icon
التغطية الحية

لقاح كورونا أنقذ طبيباً سورياً من الترحيل خارج بريطانيا

2021.01.08 | 04:47 دمشق

2020-12-17t115040z_550790112_rc2zok9drk9g_rtrmadp_3_ealth-coronavirus-britain-mckellen.jpg
الممثل إيان ماكيلين يتلقى لقاح COVID-19 في مستشفى جامعة كوين ماري في لندن- رويترز
نوذيرن إيكو- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أقام الطبيب بشار الهنا البالغ من العمر 36 عاماً في دارلينغتون منذ آذار 2019 بعدما أمضى سبع سنوات وهو يبحث عن ملاذ يضمه في العديد من الدول بما أنه لا يستطيع العودة إلى سوريا بسبب الحرب القائمة فيها.

ولهذا كان من المفترض أن يتم ترحيله في آذار 2020، بعد رفض طلب اللجوء الأول الذي قدمه في بريطانيا، إلا أنه تم إلغاء رحلة المغادرة التي كان يجب أن يكون هذا الطبيب ضمنها، وذلك عندما فرضت أول عملية إغلاق في تلك البلاد، وهكذا بقي وضع هذا الطبيب معلقاً وأصبح يشكو العوز والفاقة، ولهذا نقل إلى مركز مساعدة مخصص لمجموعة من اللاجئين، وتبنى قضيته النائب بيتر غيبسون أمام البرلمان.

وعن تلك التجربة يقول بشار: "مقارنة بأصدقائي، أعتقد بأني الأوفر حظاً بينهم" فقد حصل على شهادة في الطب والجراحة، ثم يتابع بالقول: "لكني أحمل صداقتهم معي أنى ذهبت، بما أنهم استقبلوني عندما فقدت كل شيء، وتعاملوا معي وكأنهم أهلي".

واليوم حصل الدكتور بشار على إذن يقضي ببقائه في المملكة المتحدة لمدة خمس سنوات، ولهذا يدرس حتى يتم تسجيله كطبيب فيها، إلى جانب أنه تقدم بطلب للانضمام إلى برنامج التطعيم الشامل الذي تديره منظومة الصحة العامة في بريطانيا.

ويحدثنا النائب غيبسون الذي التقى بالدكتور بشار بعد يوم واحد من انتخابه في شهر كانون الأول الماضي فيقول: "ذهلت عندما وجدت الشخص الذي أحتاج لأن أقدم له أكبر مساعدة بوسعي أن أقدمها لأنه من ذلك النوع الذي نرغب جميعاً بأن يبقى في بلادنا ليمد يد العون إلى منظومة الصحة العامة".

إلا أن الدكتور بشار يقول: "لا أحد يريد شخصاً آخر بحاجة إلى مساعدة، هذا كل ما في الأمر، وأعني بذلك الجميع". فقد أمضى ذلك الطبيب ردحاً طويلاً من العقد الماضي وهو يبحث عن مكان ومجتمع آمن ليقدم له مساهماته بعيداً عن بلده سوريا الذي مزقته الحرب.

ويعلق على تجربته بالقول: "حتى هنا وصلني رفض في المرة الأولى والثانية، وكنت أعول على شخص يعتبرني لاجئاً، وبحاجة إلى ملاذ آمن، كنت بحاجة لمن يعتبرني شخصاً لا يمكنه العودة إلى بلده، وبحاجة إلى معالجة. بيد أنني لم أتمكن من إقناعهم بوضعي بسهولة".

ولكن بعد التخلص من الترحيل من المملكة المتحدة بسبب الإغلاق، وبعدما انتهت الأشهر التي عانى فيها من الفقر والعوز بدارلينغتون بفضل اللطف الذي أبداه تجاهه بعض الغرباء، حصل هذا الطبيب أخيراً على إذن بالبقاء ويأمل أن يبدأ العمل لدى منظومة الصحة العامة قريباً ضمن برنامج اللقاح الشامل.

