قمة المصالحة الخليجية: ظروفها ودلالات التوقيت

2021.01.08 | 00:12 دمشق

2021-01-06t174736z_1998144326_rc2h2l97bf6u_rtrmadp_3_gulf-qatar.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد ثلاثة وأربعين شهرًا من أزمةٍ عصفت بمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكادت أن تؤدي إلى تفككه، أنهت القمة الخليجية الحادية والأربعون التي عقدت في الخامس من كانون الثاني/ يناير 2021، في مدينة العلا، الواقعة شمال غرب السعودية، حصار قطر، وأصدرت بيانًا أكدت فيه "وقوف دول مجلس التعاون الخليجي صفًا واحدًا في مواجهة أي تهديد تتعرض له أي من دول المجلس"، و"عدم المساس بسيادة أي دولة أو استهداف أمنها". وبحسب وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، فإن "مخرجات القمة أكدت طيًا كاملًا لنقاط الخلاف مع قطر"، وعودة كاملة للعلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، من جهة، وقطر من جهة ثانية. وقد أثار حل الأزمة ردود فعل إيجابية بإجماع عربي ودولي.

بداية الأزمة

انطلقت الأزمة الخليجية بعد يومين فقط من القمة العربية – الإسلامية - الأميركية التي عقدت في الرياض يومي 20 و21 أيار/ مايو 2017، وحضرها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى جانب ممثلي نحو 50 من الدول العربية والإسلامية، والتي كان هدفها المعلن مواجهة الإرهاب واحتواء إيران. ففي ليلة 24 أيار/ مايو، وقع اختراق مدبّر لوكالة الأنباء القطرية ونشر تصريحات مختلقة منسوبة إلى أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال حفل تخريج طلاب إحدى الكليات العسكرية، اتخذت ذريعة لإطلاق الأزمة. وعلى الأثر، انطلقت حملة إعلامية غير مسبوقة استهدفت قطر، وبلغت ذروتها بإعلان السعودية والإمارات والبحرين، إلى جانب مصر، قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر يوم 5 حزيران/ يونيو 2017. كما تضمنت الإجراءات أيضًا إغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية معها، ومنع العبور في أراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية، ومنع مواطنيها من السفر إلى قطر.

لم تكن هذه الأزمة الأولى بين قطر وجاراتها الخليجية؛ إذ سبق للدول الثلاث أن سحبت سفراءها من الدوحة في شباط/ فبراير 2014. ومثّل حينها الخلاف على الموقف من الانقلاب العسكري في مصر الذي أطاح نظام الرئيس المنتخب، محمد مرسي، في 3 تموز/ يوليو 2013، السبب المباشر للأزمة. لكن الوساطة التي قامت بها الكويت في ذلك الوقت نجحت في احتواء الأزمة، وتمّ التوصل إلى اتفاق الرياض الأول ثم اتفاق الرياض التكميلي، بعد مفاوضات استغرقت نحو ثمانية أشهر. انتهت الأزمة وقتها عند هذا الحد، فأعيد سفراء السعودية والإمارات والبحرين إلى الدوحة، وعقدت قمة الدوحة الخليجية الخامسة والثلاثون في 9 و10 كانون الأول/ ديسمبر 2014، بحضور جميع الدول الأعضاء. لم تتخذ الأزمة الخليجية في ذلك الوقت أبعادًا أكبر؛ نتيجة حالة القلق التي انتابت عواصم الدول (التي فرضت الحصار لاحقًا) من سياسات إدارة الرئيس، باراك أوباما، في المنطقة. وقد أدت سياسات أوباما الاسترضائية تجاه إيران، وشعورٌ خليجي بالتخلي الأميركي، إضافة إلى تنامي سياسات الهيمنة الإيرانية، إلى إحساسٍ خليجي عام بالضعف؛ ما دفع السعودية والإمارات تحديدًا إلى تأجيل خلافاتهما مع قطر، وخصوصًا في ضوء الحاجة إلى دعم قطر الإعلامي والمالي والعسكري مع بدء الحرب في اليمن مطلع عام 2015.

مركزية العامل الأميركي بين صعود ترامب وسقوطه

مثّل وصول إدارة الرئيس ترامب إلى السلطة مطلع عام 2017 تغيرًا كبيرًا في الظرف الدولي؛ إذ رأت الدول الأربع في انتهاء حقبة أوباما والديمقراطيين فرصة لعودة الشراكة الكاملة مع واشنطن، بعد التوترات التي أصابتها، بسبب ثورات الربيع العربي والتقارب الأميركي - الإيراني. وساهم في المضي في هذا الاتجاه العداء الصريح الذي أبداه ترامب لإرث حقبة أوباما بمجمله، باتخاذ موقف سلبي من الاتفاق النووي مع إيران وبتجاهل مطلق لقضايا الديمقراطية وحقوق الأنسان.

