icon
التغطية الحية

فصل الشتاء.. الهاجس الأكبر لدى النازحين في الشمال السوري

2021.01.09 | 12:46 دمشق

rts315yi.jpg
إدلب - سونيا العلي
+A
حجم الخط
-A

يعيش آلاف النازحين في الشمال السوري في مخيمات متفرقة متهالكة، يقع معظمها في أراض زراعية، الأمر الذي يجعلها عرضة للغرق مع هطول الأمطار والثلوج في كل فصل شتاء، في وقت تلاشى فيه حلم العودة إلى منازلهم التي سيطرت عليها قوات النظام، وتسلط الفقر الذي يمنعهم من تحسين أوضاعهم الحياتية، ويجبرهم على تجرع مرارة الصبر وقسوة الحياة خلال رحلة نزوحهم التي لم يكتب لها نهاية.

الخيام والمنازل غير المجهزة ملاذ النازحين

غلاء إيجارات المنازل دفع الكثير من النازحين للعيش في المخيمات أو المنازل غير المجهزة لتوفير المبالغ التي يطلبها أصحاب المنازل المؤجرة، وصرفها على تلبية متطلباتهم الحياتية التي أصبح الغلاء الفاحش شعاراً لها.

عبد الله العبيد (50عاماً) يعيش مع زوجته وابنتيه داخل خيمة صغيرة في مخيم بلدة حربنوش، لا تدفع عنهم البرد والعواصف، وعن معاناته يقول لموقع تلفزيون سوريا: "نزحنا من معرة النعمان إلى مدينة تفتناز، ومنها إلى بلدة حربنوش، ونعاني من غرق خيمتنا في فصل الشتاء، فما إن أمطرت السماء هذا العام معلنة قدوم فصل الشتاء، حتى غرقت خيمتنا بالمياه، فوضعنا أوعية وقدوراً تحت قطرات الماء المتسربة من سقف الخيمة، كما ردمنا بعض الرمال حول الخيمة لتمنع دخول المياه إلى الأغطية والسجادة التي فرشناها في أرض الخيمة".

أما أم يوسف (46 عاماً) فليست أفضل حالاً، فهي أم لخمسة أبناء، فقدت زوجها في الحرب، ونزحت من مدينة سراقب إلى مدينة إدلب منذ سنة، واضطرت للعيش في منزل غير مجهز، وعن سبب ذلك تقول لتلفزيون سوريا: "لا قدرة لي على دفع إيجارات المنازل، لذلك اضطررت للسكن في منزل غير مجهز، تهب فيه الرياح من كل جانب، وكأننا نعيش في العراء".

حاولت أم يوسف البحث عن منزل صغير مجهز ورخيص الأجرة، لكن صاحبه طلب مبلغ 50 دولارا أميركيا مقابل كل شهر، مما جعلها تعود إلى منزلها مرغمة. وعن استعدادها لفصل الشتاء تضيف: "قمت بمساعدة أولادي بإغلاق بعض الفتحات الموجودة في الجدران، كما وضعنا بعض النايلون على النوافذ والأبواب".

وسائل التدفئة البديلة

كذلك تزداد معاناة النازحين لتأمين مواد التدفئة مع اقتراب كلّ شتاء، بسبب غلاء المحروقات، والبحث عن حلولٍ بديلة توفر الدفء لهم بأقل التكاليف، حيث لم يعد بمقدور الأهالي تأمين المازوت والغاز والحطب لندرة وجودها وغلاء أثمانها.

الكثير من النازحين توجهوا لاستعمال قشور الفستق الحلبي التي وجدوا فيه بديلاً اقتصادياً ويمنح دفئاً جيداً، دون إصدار رائحة كريهة، كما لا تضطر العائلة إلى شراء مدفأة جديدة، بل من الممكن تعديل المدفأة الموجودة لدى كل عائلة.

علي الكيالي (41 عاماً) نازح إلى مدينة إدلب يتحدث لتلفزيون سوريا: "في السنوات السابقة كنت أستعمل الحطب في التدفئة، ولكن كثرة الطلب عليه أدى إلى نقص مخزونه وتضاعف أسعاره، لذلك قمت هذا العام بشراء طن واحد من قشور الفستق الحلبي بمبلغ 140 دولارا أميركيا، كما عدلت مدفأة المازوت الموجودة لدي، لتعمل على قشور الفستق".

 

التدفئة بقشور الفستق رائجة في ادلب - تلفزيون سوريا.jpg

 

موضحًا أن الطن الواحد من قشور الفستق اليابس يكفي العائلة لشتاء كامل، وهذا ما لا يمكن أن يوفره طن الحطب أو برميل المازوت.

كما يلجأ معظم الأهالي إلى التدفئة بمادة (البيرين) المستخرجة من مخلفات عصر الزيتون؛ بسبب رخص ثمنها، علماً أن استخدامها في الماضي كان مقتصراً على تدفئة المداجن.

أيمن المصطفى (50 عاماً) من مدينة حارم مالك مصنع للبيرين يتحدث لتلفزيون سوريا بقوله: "مادة البيرين أصبحت مطلباً لمعظم أهالي إدلب والنازحين إليها، منذ ثلاثة أعوام تقريباً، نظراً لانخفاض سعرها، وطول فترة اشتعالها في المدافئ، حيث نقوم في المعمل بجلب مادة البيرين من معاصر الزيتون المنتشرة في المحافظة، وضغط المادة على شكل قوالب، ومن ثم بيعها للسكان لاستخدامها في التدفئة".