ولد بشار في دمشق عام 1984، وشجعته أسرته على دراسة الطب في السودان في إحدى الجامعات الشهيرة هناك.

ولكن خلال فترة دراسته، قام بشار الأسد بقمع المظاهرات التي خرجت ضد حكومته في سوريا، ما أشعل فتيل حرب قتل فيها حوالي 500 ألف إنسان وهجر بسببها خمسة ملايين سوري من أصل 21 مليون نسمة، وهكذا تحول هؤلاء إلى لاجئين.

وعن ذلك يخبرنا بشار: "يريد النظام أن يبقى في السلطة، ولا نريد لذلك أن يتم" وفي إشارة لأسرته يقول: "كنا نقدم الأدوية والضماد للجرحى من أبناء شعبنا، وهذا كل ما قمنا به، ولكن تم اتهامنا بتقويض الحكومة القائمة، حيث قالوا لنا: بما أنهم يقاتلون لذا يستحقون الموت. ولهذا أصبحنا مطلوبين في بلدنا".

اضطرت أسرة بشار إلى الهروب من سوريا، وهي اليوم تسعى في مناكب هذه الأرض، وعن ذلك يقول بشار: "أسرتي موزعة في مختلف أنحاء العالم على هذه الخريطة".

وبمجرد أن تخرج بشار من السودان، أخذ يحضر لنيل شهادة الماجستير في ماليزيا، لكنه لم يتمكن من البقاء هناك، ثم وجد عملاً في أحد المشافي بالقاهرة، لكنه لم يتمكن من البقاء هناك أيضاً.

270374586.gallery.jpg

 

ويتابع بشار سرد قصته بالقول: "بدأت بالترحال في عام 2014، إذ كنت أحاول أن أجد مكاناً يسمح لي بالإقامة فيه، فكان آخر مكان يسمح لي بذلك هو تركيا، وذلك لأن كل الدول أصبحت تطلب سمة دخول، واليوم حتى تركيا باتت تطلب سمة دخول هي أيضاً".

وهكذا حصل بشار على منحة لإكمال دراسته العليا في جامعات براغ ببلاروسيا، لكنه لم يتمكن من الحصول على سمة دخول لدولة التشيك، وعندما وصل إلى بيلاروسيا اكتشف بأنه لا يمكنه البقاء هناك.

وعن ذلك يقول: "لقد خدعت، وهكذا وصلت إلى الحضيض، ولم يعد لدي شيء لأخسره، ولهذا قررت أن أمضي إلى أوروبا عبر بولندا ومنها إلى ألمانيا، غير أن ألمانيا أعادتني إلى بولندا، فتوجهت إلى إستونيا، وجربت دخول ألمانيا مجدداً... كنت أقوم بكل شيء، وعملت في كل مكان، إذ كنت أقوم بأي شيء حتى أعيل نفسي. حتى إنني كنت أعزف على العود، وأعزف الموسيقا للناس، إذ كنا جميعاً نعزف الموسيقا في سوريا، عندما كانت السعادة تخيم على بلدنا".

وبعد عودته إلى بولندا، عمل بشار بإدارة المحتوى عبر الشابكة، إلى أن عادت إليه تلك الحالة الصحية، فخسر وظيفته. وبموجب لائحة دبلن، وبما أن بولندا كانت النقطة التي دخل منها إلى أوروبا، لذا يتعين على هذه الدولة أن تصنف وضعه كلاجئ، بيد أن بولندا لم تكن تريد لاجئاً بحاجة للعلاج الطبي على أراضيها.

وحول ذلك يعلق بالقول: " لا أحد يريد شخصاً آخر بحاجة إلى مساعدة، هذا كل ما في الأمر، وأعني بذلك الجميع".

بعد ذلك توجه إلى أيرلندا على أمل أن يحظى باستقبال ألطف فيها، والتي أخبروه عنها أنها يمكن أن تقبل تسجيله كطبيب، ولكن بمجرد وصوله، اكتشف بأن الامتحان الذي لابد له أن يجتازه لم يعد يقام هناك، ولهذا قام في شهر كانون الثاني من عام 2019 بتسليم نفسه إلى السلطات البريطانية في أيرلندا الشمالية.