اتجهت قطر منذ بداية الأزمة إلى محاولة تغيير موقف الرئيس ترامب؛ باعتباره عامل القوة الرئيس الذي استندت إليه الدول الأربع في هجومها على قطر، كما عملت في الكونغرس على مواجهة لوبي منسق إسرائيلي - إماراتي. وتمكنت من حصد نتائج العمل المكثف في واشنطن، خلال اجتماع القمة الأخير الذي عقده الرئيس ترامب مع أمير قطر، في تموز/ يوليو 2019. وانعكس التغيير في موقف الرئيس ترامب من الأزمة الخليجية بوضوح، في البيان المشترك الذي صدر عقب محادثات الطرفين في البيت الأبيض، في تأكيده "أن العلاقة الاستراتيجية والدفاعية الوثيقة تعززت بين البلدين".

ظهرت ترجمة تغيير موقف الرئيس ترامب من الأزمة الخليجية بانتقاله من داعم لسياسات الدول التي فرضت الحصار، بل ومحفز لها في بداية الأزمة، إلى وسيط في حلها، إلى جانب الكويت. وحتى ذلك الحين، لم توفق وساطة الكويت في إحداث أي تغيير في موقف الدول الأربع من دون دعم أميركي. وخلال السنوات الثلاث التالية، سعت الولايات المتحدة الأميركية، بدرجات متفاوتة من الجدية، للتوصل إلى حل للأزمة، حتى توّجت جهودها أخيرًا بالتوصل إلى اتفاق أدى فيه صهر الرئيس ومستشاره، جاريد كوشنر، دورًا رئيسًا في الوساطة بين قطر والسعودية، بالتنسيق مع الكويت وبمعرفتها واطلاعها. وقد حقق التواصل السعودي - القطري المباشر اختراقًا مهمًا، إبان جولة كوشنر الأخيرة على أطراف الأزمة، مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2020. واتفق الطرفان على صيغة إعلان مشترك. وتولّت السعودية إقناع الدول الثلاث الأخرى بالموافقة عليه. وسمح التوصل إلى هذه الصيغة بعقد القمة الخليجية الحادية والأربعين في مدينة العلا السعودية، بدلًا من المنامة، بحضور أمير قطر. ورغم أن اتفاقًا تم التوصل إليه في مطلع كانون الأول/ ديسمبر، نتيجة مفاوضات اقتصرت على قطر والسعودية، فإن الإعلان عنه تأخر إلى أن تمكنت السعودية من إقناع حلفائها بعدم جدوى الاستمرار في مقاومة الحل؛ لأن الأزمة باتت تشكل عبئًا لا جدوى من استمرار حمله. وسوف تعالج بعض الخلافات الثنائية بين الدول، كما في حالة مصر وقطر مثلًا، في لجان ثنائية.

دلالات توقيت انتهاء الأزمة

رغم الجهود التي بذلتها الكويت والولايات المتحدة، خلال السنوات الثلاث الماضية، لم يحصل تقدم حقيقي على صعيد الحل. وبرزت خلال عام 2019 أكثر من مناسبة تزايدت فيها الآمال في إمكان حصول اختراق يؤدي إلى إنهاء الأزمة؛ فقد شاركت قطر مرتين على مستوى رئيس الحكومة في قمم عقدت في السعودية، هي قمم مكة الثلاث في أيار/ مايو 2019، وقمة مجلس التعاون في الرياض في كانون الأول/ ديسمبر 2019، إضافة الى زيارة سرية قام بها وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إلى الرياض أواخر عام 2019، ومع ذلك لم يحصل تجاوز للأزمة. ولم تلق دعوات قطر لرفع الحصار وتوحيد جهود دول مجلس التعاون في مواجهة وباء كورونا المستجد (كوفيد-19) آذانًا صاغية.

لكن الظروف تغيرت على نحوٍ كبير، بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020؛ إذ أدت خسارة الرئيس ترامب وفوز منافسه الديمقراطي، جو بايدن، إلى تغيير كبير في الحسابات السعودية تحديدًا. فقد أخذت الرياض تعيد النظر في بعض السياسات، وتسعى لإغلاق بعض الملفات الإقليمية المفتوحة. وتتوقع السعودية، التي ارتبطت بعلاقات قوية مع إدارة ترامب، أن تواجه ضغوطًا تحت إدارة بايدن الذي لم يخف خلال حملته الانتخابية توجهه إلى إعادة النظر في عدد من السياسات المرتبطة بالعلاقة مع السعودية، مثل مبيعات السلاح، وقضايا حقوق الإنسان، ودعم واشنطن للحرب في اليمن؛ فقاعدة الرئيس المنتخب، خاصة في أقصى اليسار، تضغط في اتجاه سحب الدعم الأميركي للسعودية في هذه الحرب والعمل على إنهائها. وعلاوة على ذلك، تتوجس السعودية من احتمالات العودة إلى سياسات إدارة أوباما بخصوص العلاقة مع إيران؛ إذ كان الرئيس المنتخب قد وعد بالعودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب في أيار/ مايو 2018، وما يعنيه ذلك من إنهاءٍ لسياسة الضغوط القصوى التي اعتمدها ترامب تجاه إيران؛ وهو أمر لا تقابله السعودية بارتياح.