 

البيرين يستخرج من الزيتون للتدفئة في الشمال السوري- تلفزيون سوريا.jpg

 

كذلك روث الحيوانات أصبح مادة للتدفئة لدى المزارعين ومربي المواشي، ويطلق عليه اسم "الجلّة" حيث يقومون بخلط روث الحيوانات بالماء مع إضافة القش الجاف إليه. ويتم تشكيل الخليط بعد مزجه جيداً على نحو دائري، ثم يجفف تحت أشعة الشمس ليتم تخزينه بعدها في مكان جاف منعاً لتعرضه للرطوبة.

 

الجلة من روث الحيوانات تستخدم للتدفئة وطهي الطعام في الشمال السوري - تلفزيون سوريا.jpg

 

أم علاء (35 عاماً) من ريف إدلب تقول: "نزحت من بلدة سنجار إلى مخيم بمنطقة دير حسان، وأربي في خيمة مجاورة بقرة هي مصدر رزقنا الوحيد، ونعتاش من مردودها، كما أقوم خلال فصل الصيف بجمع الروث وتعريضه لأشعة الشمس لاستعماله في التدفئة شتاء".

وعن الأضرار تقول أم علاء: "يصدر احتراق الجلة دخاناً كثيفاً وروائح كريهة، كما يؤدي لإصابة أولادي الصغار بالسعال والأمراض التنفسية، ولكن لا خيار أمامي إلا أن أستعمل ما هو متاح لنا بالمجان لنقاوم البرد الذي لا يرحم".

اقرأ أيضاً: روث حيوانات وبلاستيك.. التدفئة الصحية ترف في زمن التهجير |صور

كما تضطر كثير من الأسر النازحة لحرق الألبسة والأحذية القديمة في المدافئ في ظل انخفاض درجات الحرارة، حيث يلجؤون إلى محال الألبسة المستعملة لشرائها بأسعار مقبولة مقارنة بالوسائل الأخرى.

ولعل جميع خيارات التدفئة تنعدم لدى البعض، ومنهم أم حسام (30 عاماً) التي ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ ﺇﺧﻔﺎﺀ ﺣﺰﻧﻬﺎ ﻭﻗﻠﺔ ﺣﻴﻠﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻤﻞ ﺃﻋﺒﺎﺀ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺍﻟﻨﺰﻭﺡ، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻓﻘﺪﺕ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﻋﺎﻡ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﻘﺼﻒ ﻋﻠﻰ مدينة معرة النعمان، ﻭﻋﺒﺮﺕ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻗﺎﺋﻠﺔ: "ﻻ أمتلك المال لتوفير الدفء، وﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﻟﻴﺲ ﺑﺈﻣﻜﺎني ﺗﺄﻣﻴﻦ ﺣﺘﻰ ﺃﻟﺒﺴﺔ ﺷﺘﻮﻳﺔ ﻷﺑﻨﺎئي ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ يتجاوز عمر أكبرهم ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ، لذلك أرسلهم إلى مكبات القمامة والجبال القريبة ﺑﺸﻜﻞ ﻳﻮﻣﻲ لجمع ﺃﻛﻴﺎﺱ ﺍﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ والملابس المهترئة، ﻭﺑﻌﺾ ﺃﻋﻮﺍﺩ ﺍﻟﻘﺶ ﻛﻮﻗﻮﺩ ﻟﻠﺘﺪﻓﺌﺔ ﻟﻴلاً".

مناشدات لدعم النازحين

تزداد مناﺷﺪﺍﺕ النازحين للمنظمات الإنسانية لتقديم مواد التدفئة لهم، ﻭﺍﺗﺨﺎﺫ ﺍﻟﺘﺪﺍﺑﻴﺮ ﺍﻟﻼﺯﻣﺔ ﻟﻠﺤﺪ ﻣﻦ ﺃﺛﺮ ﺍﻟﻌﻮﺍﺻﻒ ﻭﺍﻷﻣﻄﺎﺭ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﺮﻣﻴﻢ ﺍﻟﺨﻴﻢ ﺍﻟﻤﻬﺘﺮﺋﺔ ﺑﻔﻌﻞ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﻄﻘﺲ، ﻭﻓﺮﺵ ﻃﺮﻗﺎﺕ ﺍلمخيمات، لتخفيف أثر الأوحال والسيول التي تجرف الخيام.

أسعد العمر (45 عاماً) مدير مخيم عشوائي في منطقة دير حسان يناشد المنظمات الإنسانية بإصلاح الطرق في المخيم، وعن ذلك يقول: "في الشتاء نعاني من الطرقات الموحلة، وانتشار الحفر التي تتجمع فيها مياه الأمطار، وشح وسائل التدفئة، لذلك نطالب أهل الخير والمنظمات باتخاذ التدابير اللازمة للحد من أثر العواصف والأمطار من خلال ترميم الخيم المهترئة، وتركيب العوازل المطرية، إلى جانب فرش طرقات المخيم وإنشاء قنوات لتصريف المياه، فضلاً عن حاجة النازحين للملابس الشتوية والمواد الغذائية".

 

تزداد معاناة النازحين في الشتاء - تلفزيون سوريا.jpg

 

يكابد النازحون في الشمال السوري مأساة الشتاء وقسوته في ظل نقص المواد الأساسية والمساعدات الإنسانية، لذلك يبتكرون وسائل بديلة ورخيصة الثمن، تتلاءم مع إمكاناتهم، رغبة منهم بدرء البرد والمرض عن أطفالهم، في ظل طول أمد الحرب الذي جعلت معظمهم يعيش تحت خط الفقر.