ويخبرنا عما حدث له بعد ذلك فيقول: "أرسلوني إلى مهجع خاص في ديربي ومن هناك تم فرزنا، حيث أرسلوني إلى غرفة في بيت له شرفة واسعة، لأنتظر هناك موعد مقابلتي الأولى". وبما أنهم لم يسمحوا له بالعمل، لذا كان يحصل على 5 جنيهات إسترلينية في اليوم ليعيش عليها، إلا أن ما كان يشعره بالأمان هو عوده الذي تم شحنه إليه، ولهذا يقول: "كنت أترك عودي عند صديق كلما سافرت، وعندما أتعرف على صديق جديد، أطلب من الصديق القديم أن يرسل لي العود. وهكذا سافرت وتنقلت كثيراً، وتنقل هذا العود معي، إلى أن وصل إلى دارلينغتون خلال السنة الفائتة، فكنت أستمتع بالذهاب برفقته إلى النوادي الشعبية في بريطانيا وكوبر بيتش".

ولم يكن يحمل معه من متعلقات أخرى سوى هاتفه النقال وعقد أعطته إياه أمه حتى يبيعه، ولهذا يقول: "قالت لي: استعن به عندما تحتاجه، وبعد تجربتي مع ألمانيا، أي عندما أعادوني إلى بولندا، كنت على وشك بيعه، إلا أن أصدقائي ساعدوني كثيراً، ولحسن الحظ لم أقم ببيع هذا العقد".

ولكن ألمت به مصيبة أخرى في أوائل عام 2020، عندما قررت وزارة الداخلية في بريطانيا بأن بشار لا يحق له الإقامة في المملكة المتحدة، وبأنه لابد من ترحيله، ولكن ليس إلى سوريا، لأنها ليست آمنة، بل إلى بولندا من جديد.

وعن ذلك يقول: "لسبب ما، لم يتمكنوا من إيجاد وثائقي الثبوتية، فاستخدموا عبارة: في الموضع الخطأ، وعندما وجدوها، اتصلوا بي في ذلك اليوم وأخبروني أن موعد رحلتي بالطائرة سيكون يوم الإثنين، وفي اليوم التالي فرضت حالة الإغلاق الأولى في البلاد".

وهكذا لم يسمح حتى لطالبي اللجوء الذين لم تقبل طلباتهم بمغادرة البلاد في أواخر شهر آذار، أي أن كوفيد أخر تنفيذ القرار بحق بشار، لكن حرمه من مبلغ 5 جنيهات إسترلينية التي كان يتقاضاها، وعن ذلك يقول: "أصبحت معدماً، ولهذا قرروا أن يرسلوني إلى أي مكان في أي مخيم، إلا أن فران ومارتن وود من جمعية دارلينغتون لمساعدة اللاجئين، احتضنوني عندما فقدت كل شيء، وعاملوني وكأنهم أهل لي. ثم أخذني فران لمقابلة بيتر غيبسون، والذي ساعدني كثيراً، بما أنه كان يتوق للمساعدة، والابتسامة دوماً على محياه".

بيد أن قضية بشار تعقدت أكثر مع انتهاء فترة الإغلاق والحجر، فقد انتهت المدة المحددة لأوراقه الثبوتية، ولكن بمساعدة ذلك النائب البرلماني تمكن من إقناع وزارة الداخلية بمنحه إذناً للبقاء في البلاد، وهكذا بدأ بالدراسة للامتحانات حتى يتمكن من التسجيل لدى المجلس الطبي العام في بريطانيا.

ثم تقدم للحصول على عمل ضمن برنامج التطعيم الشامل لدى منظومة الصحة العامة، وهنا يقول: "ستكون فرصة رائعة إن حصلت على عمل في مشفى، نظراً لأنه عمل في غاية الأهمية، وأنا جد محظوظ".

المصدر: نوذيرن إيكو