بناء عليه، تحاول السعودية استباق أي ضغوط يمكن أن تمارسها عليها الإدارة الأميركية الجديدة، في أكثر من اتجاه، من خلال إعادة النظر في بعض السياسات التي ثبت عدم جدواها، وعلى رأسها قرار حصار قطر. ويمكن تفسير الاندفاعة السعودية إلى إنهاء الأزمة داخل البيت الخليجي أيضًا برغبتها في إظهار استقلالية سياستها الخارجية، وعدم تأثرها بأية ضغوط، وبيان أن قرار حل الأزمة مع قطر هو قرار سيادي خاص بها وهي التي تقرر بشأنه. كما أعطت السعودية بقرارها حل الأزمة مع قطر، رغم معارضة حلفائها غير المخفية، كلّ لأسبابه، انطباعًا بأنها هي الدولة القائدة في مجلس التعاون، وأنها بصدد استعادة مكانتها باعتبارها الدولة ذات الثقل الأكبر في المنطقة، وأن في مقدورها جمع الفرقاء وطي صفحة الخلافات بين حلفائها.

أما إدارة الرئيس ترامب، فتأتي جهودها الحثيثة لإنهاء الأزمة الخليجية في أيامها الأخيرة في الحكم في سياق سياسة الضغوط القصوى التي تمارسها على إيران، وترى إدارة ترامب أن المصالحة تؤدي إلى توحيد الصف الخليجي ضد إيران، كما تدرك هذه الإدارة أنها مسؤولة إلى حد بعيد عن بداية الأزمة وترغب في الخروج بإرث مسؤول في السياسة الدولية على الأقل. من هنا، ضغطت على الدول الخليجية، خاصة السعودية، لإنهاء الأزمة. وكانت وسائل إعلام أميركية ذكرت أن كوشنر نجح في إقناع السعودية الصيف الماضي بفتح مجالها الجوي أمام الخطوط القطرية، بهدف حرمان إيران من 133 مليون دولار سنويًا تعود عليها من استخدام قطر لأجوائها، وتشديد الضغط عليها، لكن الإمارات عارضت الفكرة؛ ما أدى إلى سقوطها.

استجابت قطر لرغبة السعودية في إنهاء الأزمة قبل وصول إدارة بايدن إلى البيت الأبيض، وبخاصة بعد أن أسقطت الرياض الشروط الـثلاثة عشر التي كانت وضعتها أمام قطر للموافقة عليها، وإصرارها، رغم اعتراض حلفائها، على إنهاء الأزمة. وكانت قطر ركزت منذ البداية على إحداث تغيير في الموقف السعودي، بمعزل عن بقية الأطراف؛ نظرًا إلى مكانة السعودية وموقعها وأهميتها. وقد استمرت الوساطة الكويتية حتى الساعات الأخيرة قبل انعقاد القمة، وعبرت قطر عن استعداد أميرها لحضور القمة الخليجية في السعودية على أن يسبق ذلك رفع الحصار عن بلاده، وهو الأمر الذي استجابت له السعودية؛ ما سمح بعقد القمة وتوقيع جميع الأطراف بيان العلا الذي أنهى الأزمة.

خاتمة

أنهت القمة الخليجية الحادية والأربعون التي عقدت في مدينة العلا السعودية واحدة من أسوأ الأزمات التي واجهها مجلس التعاون لدول الخليج العربية، برفع الحصار عن قطر في مقابل قيامها بإسقاط الدعاوى القانونية المرفوعة أمام منظمة التجارة الدولية والمنظمة الدولية للطيران المدني ("إيكاو" ICAO) للحصول على تعويضات تصل قيمتها إلى خمسة مليارات دولار بسبب الأضرار التي لحقتها نتيجة إغلاق المجال الجوي أمامها، كما تم الاتفاق على وقف الحملات الإعلامية المتبادلة. وكان لافتًا أن الأزمة انتهت من دون مكاسب تذكر لأي من أطرافها. على العكس، ألحقت الأزمة أضرارًا اقتصادية وسياسية بالغة بالجميع، وأضاعت نحو أربع سنوات من عمر العمل الخليجي المشترك كان يمكن استغلالها في مواجهة تحديات اقتصادية وسياسية كبرى تواجه دوله. سوف تحتاج أطراف الأزمة خلال المرحلة المقبلة إلى بذل المزيد من الجهد، لإزالة تبعات الأزمة، واستعادة الثقة، والعمل على تذليل بعض الخلافات التي ما زالت عالقة، خاصة مع الدول التي لم تكن متحمسة للمصالحة. كما يحتاج الأمر إلى الاتفاق على آليات مناسبة وفاعلة لحل الخلافات الخليجية، بما يمنع تكرار مثل هذه الأزمات، والاتفاق على ميثاق شرف خليجي يمنع استخدام القوة أو المقاطعة أو الحصار في حل الخلافات الخليجية البينية.

المصدر: المركز العربي