبع تشغل الميليشيات الإيرانية جزءاً من هذه المباني أو تتشارك مع النظام بها (الطابق الثاني في مبنى الأمن العسكري يحوي مكاتب المعلومات المشتركة)، وفي ذلك تأكيد أن الميليشيات الإيرانية في دائرة الاستهداف أينما كانوا داخل سوريا.

الموقف الروسي

تصب هذه العملية في مصلحة روسيا التي تتهيأ للدخول في نديّة ظاهرة ومنافسة صلبة مع إيران، وتحاول موسكو أن تُبقي كفتي الميزان متأرجحة دون أن تميل إلى طرف، فمن جهة هي لا تريد خسارة الحليف الإيراني في هذا الوقت الذي يشهد عدم حسم للملفات العالقة خاصة في الشمال السوري (إدلب وأريافها) واحتمالية اندلاع مواجهات مفتوحة من جديد لذلك الحاجة ماسة لثقل الميليشيات الإيرانية في أي هجوم برّي، لأنّ القناعة الروسية ترى أن الفيلق الخامس ولواء القدس الفلسطيني والقطعات العسكرية من جيش النظام لا تقوى على هذه المواجهة.

ومن جهة أخرى فإن الضغوط الأميركية والإسرائيلية على موسكو للقيام بتعهداتها بضبط إيران في دير الزور كبيرة جداً، وليس أمام روسيا خيارات كثيرة في هذا الجانب، فقد حاولت منذ فترة أن تعيد انتشار قواتها مع الشرطة العسكرية الروسية في مدينة البوكمال، لكن هذه المساعي اصطدمت بحجم الحضور الإيراني الكبير في المنطقة، بل إن هذه الاستراتيجية باتت مفهومة لدى طهران التي هيَّأت أن يكون الاحتفال المركزي في الذكرى السنوية الأولى لمقتل (قاسم سليماني) في مدينة البوكمال وليس أي منطقة أخرى في سوريا.

خريطة المواقع المستهدفة تُوحي بما لا يدع مجالاً للشك بأن تنسيق معلومات هذه العملية اطّلعت عليه روسيا، وإثبات ذلك هو أن عدداً من هذه المواقع التي تم استهدافها يجاور مقارّ روسيا (جبل الثردة، مستودع العجلات قرب المبقرة، مقر في اللواء 137)، وأي خطأ في التنفيذ سترفضه موسكو ولن تكون متعاونة على أقل تقدير في تقديم المعلومات المطلوبة لواشنطن وتل أبيب.

 

تبدل في قواعد الاشتباك أم مناورة جديدة؟

أغلب المؤشرات عن العملية توضح أن الاجتماع الذي حصل في مطعم (ميلانو) بواشنطن يوم الإثنين 11 الشهر الحالي (قبل نحو 35 ساعة من العملية) والذي جمع وزير الخارجية الأميركي "مايك بومبيو" مع رئيس الموساد الإسرائيلي "يوسي كوهين" قد تمت فيه مناقشة العملية، وتحديث آخر المعلومات الاستخبارية عن المنطقة بين الطرفين، بيد أن ما حصل في دير الزور هو توسع في التكتيك العسكري وليس تغيراً في الاستراتيجية المتبعة من قبل أميركا وإسرائيل تُجاه إيران في سوريا، فهي ما زالت مبنية على ثلاثة محددات أساسية، تتمثل بالضغط السياسي، وإحكام العقوبات الاقتصادية، وما تفعله الطائرات من غارات جوية، ويندرج هذا الهجوم الجوي الأخير ضمن المحدد الثالث.

 

 

ولذلك فإن أي تعويل على أن هذا الهجوم الواسع هو انتقال لمستوى آخر من الصراع مع إيران في المنطقة؛ يفتقر إلى الموضوعية، والظرفية الدولية بانتظار تبلور السياسة العامة الأميركية للإدارة الجديدة، ومن هنا تحديداً يبرز مدى الحرص الإسرائيلي على الاستفادة حتى الساعة الأخيرة من وجود الرئيس "ترامب" وتحاول تل أبيب تثبيت برامج الاستهداف وأزمنتها لاعتقادهم أن وجهة النظر الأميركية (الديمقراطيين) قد تكون مغايرة في تعاطيهم مع ملف إيران في سوريا، وهذا ما أكده رئيس حزب الليكود "تساحي هنغبي" محذراً الإدارة الأميركية الجديدة بوجوب ألا "ترضي" إيران وأنَّ تل أبيب لن تتسامح مع الوجود الإيراني العسكري في سوريا. استنتاجاً من هذا التصريح يمكن القول إن إسرائيل ليست لديها مشكلة كبيرة في الوجود الإيراني في سوريا، إنما مشكلتها في شكل هذا الوجود وتموضعه، وما يقلقها بل ويثير جنونها أي معلومة عن نقل صواريخ من العراق إلى سوريا -كما حدث في العملية الأخيرة- غير ذلك يُعدّ ضمن المسيطر عليه.

منذ أكثر من ثلاث سنوات وتحديداً في بداية شهر تشرين الثاني عام 2017 أعاد النظام السوري مع الميليشيات الإيرانية السيطرة على مدينة البوكمال وطرد تنظيم الدولة من آخر معاقله الحضرية في غرب الفرات، وبعدها ليس بكثير بدأت سلسلة الغارات الجوية تتزايد تدريجياً وتستهدف الوجود الإيراني الذي بدأ يتوسع في المنطقة ويستكمل بناء أكبر قاعدة عسكرية له في سوريا (مجمع الإمام علي) وتدرك طهران أن هذه الضربات تعيق عملها في المنطقة وتربك الخطط العسكرية ضد تنظيم الدولة في البوادي (سواء في سوريا أو العراق) وتعطل أحياناً الطرق غير الرسمية التي تستخدمها كمعابر بين البلدين، لكنها لا تشكل تهديداً مطلقاً طالما أنها لم تُقرَن بعنصر تقدمٍ على الأرض، والحقيقة أنه إنْ لم يكن هناك تحركٌ من القواعد الأميركية سواء من شرق الفرات (قاعدة حقل العمر، تل الباغوز) أو من غرب الفرات (قاعدة التنف) فستبقى هذه الضربات ضمن إستراتيجية الوقاية ومنع الاستقرار العسكري الدائم.